الحرية مطلب كبير من مطالب النفس البشرية، يدعو إليها حب البقاء وتنازع الوجود وهى حق من أعظم الحقوق التى يحرص على التمتع بها كل انسان فى الحياة، وهى سبب من الأسباب القوية التى تبعث على النشاط والعمل وعامل مهم من العوالم التى تتغير بها الأوضاع والنظم وهى فى نفس الوقت سلاح ذو حدين ان أسيئ استعماله، حول الحياة إلى جحيم لا يطاق وآفة ذلك عدم الفهم الواضح والإدراك الصحيح للمفاهيم التى ينعكس أثرها على السلوك.
وقد فهم بعض الناس خطأ، أن الحرية تحرر لا يعتد بعرف ولا بنظام قائم، وانطلاق لا يبالى بآداب معروفة، وقوانين موضوعة، وهذا الفهم الملتوى يشوه الوجه الجميل للحرية، ويحيد بها عن الطريق الصحيح ويساعد على الفوضى ويبعث الفتنة ويضع العقبات فى طريق التقدم والنهوض.
ان الفهم العقيم للحرية هو نتاج النفوس المريضة بالانانية وحب الذات واتباع الهوي، الذى يضل به الانسان ويهوى إلى درك الحيوان قال تعالي: “أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً” صدق الله العظيم “سورة الفرقان”.
كذلك فإن الفهم العقيم للحرية يمثل جناية على النفس وعقوقاً للمجتمع وخيانة للوطن، فهو قائم على عدم المبالاة بالمسئولية.. فليعلم كل منا ان الحرية مقيدة لصالح الفرد ولصالح المجتمع على السواء وأن الضوابط التى تحكمها ترجع إلى الدين بأمره ونهيه ونظمه وقواعده إلى عدم المساس بحقوق الآخرين التى أقرتها الأديان السماوية ونظمتها القوانين، فهو فى اعتقاده وفكره لا يجوز له ان يعتنق عقيدة باطلة ولا أن يدين بمذهب هدام لأن ذلك سينعكس على سلوكه ويتحكم فى تصرفاته، وهو فى قوله وتعبيره لا يجوز له أن يجرح الشعور أو يهتك الستر أو يشيع الفاحشة أو يثير الفتنة أو ينشر الفوضي، وهو فى تصرفه الشخصى الخاص مقيد فى مأكله ومشربه ومتعته وزينته، فحين أحل الله سبحانه وتعالى الطيبات قال: “ولا تعتدوا” وحين أحل الأكل والشرب قال: “ولا تسرفوا” وحين أحل للمرأة أن تتزين حدد لها مواضعها وبين لها معالمها، وهو كذلك فى تصرفه الاجتماعى مقيد بمنع الضرر عن الآخرين، ويجمع ذلك كله قول الرسول الكريم: “لا ضرر ولا ضرار”.
فليعلم كل انسان منا أن تقييد حريته لطف به واشفاق عليه، فالطبيب إذا منع المريض طعاما تشتهيه نفسه، أوجرعة دواء تأباه طبيعته فذلك رحمة به، لا قسوة عليه، واشارة المرور الحمراء إنذار بالخطر فأن قيدت حريتك فقد حفظت حياتك، والآداب والقوانين صمام أمان يقى الأخطار، ويصون الحقوق، والأديان السماوية ليست عبئاً ثقيلاً يقيد الحريات بقدر ما هى تنظيم للسلوك وتخطيط واضح المعالم للطريق، والدين لا يحارب الغرائز ولكن يهذبها ويروضها وهو لا يقضى على النزعات الانسانية ولكن يسمو بها ويعليها وهو لا يعطل الطاقات ولكن يوجهها إلى الميدان الصحيح، وهو أيضا وقاية للانسان من الخطر والأخطار.. فلنلتزم هدى الله، فكله خير ولنتمتع بحريتنا فى إطار الدين والآداب حينها نسعد وتسعد بنا الحياة.
وختاماً :
قال تعالي: “الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون”. صدق الله العظيم “الأعراف: 51”.