فى الفيديو المنسوب لمندوب الأردن فى الأمم المتحدة يقول الرجل من على منصة المنظمة الدولية كلاماً جديداً على أسماعنا، عفوا هو فى الحقيقة ليس جديداً وإنما قديم جداً، قد سمعناه نحن ولكننا أهملناه منذ حوالى نصف قرن فلم يسمعه أبناؤنا وأحفادنا، ولهذا يبدو كلاماً جديداً يهز الضمائر الحية فى أمتنا وهى تتلقى كل يوم طعنات غادرة من حلفائها وأصدقائها.
يقول مندوب الأردن موجها حديثه إلى بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل الذى من الواضح أنه حاضر الجلسة الأممية: أنت تعلم وأنا أعلم أن الصراع بينى وبينك صراع عقائدى وجودى أزلى لن ينتهي، الصراع بينك وبين أصحاب الأرض والمسجد صراع عقائدي، وكما تعلم أننا قد نمر بحالات من الضعف المادي، أو حالات من شراء الذمم، أو حالات من التفرق والشرذمة، هذا موجود، وسيرة نبينا تدل على أنه كان موجودا، ونحن نعلم أبناءنا يا رئيس وزراء الاحتلال أن بلالا كان تحت الصخرة يئن ويقول أحد أحد، وأن أمثالك من أبى لهب وأبى جهل كانوا يقولون لو نعلم عذابا أشد من هذا العذاب لعذبتك، فيقول لو أعلم كلمة تسوءك أكثر من هذه الكلمة لقلتها، ما تفعله اليوم فى المسجد الأقصى يسوءنا ولا نملك فى أيدينا حيلة الآن، ولكنك تقرأ فى كتابك المقدس يقول: »أجمعك بها يا إسرائيل ثم أذبحك بها ذبحا«، ونحن نعلم من تراثنا العظيم أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، أنتم شرقى نهر الأردن وهم غربيه، فيقتل المسلمون الدجال »هذه رسالة لك يجب أن تعيها وأن تفهم مضمونها ومقتضاها«.
نعم هى رسالة لنتنياهو ولإسرائيل وللعالم أجمع، لكنها رسالة لنا نحن قبل هؤلاء جميعا، فالصراع مع إسرائيل ليس صراعا على الأرض والمقدسات فقط، وإنما هو صراع عقائدي، والخطاب السياسى الإسرائيلى منذ البدايات الأولى وإلى اليوم لا يخفى هذه الحقيقة ولا يتنصل منها، وإنما يعترف بها ويثبتها فى قلوب وعقول مواطنيه، بأنهم جاءوا إلى هذه الأرض تنفيذا لأمر الرب والتزاما بمشيئته، وأن عليهم أن يقاتلوا من أجل الحفاظ على وعد الله لهم ولأبنائهم.
بل إن الذين يدعمون إسرائيل من أتباع تيار المسيحية الصهيونية فى الغرب يؤمنون أيضا بأنهم يعملون بدافع عقائدى من أجل التعجيل بظهور المسيح الذى سوف يحكم العالم من هذه البقاع المقدسة، ويبدو هذا البعد العقائدى واضحا جليا فى خطاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومعاونيه، فالطريقة التى أعلن بها اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل واعترافه بضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية تؤكد ذلك، فى المرة الأولى كان فى المشهد حاخام يهودى يبارك القرار وصاحبه، وفى المرة الثانية كان نتنياهو نفسه حاضرا ومحاطا بصقور المسيحيين الإنجيليين المتشددين .
وليس خافيا أن تيار المسيحية الصهيونية فى تصاعد مستمر، وهذا التيار هو الذى رجح فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وسوف يضمن له ــ بجانب اللوبى اليهودى الصهيونى ــ الفوز فى الانتخابات القادمة، وليس خافيا كذلك أن الأردن الذى تحدث مندوبها بهذه اللغة غير المعتادة يشعر الآن بخطر حقيقى على وجوده كدولة بعد التسريبات المتواترة عن صفقة القرن التى وضعتها إدارة ترامب وتريد أن تفرضها بالقوة لتوطين الفلسطينيين فى الأردن، أو اقتطاع أجزاء منه لضمها إلى الضفة الغربية المحتلة لتكون وطنا للفلسطينيين، وإنشاء إدارة أردنية فلسطينية إسرائيلية على المسجد الأقصى على أن تكون السيادة الفعلية لإسرائيل.
وبسبب تخوف ملك الأردن من هذه التسريبات المريبة، ولأنه يعرف حقيقة الغدر والخيانة فى سلوك الحليف الأمريكي، ظهر مؤخرا فى اجتماع مع قادة جيشه مرتديا الزى العسكرى وتحدث عن الضغوط التى يتعرض لها لتغيير موقفه من القدس مؤكدا رفضه لقرار أمريكا بفرض السيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة وهضبة الجولان السورية ورفضه أيضا لأى كلام عن الوطن البديل أو اقتطاع أى شبر من الأردن تحت دعوى تبادل أراض مع إسرائيل.
والحقيقة أن الخطر الذى يستشعره الأردن يهدد دولا أخرى تتناولها تسريبات الصفقة الملعونة، والحل الوحيد الذى يحمينا جميعا هو أن تتحد إرادة الدول العربية والإسلامية من جديد لإنهاء مرحلة المراوغة والخداع والبدء فى مرحلة المواجهة الصريحة الشجاعة، قد تعوزنا الإمكانيات والقدرات المادية كما أشار مندوب الأردن، لكن يكفينا التمسك بالحق والثبات عليه دون تفريط، يكفينا مساندة الشعب الفلسطينى المظلوم فى سعيه المشروع نحو التحرر واسترداد حقوقه ومقدساته وإقامة دولته وفق قرارات الشرعية الدولية، يكفينا أن تتوافر لدينا إرادة المقاومة لتغيير واقعنا الأليم وبناء مستقبل أفضل نكون فيه قادرين على استرداد حقوق أمتنا.
ولكى يحدث هذا لابد من الحفاظ على سلامة الضمير العربى والوعى لدى الأجيال الجديدة بحقيقة الصراع، الصراع العقائدى بين أهل الحق وأهل الباطل، بين أصحاب الأرض والمحتلين الغاصبين، بين المستضعفين والمستكبرين المهووسين بالقوة الغاشمة.
نعلم أولادنا أن الأرض أرضنا ولن نتخلى عنها مهما طال الزمن، وأن الله وعدنا بالنصر ووعده الحق شريطة أن ننصره فى أنفسنا، نقول لهم إن الرومان استولوا على هذه الأرض لكنها عادت إلى أصحابها، والصليبيون والمغول والأوروبيون مروا على تلك البقاع واستعمروها قرونا ثم عادت لأمتها بالجهاد وبالرجال الأبطال الذين خلدهم التاريخ.
وفى ذلك يوصيكم ربكم: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».