كل عام.. وأنتم بخير.. ها نحن نعيش أيام شهر المحرم نتذكر فيه ذلك الحدث العظيم الذى قلب موازين التاريخ، وغير وجه البشرية كلها.. إنه حادث الهجرة النبوية المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حيث شع نور الإسلام فى كل البقاع ودخل الناس فى دين الله أفواجاً.
والهجرة النبوية ليست حدثاً وانتهى، لكنها كانت ومازالت وستظل دروساً وعبراً، نظل نتدارسها على مر السنين، ولم لا.. فهى إعداد وسرية وأخذ بالأسباب، وصحبة طيبة، وقرار صائب، وتوكل على الله، وثقة بالغة وثبات راسخ وصبر وعزيمة. ومؤاخاة وإيثار ورفعة وحفاوة وأخوة وكرم وتكافل وتواد وتراحم قلما يجود الزمان بمثله.
الهجرة مجتمع مدنى جديد، شعاره الأمل وقوامه العدل والإنصاف، وتعددية ووثيقة أرست قواعد التعايش بين البشر، ولم تكن أبداً محناً، وإنما منح أعقبها نصر من الله سبحانه وتعالى.
واليوم ونحن فى مطلع هذا العام الهجرى الجديد ١٤٤٤ ـ أين هجرتنا نحن؟! هذه هى أعمال النبى محمد صلى الله عليه وسلم ـ فأين أعمالنا نحن؟! هذه تضحيته صلى الله عليه وسلم وتضحية المهاجرين والأنصار، فأين تضحياتنا نحن؟! هذا صمود الرعيل الأول فأين صمودنا نحن فى مواجهة التحديات؟! هذا تاريخهم الذى صنعوه لنا، أعمالهم كانت ومازالت للأجيال من بعدهم فخراً ومجداً وذكريات مشرقة فأين تاريخنا الحاضر؟!
أين هجرتنا من الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكرى، ومن البعد إلى الصلة بالله سبحانه وتعالى، هجرة من البخل إلى البذل والعطاء، هجرة من اللغو إلى الجد والهمة والعزيمة، هجرة من الرذائل إلى الفضائل ومن الشر إلى الخير ومن البطالة إلى العمل والجد والاجتهاد. هجرة من الكذب والغيبة والنميمة والكلام البذىء إلى ذكر الله عز وجل ودعائه والتلذذ بمناجاته، هجرة من أصدقاء السوء إلى الأخوة الصادقة الذين يدلون على الخير ويعينون عليه.
الهجرة من كل ما يغضب الله إلى كل ما يرضى الله ومن كل معصية يبغضها الله إلى كل طاعة يحبها الله.
ما أحوجنا إلى دروس الهجرة ونحن نعيش هذه الأزمات المتتابعة، بل ما أحوجنا إلى كل درس من دروس سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وما أحوجنا إلى أن نتعلم كيف يؤدى التخطيط الجيد ودوره فى تحقيق النجاح، ومن أعظم أسس التخطيط حسن توظيف الطاقات وسلامة استغلال القدرات المتاحة.
ما أحوجنا ونحن فى بداية عام هجرى جديد أن نفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل، صفحة بيضاء نقية نعاهد فيها الله أن نسلك طريق الالتزام والهداية، صفحة نعاهد الله فيها بترك كل معصية ما أحوجنا إلى هجرة ما يعبد من دون الله، هجرة العصاة ومجانبة مخالطتهم، هجرة القلوب إلى الله تعالى والإخلاص فى التوجه إليه فى السر والعلانية، بهذا كله نحيى ذكرى الهجرة الشريفة ونحقق مقاصدها فاللهم اجعل عامنا القادم أفضل من عامنا المنصرم بتوفيقنا لطاعتك وترك معصيتك.. اللهم اجعله خيراً وبركة وصلاحاً وأماناً.. اللهم وفقنا فيه لما ترضى وجنبنا فيه الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعله عام انتصار للمسلمين فى كل أرض تعلو فيها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ختاماً:
قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”
صدق الله العظيم