كثيرة هي الخطوب والمحن والأزمات التي تعرضت لها الأمة العربية والإسلامية، بل الإنسانية كلها، وبفضل الله سبحانه وتعالى، كانت مصر دائما تفتح ذراعيها لاستقبال واستضافة اللائذ بها من ويلات ومصائب الدنيا وخطوبها العظيمة، لتمده بالأمن والأمان والاطمئنان، حتى استحقت وصف “أم الدنيا” منذ قديم الزمان، وسطر المولى عز وجل هذا فى جميع كتبه وألواحه المقدسة التى جاء بها أنبياؤه المتعاقبون على عباده وخلقه، فى العصور المختلفة، فكانت أكثر النصوص والآيات المقدسة تجسيداً وتعبيرا لهذا الوضع، قوله تعالى فى القرآن الكريم، على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: “ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين”، وعبر أيضاً عن ذلك، سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بوصيته لأصحابه، فى الحديث النبوي المشهور، باتخاذ جند كثيف من مصر، بعد أن بشرهم بدخول الإسلام إليها، وبرر ذلك حينما سأله سيدنا أبو بكر الصديق: ولم؟ فكانت إجابته: لأنهم وأهلها فى رباط إلى يوم القيامة.
والحمد لله على نعمه الكثيرة التى من بها علينا، وأهمها وأعظمها، نعمة الأمن والأمان والاطمئنان، التى جعلتها قبلة وملاذا للخائفين والمستغيثين من مختلف أنحاء العالم، لتكون لهم بمثابة الأم الرءوم التى تحتويهم بل تحتضنهم بكل حنان ورأفة، وتعاملهم كمواطنين وشركاء فى الوطن وليسوا لاجئين أو مشردين، بل فى أحايين كثيرة تغدق عليهم أكثر من مواطنيها الأصليين، لتعوضهم عما افتقدوه وحرموا منه.
والتاريخ يذكر لنا كثيرا من الأحداث والوقائع، منذ طوفان سيدنا نوح عليه السلام، الذي اختار لابنه مصر مستقراً وقراراً، وتوالت المواقف التي سجلتها النصوص والكتب المقدسة، أو حتى الوقائع التاريخية عبر العصور المختلفة.
وكى لا نبعد كثيراً في التاريخ، فنظرة سريعة على واقعنا المعاصر حالياً تؤكد لنا تشابه الأحداث، فما مرت وتمر به الأمم والشعوب من أزمات وتحديات خطيرة بل مدمرة وماحية لدول وأمم كانت منذ فترة وجيزة ملء السمع والبصر، وكانت مصر دوماً ملاذاً وعونا للجميع، حتى لمن عاداها ووقف فى طريق رخائها، وهذا ليس منا ولا معايرة وانما تذكيرا وتذكرا للأجيال الجديدة، حتى تعتز وتفخر بمصريتها، ولا تلتفت إلى ما يرمى إليه الحاقدون والمخربون من إفقاد الثقة بالنفس وإضعاف وزعزعة الانتماء للوطن، حتى يسهل لهم الانقضاض والتطاول على رموزه ومقدساته، والنيل من مكانته ومنزلته، لكن الله سيرد كيدهم فى نحورهم ويحفظ الأرض التى باركها وأهلها إلى يوم القيامة.
فهذه هي الحرب الحديثة التي كتب علينا خوضها، وسلاحنا فيها الوعى، بقيمة وطننا وواجبنا تجاهه، ليبقى دائماً وأبدا كما أراد له الله، عزيزاً كريماً بأهله، ولجميع من يقصده أمنا وسلاماً، وليدرك الجميع أننا حين ندعوا الله له، ونردد تحيا مصر، فإنها ليست من فراغ، كما أنها ليست دعوة خاصة بنا كمصريين، وإنما هى دعوة للناس جميعاً، لأن حياة مصر هى فى الحقيقة حياة لكل الناس ولا تقتصر على المصريين وحدهم، لأن مصر كما نقول دائماً وأبدا “أم الدنيا”، ولتحيا مصر أم الدنيا لكل الدنيا.
ــــ