حين دق جرس المنزل تحركتُ نحو الباب أقوم بفتحه، وإذا بي أرى المفاجأة الكبيرة إنه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي جاء بنفسه إلى منزلي زائرا، يا للسعادة والسرور هل حقا ما تراه عيناي.. إنه الإمام بباب منزلي.
ألفيت الإمام يقف في ناحية وليس في مواجهة الباب كي لا يكشف من بداخل المنزل كأخلاق أهل العلم وأصحاب الحياء، وكان النور يتفجر من محياه الكريم والسرور يشع من قسمات وجهه وملامحه الرائعة.
وما هي غير لحظات من الذهول والسرور قطعها مصافحة الإمام ودلوفي به إلى داخل المنزل معلنا الترحاب بشرف زيارة إمام العصر.
جلس الإمام في حجرة الضيوف متربعا، وكأن في تربع الإمام إشارة، وأخذ يتحدث معي في أمور عن الدين وأحوال الناس بكلمات لا أتذكرها حتى أن حديثه الفياض إنساني أن أيقظ أهل المنزل للسلام على فضيلته وما هي غير لحظات حتى خطر بداخلي أن أحضر للإمام شراب وطعام الضيافة وما إن تحركت صوب المطبخ حتى أيقظني أذان الفجر!
فجعلت أنظر في الحجرة يمينا ويسارًا.. إن ما رأيته رؤيا منامية!
يا للهول! لقد كنت أظن بالفعل أن الإمام زارني في منزلي المتواضع وأن ما آراه حقيقة لا مناما!
فنشطت من عقالي ونفضت غطائي وهرولت مسرعا نحو صلاة الفجر في جماعة…
وحمدت الله تعالى على هذه الرؤيا المبشرة ووجدتني أردد حديث النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام حين قال: “انقطعت النبوة من بعدي إلا المبشرات قالوا وما المبشرات يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له”.
وبعد الصلاة قفلت عائدا إلى منزلي ممسكا بهاتفي متصفحًا الشبكة العنكبوتية (فيسبوك) وكانت المفاجأة الثانية حين وجدت خبرًا عن هجوم البعض على إمام الدعاة.
وكأن ما رأيته كان إشارة للدفاع عن الإمام، وإن كانت الرؤى لا تشكل لي محورًا أساسيًا ارتكن إليه في أمور حياتي….
ولكن من مفارقات القدر وتصريفه العجيب أن تأت هذه الرؤيا لاستيقظ بعدها وتقع عيناي على خبر الهجوم على هذا الإمام طيب الله ثراه!
وكأن الإمام وهو في مرقده الشريف ما زال يكدر صفو ومنام هؤلاء المتشدقين بالباطل، فأضحت فلسفته الإيمانية وحضوره الكبير شبحا يقض مضاجع هؤلاء ويؤرقها.
فليت شعري لست أدري لماذا يصر أمثال هؤلاء على إطلاق خطابات الكراهية وإيقاظ مارد الصراعات الفكرية في وقت الوطن فيه في أشد الحاجة إلى اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف؟
إن ملايين البشر التي طالما كانت تنتظر خواطر الإمام الإيمانية حول القرآن الكريم ومازالت تحرك شريط البحث عنها عبر شبكات الانترنت لتعلم علم اليقين أن مثل هذه التصريحات ما هي غير فقعات هوائية لن تغير واقعا حقيقيا عن مدى تأثير الشيخ الشعراوي في حياة الناس بالإيجاب لا بالسلب.
لقد قدم هذه الجبل الأشم وأضاف للوسطية والتدين الصحيح ما لم يقدم مثقال ذرة منه أمثال هؤلاء المتفيقهون!
إن الشيخ الشعراوي كان وسيظل علامة بارزة من علامات التجديد في عالمنا العربي والإسلامي..كيف لا وقد وصل بفكره التنويري إلى شتى أرجاء المعمورة.
كثيرون أولئك الذين يتحدثون بين الناس من فوق كل المنابر الفكرية والدعوية ولكن قليلون هؤلاء المؤثرين الذين يصلون بفكرهم إلى عقول ووجدان من حولهم.
ما يقرب من ربع قرن من الزمان مضى على رحيل إمام الدعاة وما زالت ذكراه محفورة في القلوب والأرواح ؛بل سيظل تأثيره ممتدا أبد الدهر بخواطره الفياضة التي التف حولها الناس جميعهم بمختلف طبقاتهم الفكرية والمجتمعية.
إمام تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير والعرفان.
وكما قلت ما أكثر العلماء في تاريخ الأمم والشعوب؛ورغم ذلك فما أقل الأفذاذ الذين يشار إليهم بالبنان وخلدهم التاريخ بين دفات سطوره فلا يكاد أن ينساهم الناس أبدا…..
فلا ولن تستطيعوا تزييف التاريخ وتشويه الحقائق….
إن أشد وأصعب وأخطر ما يمكن أن يواجه الأمم والشعوب هو محاولة تصفية رموزها وأعلامها ومفكريها خدمة لأفكار بعينها و من ثم يكون ضرب التاريخ من خلال هذه الهجمات اللأخلاقية!
إن المصادرات بمختلف أنواعها إذا لم تحكمها ضوابط من قيم أو قانون فهي افتئات على الأعراف الإنسانية ومن ثم يكون السير نحو المجهول ..
إننا بالفعل نحتاج إلى إعادة النظر نحو النصوص التشريعية بما لا يقبل الشك والتأويل بتجريم ازدراء رموزنا الوطنية والفكرية والتاريخية وإلا فإننا بذلك نرقص رقصة الموت الأبدية!
ارفعوا أيديكم عن أعلام الأمة وكونوا كبارا، وإياكم ولحومَ العلماء والصالحين فإنها مسمومة .