إن الله تعالى أوجدنا فى هذه الأرض من العدم وأمرنا أن نعمر فيها، لأن مفهوم العبادة الشامل هو إعمار الكون، قال سبحانه: “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها” أى طلب منكم عمارتها، والله تعالى امتن على الناس بأنه سلم إليهم الأرض صالحة، قال سبحانه: ” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ” (56 ـ الأعراف)، فمفهوم العبادة الشامل هنا يجعلك تقول: أنا قادر على تحويل حياتى كلها إلى باب من أبواب الطاعة والعبادة، إذا كنت صادق النية ومتبعا لهدي خير البرية سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإذا كان الله قد أمرنا بإعمار الأرض، فذلك لن يكون إلا بأناس يحبون الحياة ولا يعتدون على الدماء ولا الأموال ولا الأعراض، لأن القتل والسلب والنهب والخوض فى الأعراض والاعتداء عليها ليس من العمران فى شيئ.
وثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، وكان أعظم ما أكد عليه تحريم دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وقد حذر تحذيرا شديدا في هذه الخطبة يتعلق بالدماء وحرمتها فقال: “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض”، وهذا تحذير بالغ، فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفارا، وسمى هذا الفعل كفرا، وليس هذا بالكفر الناقل من ملة الإسلام، بل يدل على أن هذا العمل من شعب الكفر الذميمة وخصاله المشينة، وقد جاء الإسلام بالتحذير منها والنهي عنها، تحقيقا للوئام، وجمعا للقلوب، وحفظا للدماء أن تزهق بغير حق وأن تراق بلا موجب.
إن الأحاديث في باب حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم كثيرة ومتعددة، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا”، وقال صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله”، وقال: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه”، وقال: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض”.
فالواجب على كل مسلم أن يكون على حذر شديد من الوقوع في هذا الإثم المبين والذنب الوخيم ألا وهو تخريب العمران، والاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم، ومن يقترف شيئا من ذلك فهو على خطر عظيم، وعليه أن يراجع إيمانه وإسلامه، وإن كان رائده وإمامه ومرشده ومحرضه يتدثربدثار ظاهره الإسلام والإيمان، فإن باطنه يقينا مفارق لدين الله الحق، إما بجهل وعدم إلمام بحقيقة الدين الحنيف، أو بسوء نية وخبث طوية وعمالة شيطانية.
وقد كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: “إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلق الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل”، فيا لها من نصيحة وما أبلغها، وعلم نافع ما أجمعه وأجمله.
اللهم احفظ شبابنا وشباب المسلمين أجمعين، واحفظ مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء وشر، ورد كيد الحاقدين والخائنين والمحرضين ضد مصر من أهل الشر إلى نحورهم.. اللهم آمين.