يقول تعالي: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)}.
فقد عالجت هذه الآية رحلة الإسراء؛ وعالجت الآيات الأولي من سورة النجم العروج إلي السموات العلا.
فتحدثت السورتان عن حدثٍ عظيم خارق للعادة؛ وهو من المعجزات الحسية الكبري التى حبا الله بها عبده ورسوله؛ وهي رحلة الإسراء إلي بيت المقدس والعروج إلي السموات العلي في ليلة واحدة، فخرق له فى الإسراء قانون الأرض باختصار المسافة وإلغاء الزمن، وخرق له بالمعراج قانون السماء فاخترقها صعودا. وكانت تطييبا لنفس رسوله بعد عودته من رحلة الطائف حزينا لما لاقى من سوء الاستقبال والمعاملة وهو يدعو إلي دين الله، وتعويضا له عن جفوة أهل الأرض بحفاوة الملأ الأعلى، فكأنما يقال له: “إن كان أهل الأرض لا يعرفون قدرك، فلتعرف قدرك عند أهل السَّماء”.
فكانت مكافأة ربانية، ومواساة على ما لاقاه فى سبيل الدعوة من آلام، وتخفيفا له من الأحزان على فقد النصير فى الأرض بوفاة العم الشفوق والزوجة الحنون فى عام واحد سُمِّي عام الحزن، ولتعطيه شحنة إيمانية قوية للانطلاق من جديد فى نشر الدعوة بنشاط وحماس ويقين فى تأييد الله ونصرته له.
وقد بيَّنت هذه الحادثة ضعف إيمان البعض؛ لم يصدقوا بها فارتدّوا كفارا، كما بيَّنت قوة إيمان آخرين، وقد كانوا مُقبلين على مهام شاقة وهى الهجرة، وسيلاقون فيها من المصاعب التى لا يحتملها إلا صادقو الإيمان؛ وأول هؤلاء أبو بكر- رضى الله عنه- الذى صدَّق النبي، حين جاءه ناسٌ من قريش؛ فقالوا: هل لك في صاحبك يزعُم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة! فقال أبو بكر: “إن كان قاله فقد صدق، وإنَّا لنصدّقه فيما هو أبعدُ من هذا، نصدّقه على خبر السماء” ؛ ومن ذلك لُقِّب بالصديق.
وهكذا يجب أن تكون عقيدة كل مؤمن فيما روى من الكتاب والسُّنة، فيقول سمعنا وأطعنا، سواء عرف الحكمة من التكليف أم لم يعلم.
وقد اُختلف فى تعيين ليلة وقوعها على عدة أقوال؛ فالاحتفال بها فى أي وقت من هذه الأوقات من باب التذكرة بفضل هذه المناسبة العظيمة؛ والذي يعنينا أنها كانت الليلة التي فُرضت فيها الصلوات الخمس بالتلقّي المباشر من الله تعالى، لعبده ورسوله، دون واسطة أمين الوحي جبريل، لتعلم الأمة الإسلامية قدر وأهمية هذه الفريضة كأعظم ركن من أركان الإسلام، وأنها معراج كل مسلم لرَّبه خمس مرات فى اليوم، علي أقل تقدير، وتزيد بتقرّبه بالنوافل والتطوع المُطلق، وأنها أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعمال، فإن صلحت صلح سائر عمله وإلا فالخسران المبين.
كذلك نتدارس أحداثها تبيينا لقدر رسول الله عند ربه وعند الملأ الأعلي، ومكانته بين الرسل والأنبياء السابقين حيث صلَّي بهم إماما؛ حتى نعلم قدر نبينا المصطفى، فندافع عنه وعن سيرته الطاهرة المشرفة أمام الهجمات الشرسة والمستمرة من أعداء هذا الدين فى الخارج والداخل.
وكذلك فالتذكير بالإسراء والمعراج تذكيرٌ ببيت المقدس، معراج رسول الله الذى اغتصبه اليهود، فمن أسرار هذه الرحلة المباركة أن الله تعالي يشير إلى أن سيطرة بنى إسرائيل على القيادة الدينية قد انتهت ببعثة رسول الله، وبمعراجه من بيت المقدس إلي السموات العلي، فقد تمَّت سيطرته عليه، وأنه اجتمع له الدين الإبراهيمي، وانتقلت القيادة الدينية من أُمّة غدرت وقتلت أنبياءها وأفسدت فى الأرض إلي أمة الخير والسلام، وهذا للتذكير بالقدس حتى لا ننساه؛ “وَذَكِّر ْفإنَّ الذِّكْرَي تَنْفَعُ المُؤمِنِينَ”.