الناظر في أمور الناس في الشهر الفضيل يجدها تتغير للأفضل، في التعاملات وزيادة والطاعات، لما له من الروحانيات الفياضة.
ولكن تبقى ثقافة خاطئة متواجدة مسيطرة على بعض الأسر المصرية.
عندما يأتي شهر رمضان الكريم تتكدس طوابير الانتظار الطويلة أمام المجمعات الغذائية وازدحام شديد في الأسواق والجمعيات ومنافذ البيع،صورة لا تزال مستمرة وتتكرر في كل رمضان وطوال أيامه، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي تؤدي لهذا الأسلوب؟
أن التسوق المفزع لشهر رمضان ثقافة تعزَّر مفهومها عند الكثير من أفراد المجتمع، حتى باتوا يتسوّقون بكميات كبيرة تكفي لاستهلاك عدة أشهر وليس لشهر رمضان فقط! وهم غير مُبالين بما ينفقونه من أموال على أطعمة متنوعة قد لا يتناولون إلا بعضا منها في ساعات الإفطار!
ويرجع سبب التبذير في شهر رمضان إلى الاعتقاد الخاطئ بين الناس بأن رمضان شهر الجود والخيرات والكرم، هو شهر التلذذ بأصناف الطعام المختلفة وغير المعتادة في الأيام العادية! فتنكبّ أرباب البيوت إلى الأسواق يأتين بحاجيات الشهر المتناثرة على البسطات عند أبواب المحال التجارية بكميات كبيرة قد لا يستخدمنها طوال الشهر، لزحمة المائدة بأصناف الطعام والشراب!
وهناك بيوت وأسر تحتاج للُقيمات من التي تُرمى في صناديق القمامة!
عادة مذمومة
ورغم أن رمضان الفضيل شهر التقوى والبِر والإحسان والرحمة والمغفرة والرضوان، إلا أن الكثير من المسلمين يزداد إسرافهم وتبذيرهم في هذا الشهر بخلاف باقي شهور السنة! إذ يبالغون في شراء ما لذَّ وطاب من الأطعمة والأشربة والحلوى والمسلّيّات، وكأن رمضان موسم للأكل والتباهي؟! فيأكلون القليل منها ويتعرض ما يتبقى للإتلاف والرِمي في حاويات القمامة!
وذلك في الوقت الذي تعاني العديد من الأسر المسلمة من الجوع وضيق ذات اليد ولا تجد من يعطف عليها ويسد رمقها! إنه لمن الذنوب والآثام التي ذمَّها الله في كتابه العزيز ونهانا عنها نهيًا مباشرًا صريحًا، التبذير والإسراف لما يسببانه من عدم تقدير واحترام لنِعَم الله وإهدارها هباء ودون جدوى وإنفاق المال في غير طاعة وفيما يخالف الشريعة الإسلامية، حيث قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف: 31، وقال صلى الله عليه وسلم: “كلوا واشربوا وتصدّقوا من غير مخيلة ولا ترف”.
إن شهر رمضان لكثرة الطاعات، علينا أن نسير في طريق الاقتصاد في النفقات وننأى بأنفسنا عن السير في طريق الإسراف والتبذير المحفوف بالشياطين والمفسدين، وأن ندرك أن الغاية من الطعام والشراب هي التقوِّي على طاعة الله والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون والتفاخر ونسيان إخواننا من الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق كثيرة علينا.
كما علينا جميعًا أن نعي ونفهم جيدًا المراد من “صيام رمضان”، ومبتغاه الحقيقي هو تطهير للنفس والمال والمجتمع، كما أنه عبادة صحيحة وتدريب على الصبر، وليس شهرًا لإقامة الولائم في البيوت والتنافس في الملذات في كثرة الطعام والشراب! ولكن “رمضان” هو شهر كثرة الطاعات، شهر النفحات والروحانيات وتهذيب النفوس.