حصلت الباحثة أماني محمود عبد الصمد على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولي من كلية دار اعلوم جامعة القاهرة عن رسالتها التي جاءت تحت عنوان (المصطلح الأصولي بين الحنفية والإمامية في أدلة الأحكام)
تكونت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من كل من: المشرف:أ.د/محمد أحمد سراج- أستاذُ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم، وأستاذُ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، المناقش الخارجي: أ.د/ محمود حامد عثمان- أستاذُ أصولِ الفقه ووكيل كلية الشريعة والقانون بالأزهر الشريف، المناقش الداخلي: أ.د/ علي عبد القادر-أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم.
تعد الرسالة في موضوعها أول دراسة مصطلحية في مصر، وفي منهجها أول دراسة مصطلحية في عصرنا بهذا المنهج المتكامل بين مذهبين من أقدم المذاهب الفقهية.
تقول الباحثة: المُصْطَلَحُ بِوَجْهٍ عَامٍّ يُمَثِّلُ أَسَاسَ النَّهْضَةِ العِلْمِيَّةِ، وَقَدْ عَرَفَهُ العُلَمَاءُ القُدَمَاءُ، وَلَمَسُوا أَهَمِّيَّتَهُ فِي بِنَاءِ النَّهْضَةِ العِلْمِيَّةِ، والمُصْطَلَحُ الأُصُولِيُّ خَاصَّةً يُمَثِّلُ أَسَاسَ نَهْضَةِ عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ، كَمَا وَأَنَّهُ يُمَثِّلُ أَيْضًا مِفْتَاحَ النَّظَرِ الشَّرْعِي، وَهُوَ أَسَاسُ تَصْحِيحِ مَفَاهِيمِ الشَّرِيعَةِ وَتَجْدِيد الخِطَاب الدِّينِي.
لِذلك فلَابُدَّ مِنْ إِعْدَادِ مَنْهَجٍ أُصُولِيٍّ جَدِيدٍ، يبدأ بِدِرَاسَةِ المُصْطَلَحِ الأُصُولِيِّ.والدراسةُ المصطلحيةُ يقعُ الخلطُ بينها وبين دراستين:
الدراسةُ الأولى: الدّراسةُ المُعجميةُ: وهي تنحصرُ في المفهومِ اللُّغويِ، والعلاقاتِ بين كلماتِ اللغةِ في مرحلةٍما.
فالكلماتُ تنمو كلُ واحدةٍ منها وتتغيرُ باستقلاليةٍ عن غيرِها، وبعضُها قدْ يتوقفُ المجتمعُ عن استعمالِها في مرحلةٍ معينةٍ.
أما الدراسةُ المصطلحيةُ فتشملُ المصطلحَ وجميعَ إطلاقاتِه وتطَورَها.
والدراسةُ الثانيةُ: الدّراسةُ الموضوعيةُ: وهي تتعلقُ بما ينبني على مصطلحٍ ما من قضايا أصوليةٍ،وتطبيقاتٍ فقهية.
وجاءتْ الدراسةُ في مقدمةٍ، وتمهيدٍ، وأربعةِأبوابٍ، وخاتمةٍ
تناولتُ في التمهيدِ: التعريفَ بالمذهبينِ الحنفيِ والإماميِ، وأدلةَ الأحكامِمن حيثُ شرعيتُهاوثبوتُها.
وتناولتُ في البابِ الأولِ: المصطلحَ الأصوليَ: مفهومَه، ومصادرَه، وشروطَ وضعِه،وتجديدَ دراستِه.
وفي البابِ الثاني قمتُ بدراسةِ:المصطلحاتِ الأصوليةِ الخاصةِ بأدلةِشرعيةِ الأحكامِالنصيةِ(الكتابِ، والسنةِ، والإجماعِ، والدلالاتِ).
بينما درستُ في البابِ الثالثِ: المصطلحاتِ الأصوليةَ الخاصةَ بأدلةِشرعيةِ الأحكامِ غيرِ النصيةِ، وأدلةِ ثبوتِ الأحكامِ والتعارضِ.
أما البابُ الرابعُ فعرضْتُ فيه:لأنواعِ المصطلحاتِ الأصوليةِ بينَ الحنفيةِ والإماميةِومصادرِها والاختلافِ فيها،وتطورِها المنهجيِ.
وأخيرًا الخاتمةُ، وخلصتُ فيها إلى نتائجَ وتوصياتٍ، منها ما يلي:
أولًا: من النتائج:
أنَّ المصطلح الأصولي يملكُ سماتٍ خاصةٍ؛ منها ما يختصُ باللفظِ نفسِهِ، ومنها ما يتعلقُ بمنْ يقومُ بعمليةِ الوضعِ.
الإمامُ الطحاويُّ الحنفيُ المتوفى سنةِ واحدٍ وعشرين وثلاثِ مِائةٍ من الهجرةَ النبويةِ هو أول ُمنْ وظَّفَ مصطلحَ النسخِ أصوليًا.
توسعَ كلٌ من الحنفيةِ والإماميةِ في مفهومِ مصطلحِ السنةِ، والاختلافُ بينهمْأن توسعةَ الحنفيةِ له يشملُ الصحابةَ؛ حيثُ اعتبروا ما يصدُرُ عنهم سنةً، ويجري عليه أحكامُها الخاصةُ من حيثُ الحجةُ إذا اتفقوا.
بينما وسَّعه الإماميةُ إلى ما يصدرُ عن الأئمةِ، فهي عندَهُم: كلُ ما يصدرُ عنِ المعصومِ قولًا وفعلًا وتقريرًا.
كانَ محمدُ بنُ الحسنِ الشيبانيِ أوَّلَ مَنْ وظَّفَ مصطلحَ الإجماعِ أصوليًا في تعليلِ اختيارِ أقوالِ أبي حنيفةْ والترجيحِ بين الروايات، وتوسعَ الطحاويُ في توظيفِه، بينما اتسعَ مصطلحُ الإجماعِ الخاصِ العمليِ عندَ الجصاصِ ليتعدى عملَ أهلِ الكوفةِ، وظهرَ إطلاقٌ جديدٌ له، وهو مصطلحُ التعاملِ.
تأثرَ أصولُ الفقهِ بعلمِ المنطقِ من حيثُ مَنَحَ الإجماعَ في كلتا المدرستينِ يقينًا وقطعًا، بغضِّ النظرِ عن كيفيةِ تحققِه عمليًا .
الإجماعُ الأصوليُ عند الحنفيةِ تحققَ عمليًا متمثلًا في مصطلحِ التعاملِ، ولم يفردُوه بذكرٍ؛ لكونِه مردودًا إلى الإجماعِ، ولم يتعرضْ له العلماءُ المعاصرون، مما أدىَ إلى الادعاءِ على المدرسةِ الحنفيةِ خاصةً والمدرسةِ السنيةِ عامةً بأنَّ الإجماعَ فيها لمْ يتحققْ عمليًا، بالرغمِ منْ تحقُقِهِ، ولكنَّ اختلافَ إطلاقاتِ المصطلحِ وعدمَ دراستِه دراسةً مصطلحيةً أدىَ إلى هذا الخلطِ .
اتفقَ الحنفيةُ والإماميةُ في تقاسيمِ دلالاتِ الألفاظِ ومراتبِها؛ وذلك لأنَّ كلًا من المذهبينِ قائمٌ على استقراءِ الفروعِ، وعلى ضوئِها بَنَوا القواعدَ الأصوليةَ، مما جعلَ بينهُما تشابهًا.
ظلَّ مصطلحُ الاجتهادِ يستخدمُ للتعبيرِ عن القياسِ والاستدلالِ عند الحنفيةِ حتى القرنِ الخامسِ الهجريِ، وعندَ الإماميةِ حتى القرنِ الثامنِ؛ حيثُ اتسعَ مفهومُه بعدَ ذلكَليشملَ عمليةَ الاستنباطِ نفسِها.
تأثرَ القانونُ الجنائيُ الغربيُ الحديثُ بمفهومِ القياسِ عندَ الحنفيةِ؛ فمسألةُ حظرِ القياسِ تمثلُ مبدءًا منْ المبادئِ الجوهريةِ قاعدة: “لاَ عقوبةً شرعيةً إلا بقانونٍ“، وهذا المبدأُ هو نفسُ رأيِ أبيِ حنيفةَ: “لاَ قياسَ في الحدودِ“.
وظفَ الإمامُ أبو حنيفَة مصطلحَ العرفِ أصوليًا، ولكنه كانَ مرادفًا لمصطلحِ العرفِ اللغويِ، ولمْ يتمَّ تحديدُه كدليلٍ أصوليٍ إلا عند الماتُرِيدِي؛ حيثُ ظهرَ العرفُ الشرعيُ، فشَمَلَ بذلِكَ مصطلح ُالعرفِ عندَه العرفَ اللغويَ والعرفَ الشرعيَ، ووضعَ لهُ أولَ تعريفٍ، كما وسَّعَ الحنفيةُ دائرةَ الاحتجاجِ بِهِ، وعَدُّوه من أدلةِ إثباتِ الأحكامِ.
الوعيُ بالتطورِ التاريخيِ للمصطلحِ وعدمُ عزلِهِ عن بيئتِهِ يجعلُنا على فهمٍ صحيحٍ لمدلولاتِهِ، كما أنَّ توظيفَ المصطلحِ يساعدُ على نحوٍ كبيرٍ في تحديدِ مفهومِهِ واستقرارِهِ.
لعلماءِ الحنفيةِ والإماميةِ اتجاهاتٌ في تعريفِ مصطلحاتِ أصولِ الفقهِ، ولكلٍ مفهومُهُ الخاصُّ، ولا يقتصرُ الاتجاهُ على عصرٍ معينٍ دون عصرٍ؛ بل نجدُ في كل اتجاه علماءَ من عصورٍ مختلفةٍ؛ منهم من اختاره اجتهادًا، ومنهم من اتبعَهُ تقليدًا.
المصطلحُ الأصوليُ تعددتْ مصادِرَهُ، ولكنَّ الأصوليين وظفوه أصوليًا وتناولُوه في حدودِ ما يتصلُ بعلمِ أصولِ الفقهِ.
هناك عواملٌ أثرتْ في وجودِ اختلافاتٍ في المصطلحاتِ عند الحنفيةِ والإماميةِ، ونُشُوءِ مصطلحاتٍ تفردَ بها أحدُهُما، ومن تلك العوامل:
*المذهبُ الفقهيُ، ومن أثرهِ: تفردُ الحنفيةِ بمصطلحِالكلامِ النفسيِ، وتفردُ الإماميةِ بمصطلحِمصحفِ عليِ.
*المذهبُ الكلاميُ، ومن أثرِهِ: مصطلحُ العلةُ: فمشايخُ العراقِ وبعضُ متقدميِ سمرقند عرَّفوا العلةَ بالعلامةِ؛ وذلك لكونِهم أشاعرةً؛ حيثُ إنَّ الفكرَ الأشعريَ يقولُ بأنَّ الموجبَ للحكمِ هو اللهُ، وأن اللهَ هو المؤثرُ الوحيدُ، أما البصريُفمعتزليُ الفكرِ لم يجدْ حرجًا من تصريحِه بتعريفِ العلةِ بالمؤثرِ، أما متقدميِ سمرقند فماتريديةٌ، مما جعلهُم يصرحونَ باشتراطِ التأثيرِ في العلةِ، ولكنَّها مؤثرةٌ بجعلِ الشارعِ لها سببًا في إيجابِ الحكمِ.
*اختلافُ النظرِ الأصوليِ إلى المصطلحِ، ومن أثرهِ: اختلافُ النظرِ الأصوليِلمصطلحِ الزيادةِ على النصِ، مما ترتبَ عليه الاختلافُ في المصطلحِ نفسهِ، أهُو نسخٌ أم بيانٌ؟ فالزيادةُ على النصِ وجهٌ من وجوهِ النسخِ عند جمهورِ الحنفيةِ، أما عندَ بعضِ الحنفيةِ وجمهورِ الإماميةِ فهو نوعٌ من البيانِ.
*التعصب، ومنه: النظرةُ الضيقةُ المتعصبةُ ضدَّ المرأةِ عندَ الإماميةِوالتي كان لها أثرٌ في الاختلافِ في مصطلحِ خبرِ المرأةِ -أحدُ أقسامِ الحديثِ باعتبارِ الرواةِ-؛ حيثُ لم يتوسعُوا فيه؛ بلْ تقيدوا في قبولِ روايةِ المرأةِ بشروطٍ حالتْ دونَ تطورِه؛فاشترطوا العدالةَ، وأنْ تكونَ الحجةُ في روايتِهابأربعةٍ من النساءِ، أما الحنفيةُ فقدْ توسعوا في مصطلحِ خبرِ المرأةِ؛ ورادفَهُ مصطلحُخبرِ النساءِ.
مرَّ المصطلحُ الأصوليُ بمراحلِ تطورٍ:
مرحلةُ نشأةِ المصطلحاتِ:وقد امتدت في المدرسةِ الحنفيةِمنذ نشأتها إلى أواخرِ القرنِ الثالثِ الهجريِ، أما في المدرسةِ الإماميةِفبدأتْفي أولِّ القرنِ الرابعِ حتى القرنِ الحادي عشرَ الهجري، ويرجعُ طولُ مرحلةِ النشأةِ عند الإماميةِ إلى أن محاولاتِهم في مجاراةِ البحثِ الأصوليِ في المدارسِ السنيةِ قد احتاجَ إلى وقتٍ لمدارسةِ إنتاجِها وقبولِ الإفادةِ منه؛ نتيجةً لتأثيرِ الجانبِ السياسيِ على العلماءِ .
مرحلةُ توظيفِ واستقرارِ المصطلحاتِ أصوليًا: بدأتْ عندَ الحنفيةِ من أوائلِ القرنِ الرابعِ الهجري حتى منتصفِ القرنِالسابعِالهجري، بينما كانت المدرسةُ الإماميةُ في بدايةِ مرحلةِ نشأةِ المصطلحِ وضبطِه، ولمْ تبدأْ مرحلةُتوظيفِ المصطلحاتِ أصوليًا واستقرارِها عند الإمامية إلا في القرنِ الثانيِ عشرَ الهجري .
مرحلةُ التقليدِ: بدأتْ هذه المرحلةُ في المدرسةِ الحنفيةِ منذ بدايةِ القرنِ الثامنِ الهجريِ حتى القرنِ الثالثِ عشرَ، بينما مرتْ المدرسةُ الإماميةُ في تلك الفترةِ الزمنيةِ بمرحلةِ النشأةِ حتى القرن الحادي عشرَ، ثم بدأتْ تتقدمُ في مرحلةِ التوظيفِ والاستقرارِ في بدايةِ القرنِ الثانيِ عشرَ، ولذلك لمْ تمرَ المدرسةُ الإماميةُ بمرحلةِ الجمودِ في المصطلحاتِ الأصوليةِ.
مرحلةُ التجديدِ:حيث استمرتْ الدعواتُ في العصرِ الحديثِ إلى تجديدِ علمِ أصولِ الفقهِ عامةً، والمصطلحِ الأصوليِ خاصةً منذ حوالي ثُلُثِ قرنٍ، ومنْ مظاهرِالتجديدِ:تجديدُ البحثِ والمقارنةِ، ربطُ دراسةِ المصطلحِ الأصوليِ بالواقعِ المعاصرِ،وإصدارُ معجمٍ تاريخيٍ لمصطلحاتِ أصولِ الفقهِ، وتوحيدُ المصطلحِ الأصوليِ.
ثانيا: من التوصيات
تدريسُ مقررِ (مدخلٌ إلى علمِ المصطلحِ) على طلبةِ الجامعةِ؛ يحتوي على التعريفِ بالمصطلحِ ونشأتهِ ومراحلِ تطورِه، وكيفيةِ وضعهِ، وبيانِ دورِه في تجديدِ العلومِ، والتدريبُ العمليُ للطلابِ في حقلِ المصطلحاتِ.
توجيهُ الباحثين إلى الدراساتِ المصطلحيةِ في فروعِ الشريعةِ الإسلاميةِ عامةً وأصولِ الفقه ِخاصةً؛ منْ خلالِ الرسائلِ العلميةِ.
إنشاءُ لجانٍ خاصةٍ مكونةٍ من مجموعةٍ من علماءِ أصولِ الفقهِ والباحثينَ المتخصصينَ في المصطلحِ الأصوليِ في المجامعِ الفقهيةِ واللغويةِ.