قصد ضيوف الرحمن- المشاركون في المؤتمر العالمي للمسلمين- مكة لأداء المناسك، إرضاء الله تعالى، وتأدية للفريضة، وتحقيقا للركن الخامس من أركان الإسلام ويتحمل ضيف الرحمن في سبيل ذلك الصعاب، فيصبر على المشاق، ويتجاوز الصعوبات، ويتغلب على المنغصات، ويبذل النفقات، ليعود بميلاد جديد، وذنب مغفور، وسعي مشكور وعمل متقبل، وحج مبرور الذي جزاؤه الجنة.
هذا المؤتمر العالمى الذى يقام فى جو من الحب والتجرد والتقرب إلى الله، تتآلف فيه القلوب، وتُحصل فيه المنافع {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحج: 28), وأفضل المنافع وأحسن التآخى هو الحب فى الله، والاجتماع على غاية واحدة وهدف سواء، خاصة وأن الدعوة لهذا المؤتمر العظيم جاءت بأمر من الله لنبيه إبراهيم الخليل عليه السلام :{وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج:27)، وهى دعوة قديمة، ومكان الانعقاد الدائم الذي لا يتغير هو بيت الله الحرام وأكنافه المقدسة التى جمعت بين البركة الإلهية، والعراقة التاريخية، والحرمة الدينية.
فعن سيدنا عَمْرَو بنَ العاصِ رضي الله عنه قال: ((فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإسْلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قالَ: ما لكَ يا عَمْرُو؟ قالَ: قُلتُ: أرَدْتُ أنْ أشْتَرِطَ، قالَ: تَشْتَرِطُ بماذا؟ قُلتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قالَ: أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟)) (صحيح مسلم).
إن أعظم وأكبر وأقوى مؤتمر يعقد فى كل عام هو الحج، فالحج بالنسبة للأمة الإسلامية مؤتمر عظيم، يجتمع فيه المسلمون بأشهر معلومات، وأيام معدودات بهذه الأعداد الكبيرة فى كل عام، فهو بحقيقة الأمر أعظم مؤتمر للأمة الإسلامية، حتى أنه أعظم مؤتمر بالنسبة للبشرية كلها، فلا يوجد على وجه الأرض مؤتمر آخر يجتمع فيه المسلمون بأعداد كثيرة فى أى مكان، وفى أى زمان من العالم كاجتماعهم في الحج.
حقاً إنه مؤتمر جامع لم تألف مثله البشرية فى ظل أى مبدأ من المبادئ، إنه مؤتمر مازالت تتعاقب على حضوره أجيال المسلمين المتلاحقة عاماً بعد عام، ويجتمع فيه الحجاج الذين وفدوا من كل بلد وصل إليه الإسلام وأشرقت فى ربوعه كلمة التوحيد، ألوان شتى، وألسنة مختلفة، واختصاصات متعددة، كلها قد التقت على صعيد واحد فى هذا المؤتمر العالمى الفريد.
ولعل من أسرار الحج الذي هو من العبادات الرئيسية الكبرى التي يتعبد بها المسلمون أن يجمع الله مندوبين من كل بلد مسلم ليلتقوا فى تلك الرحاب المقدسة الطاهرة فيتدارسوا أحوالهم، ويوحدوا جهودهم ويستفيدوا من خبرات بعضهم بما يرفع شأنهم ومكانتهم بين أمم الأرض قاطبة، ويعيدهم إلى دور الريادة والقيادة .
فما أحوجنا للوحدة كي نحظى برضا ربنا وخالقنا ورازقنا الذي أتاح للحجاج منا فرصة الاجتماع والمشاركة فى هذا المؤتمر العظيم لغفران الذنوب والتنقية من الخطايا خاصة وأن عدد الحجيج كبير، والطاقة البشرية هائلة، والكل يجتمع فى بيت الله الحرام فى هذا الموسم العظيم، وهذا المنسك الكريم، الذى تتجه فيه أنظار المسلمين إلى هذا المكان، فى هذه الأيام المباركات، فى هذا المؤتمر الكريم، فما أحوجنا للوحدة في هذا المؤتمر والحرص على معالجة قضايا المسلمين كافة، فقد كانت مواسم الحج فى السابق مؤتمرات، فالرسول كان يتقصد قبائل الحجيج فيدعوهم إلى الله، وكذلك الحال زمن الخلفاء الراشدين ومن خلفهم من بعدهم كانوا يعتبرون موسم الحج بمثابة تأكيد على وحدة بلاد المسلمين كلها، فموسم الحج يجب أن يكون مؤتمراً للتغيير فى بلاد المسلمين إضافة إلى المنفعة الفردية التى تتحقق للمسلم بأن يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه حيث ينال رحمة الله ورضوانه ومغفرته وبركاته.
وعلى كل حاج أن يعلم أن الحج هو ترقية لدرجته عند الله فلا يجب أن يتنازل عن ترقيته وأن يثبت إذا كان يريد أن يحافظ علي أن تكون حالته بعد الحج افضل مما كان عليه قبل الحج بعدما منَّ الله عليه بأن يكون من ضيوف الرحمن ويشارك في هذا المؤتمر السنوي الفريد وسوف نتحدث الأسبوع القادم إن شاء الله عن توصيات هذا المؤتمر .
اللهم إنا نسألك الإخلاص والقبول والتوفيق والسداد في القول والعمل اللهم تقبل صالح الأعمال وتجاوز عن السيئات و أرزقنا حبك وحب كل عمل يقربنا إلي حبك يا أكرم الأكرمين.