قال فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن مفهوم التنمية يتجاوز المحافظة على الثروات الطبيعية والموارد المادية إلى المحافظة على كل ما يتعلق بالإنسان من جوانب ثقافية واقتصادية ودينية واجتماعية، وصيانة حياته حاضرا ومستقبلا، موضحا أن المشروعات التنموية لا تكون ناجحة إلا بالاستدامة التي حظيت الآن باهتمام كبير على مستوى الدول، والهيئات، والمنظمات.
وأكد وكيل الأزهر، خلال كلمته اليوم بالمؤتمر العلمي الثالث لكلية أصول الدين #جامعة_الأزهر، تحت عنوان “التنمية المستدامة في الفكر الاسلامي”، أن التنمية المستدامة في الإسلام لا تقف عند الجانب المادي وحده، بل تجعله جنبا إلى جنب مع البناء القيمي والأخلاقي والروحي، الذي يصون هذه التنمية ويحفظها من العبث بمكوناتها وبرامجها، كما أن التنمية في الإسلام لا تقف عند إصلاح الدنيا بل تتجاوزها إلى الآخرة، وذلك كله تحت اسم «الإعمار» الذي يشمل القلب والعقل، والعلم والعمل، والدنيا والآخرة.
وأضاف وكيل الأزهر أن المتأمل للفكر الإسلامي الثري يجد عند علمائه إشارات تؤكد ملمح استدامة التنمية، وتظهر سبق العلماء لزمانهم، مؤكدا أن هذا الفكر يتميز بأنه لا يقف عند عصر معين أو زمن مخصوص ينتهي أثره بانتهائه، كما أنه ليس محدودا بمكان ولا بأمة ولا بشعب ولا بطبقة، بل يمتاز بالشمول؛ فهو يخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات، وهذا الشمول يتجلى في العقيدة والإيمان، ويتجلى في العبادات والمعاملات، ويتجلى في الأخلاق والفضائل، ويتجلى في التشريع والتنظيم
وأوضح الدكتور الضويني أن التنمية ومشروعاتها حين تقوم على المقومات المادية وحدها فإنها سرعان ما تؤدي إلى انهيار حضاري، داعيًا إلى عدم الانخداع بما يُصور لنا من تجارب تنموية يشار إليها بالنجاح، مؤكدا أن النجاح في الجانب المادي وحده لا يستطيع القضاء على الجرائم، ولا يقدم حلا للأسر المفككة، ولا يضع علاجا للاضطرابات النفسية والسلوكية.
وأشار وكيل الأزهر إلى أن السبب الأساسي في سعة الفكر الإسلامي وشموله، هو سعة وشمول الأصول التي ينطلق منها، والأهداف التي يسعى إليها؛ موضحا أنَّ الفكر الإسلامي جاء لكي يعالج واقع الإنسان والمجتمع دون تضليل أو وهم أو واقعية محبطة، وإنما معالجة وسطية تعالج مشاكل الإنسان واحتياجاته، وتُرتِب سلوكه وعلاقاته، وتنظم قوانينه وقواعده.
ولفت وكيل الأزهر إلى أنه إذا كانت التنمية المستدامة تقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي: الاقتصاد والمجتمع والبيئة، فإن الفكر الإسلامي قد عني بكل هذه العناصر في سبك عجيب، ويضيف إليها البعد المعنوي الذي يركز على بناء الإنسان وتنميته ذاتيا، وذلك بتربيته دينيا وروحيا وخلقيا وقيميا؛ ليقوم بالدور المنوط به، بما يضمن تنمية مستدامة في الدنيا والآخرة.
ودعا وكيل الأزهر المشاركين بالمؤتمر، الذي يدل على اعتزاز الأزهر بالفكر الإسلامي، ووعي رجال الأزهر بالتحديات التي تحيط بوطننا وأمتنا، إلى الاجتهاد لطرح بحوث جادة ورصينة، تكون نورا يؤكد تجاوز علوم التراث لزمانها الذي وردت فيه، وتفاعلها مع العصر الحاضر، وتكشف عن مرونة الفكر الإسلامي، وقدرته على الإسهام بنصيب وافر في حل مشكلات الواقع.