الأيام المعدودات تمضى بنا سريعا فى شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فما إن بدأ رمضان حتى تجلت علينا الرحمات واستشعرنا فضل الله علينا بالتخفيف من حدة حر الصيف، حتى استشعر الناس وكأن الشتاء لم يرحل بعد، وفجأة ينقضى ثلث الرحمة من رمضان كلمح البصر، واليوم نبدأ ثُلث المغفرة من الشهر الكريم, الذى تتنوع فيه العطائات والمنح من الله سبحانه وتعالى لعباده الصائمين.
وإذا كان الثلث الثانى من شهر رمضان المعظم قد ارتبط بالمغفرة، كما بشرنا بذلك النبي صلوات الله وسلامه عليه حيث قال فى الحديث الشريف: ” شهر رمضان أوله رحمة, وأوسطه مغفرة, وآخره عتق من النار”، فإن رمضان كله مغفرة ولكن خص الله أوسطه بالمغفرة على سبيل زيادة المغفرة في تلك الأيام لنغتنمها قبل رحيلها، وفي عموم المغفرة في الشهر المبارك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه”، وقال كذلك: “من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه”.
لذا فإن النبي الخاتم سيدنا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – قد حثنا على اغتنام الأوقات في شهر رمضان طلبا للمغفرة من الله – عز وجل – بأن نؤدى فريضة الصيام على أكمل وجه، مؤمنين بجزيل ثواب الله وكرمه، محتسبين الأجر عنده سبحانه، وهو الكريم الذي لا تنفد خزائنه.
ودعونا من الحديث عن السنة والبدعة فى التسابق خلال هذا الشهر إلى فعل الخيرات والطاعات التى لها أصل فى دين الله وإن اختلفت هيئتها وطريقتها وأسلوبها بما يتناسب وطبيعة العصر الذى نعيشه، ما دامت لا تدخل فى أصل العبادة ماليس فيها بزيادة أو نقصان، ومن ذلك ما يقوم به البعض فى الوقوف على الطرقات قبيل أذان المغرب لإعطاء المارة وراكبى السيارات والمواصلات العامة ما يجرح به صيامه من تمر أو عصير أم زجاجة مياه، فلا يأتى متنطع ذات جهل ويقول: إن هذا لم يفعله الرسول ولا الصحابة ولا التابعين، وهو إن أراد أن يمحو أميته الدينية ويخرج من ظلمة جهله وسأل أهل العلم الشرعى، لأوضحوا له أن هذا الفعل له أصل فى الدين، ومن السنن الحسنة التى تملأ حياتنا ولم يكن لها سابق مثال على نفس الهيئة فى حياة النبى أو الصحابة، وإنما لها أصل فى عموم مفهوم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى لا يدركها إلا أهل العلم والبصيرة من المتخصصين فى علوم الدين.
فإن قيام الليل في رمضان وإحياء لياليه بالصلاة والذكر والتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن، وغيرها من الطاعات المستحدثة هي سبيل آخر لمغفرة الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها تتنزل الرحمات على من قام فيها وأحياها تائبا من ذنبه طائعا لله، لقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
وكذلك من أسباب حصول المغفرة في شهر رمضان كثرة الاستغفار خاصة في الجزء الأخير من الليل، وهو وقت السحر، الذي ذكره الله تعالى في سورة الذاريات وعده من صفاتِ المتقين، فقال: ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) “. وقال تعالى في سورة آل عمران: “وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ”.