ردود بالجملة لتفنيد مزاعم دعاة التغريب ضد اللسان العربي
شعر المقاومة وجهاد حركات التحرير وجهان لعملة واحدة
حوار: جمال سالم:
يعد الأستاذ الدكتور خالد فهمي إبراهيم، استاذ اللغويات بجامعة المنوفية، والخبير بمجمع اللغة العربية، من كبار المهتمين ب” لغة القرآن ” الدفاع باعتبارها لغة مقدسة قاردة على البقاء إلى الأبد رغم تشكيك المعادين لها عبر العصور منذ بداية ظهور الإسلام وحتى الآن، من هنا تأتي أهمية الحوار معه حيث يفند أكاذيب أعداء العربية ليس من خلال آرائه فقط بل من خلال شهادات المنصفين من غير الغرب
** لكم الكثير من المؤلفات والدراسات في الدفاع عن اللسان العربي ومن يروجون لصعوبة العربية، فما هي أهم نتائج التي توصلتم إليها ؟.
** توقفت أمام أمرين أولهما: فحص الاستراتيجيات المريضة أو السلبية التي توجهت إلى الاستغناء عن اللغة العربية ونظامها الخطي والتحول إلى غيرها، وثانيهما: فحص الاستراتيجيات الصحية الإيجابية التي تذرعت بالارتباط بالدين أو استثمار التاريخ، أو اللسانيات
وتوصلت إلى أن العقل العربي استطاع أن يواجه الاتهامات الموجهة إلى اللغة العربية بطرق علمية متنوعة، لعل أصرح طريق إلى مديح الألسنة أو اللغات ماثل في أن الله سبحانه كان قد جعلها شرطا ما قبليا مؤسسيا للاجتماع الإنساني والعمران البشري، عندما علمها آدم عليه السلام قبل إنزاله إلى الأرض وتكليفه بعمرانها، يقول تعالى:” وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا”ويقول الكتاب المقدس:” وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها” [ سفر التكوين 2/19]
نؤكد أن هذين النصين العريقين يؤكدان مقاما رفيعا وساميا جدا تحتله الألسنة، ويستوجب نمطا من التعاطف الحقيقي نحوها، تبدو أقل درجاته في التصدي للدفاع عنها ضد درجات متتالية وعنيفة وقاسية وغشوم من الاتهامات والتشهير؛ خدمة لأغراض غير حضارية وغير وطنية بامتياز
سر الهجوم
** لكن ما تفسيرك للهجوم المتواصل على لغة القرآن والمطالبة باستبدالها باللغات والحروف اللاتينية؟.
** أؤكد أن اتهام النظام اللغوي العربي يرتبط زمنيا بالحقبة الإمبرالية الحديثة التي توجهت إلى إزاحة اللسان العربي من دوائر الحياة والحضارة الحديثة ؛ تمهيدا لإحلال اللغات الأجنبية للمحتل، ولاسيما في البلدان العربية التي خضعت للاحتلال الإنجليزي والاحتلال الفرنسي في المشرق والمغرب العربيين، بمعنى أن الاحتلال تحرك مدعوما بحركة لسانية استعمارية هدفت إلى الإسقاط المادي أو لإزاحة اللغة العربية، ثم الإسقاط المعنوى لقيمتها العملية في النفوس، لإحلال اللغات الأجنبية محلها في الإدارة أو التعليم والثقافة والحياة.
صعوبة العربية
**لكن ما ردكم على من يقولون بصعوبة وتعقد النظام اللغوي للعربية؟.
** توجهت الاتهامات للسان العربي إلى ميادين أساسية هى:المعجم، النحو، الكتابة أو الإملاء، وتولى مسئولية الهجوم على العربية بعد افتتاح هذه الحركة الهجومية على أيدي المحتل الأجنبي– فريق المتغربين وأنصار التبعية الذين تبنوا النموذج المعرفي الغربي من أبناء اللسان العربي، إن بسبب الابتعاث إلى الغرب، وإن بسبب الانبهار بالتفوق الغربي الذي أدى إلى الانهزام النفسي، أو القابلية للاستعمار على حد تعبير مالك بن نبي الذي سك هذا المصطلح الموفق السَّيار، وظهرت في سياق محاولات التعاطي مع سردية اتهام اللسان العربي – جملة من الاستجابات المريضة أو السلبية، انطلقت من تصديق هذه السردية والإيمان بها وقبولها، وقد أدى هذا القبول إلى شكلين من أشكال هذه الاستجابة تبلورت بالأساس في التجاوز التام للنظام وإسقاطه والتحول عنه إلى أنظمة لغوية أخرى
هدم العربية
** كيف تبلور هذا العداء إلى مطالبات لهدم العربية؟
** يمكن ايجاز ذلك في المطالبة بالتحول عن الفصحى وإطراحها والدعوة إلى العامية سبيلا لعلاج التهمة أو الأزمة، وهناك أمر جوهري من الواجب بيانه وهو أن دراسة العاميات واللهجات شيء، والدعوة إلى إحلال العاميات محل العربية الفصحى شيء آخر، وهذه تفرقة مهمة جدا، ومسألة منهحية تورط في عدم التنبه إليها فرق من الدارسين فأضر بقضية الدفاع عن العربية من حيث لا يدري
الفصحى والعامية
** نريد مزيد من التوضيح لذلك عن علاقة الفصحى والعامية؟.
** ارتبطت استراتيجية الدعوة إلى العامية بنشاط فريقين ظاهرين أولهما: فريق علماء الاحتلال الأجنبي لبلادنا في العصر الحديث، وثانيهما: فريق علماء التبعية والتغريب من أبناء البلدان العربية في العصر الحديث، وقد أوجزت الدكتورة نفوسة زكريا هذه الاشكالية بقولها:” الدعوة إلى اتخاذ العامية أداة للتعبير، وإحلالها محل العربية الفصحى من أخطر الدعوات التي تعرض فيها التعبير العربي لأعنف أزمة عرفها خلال تاريخها الطويل، وتعرضت فيها الأمم العربية لأعنف انقلاب ثقافي بعد الإسلام”. وقد تذرعت هذه الدعوة الاستراتيجية بالترويج لجملة من الدعاوى لمواجهة النيل من العربية الفصحى بقصد الوصول إلى اطراحها وإسقاطها وإحلال العامية محلها
** ما هي أهم هذه الدعاوى؟.
** إدعاء انقطاع الصلة بين العامية المصرية والفصحي، والإدعاء بأن اللغة العربية لغة مصطنعة، وصعوبة اللغة العربية، وصعوبة الكتابة بها، والإدعاء بأن التحول إلى العامية أحد عوامل تعزيز القومية المصرية، والإدعاء بأن التحول إلى العامية أحد عوامل تعزيز التطور والتحديث
الرد على الادعاءات
** ما هي أهم الردود على هذه الادعاءات؟
** قامت كتابات كثيرة بتفنيد هذه الدعاوى والرد عليها وإسقاطها وبيان تهافت الدعوة إلى إحلال العامية محل الفصحى، بوصفها استجابة مريضة وسلبية للإيمان الكاذب بصعوبة اللغة العربية ، وتمثل الدراسة الرائدة للدكتورة نفوسة زكريا سعيد” تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر” التي صدرت طبعتها الأولى سنة 1966م، ثم صدرت طبعتها الثانية 1988م، بالإسكندرية وكذلك أهم هذه الكتابات العلمية في هذا الميدان ، بل إن التحول عن العربية وخطها إلى غيرها من اللغات والأبجديات الأجنبية، ولم تقف عند حدود الدعوة إلى العامية وإحلالها محل الفصحى ولكنها تجاوزت إلى الدعوة إلى استعمال لغة أجنبية، وأبجدية أجنبية، ودراسات التحول عن العربية إلى اللغات الأجنبية في المجال العربي ،وقد حاول الاحتلال الأجنبي في بلدان المشرق والمغرب محاولات كثيرة ألح فيها على إحلال لغته الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية محل العربية، ولكنه في المجمل لم ينجح، واستطاعت حركات التحرر الوطني أن تواجه هذه المحاولات الملحة وأن تعمل جاهدة على إعادة تعريب الشعوب العربية، وإعادة تعريب التعليم والثقافة في البلدان العربية
الاستقلال اللغوي
** ما هي الميادين التي ما زالت أمامنا لتحقيق الاستقلال اللغوي العربي التام يتحرك فيها العلماء والسياسيون العرب؟
** يمكن العمل من خلال الميادين التالية :
أولا: تعريب التعليم عموما والتعليمي”العلمي” خصوصا
ثانيا: تعريب العقل العربي لكي ينتج العلم عربيا، ويوطنه في المجال العربي
ثالثا: القضاء على وجوه التغريب اللغوي المختلفة في عدد من ميادين الحياة الثقافية والتعليمية والعلمية
التحول الأبجدي
** ما قولكم عن التحول عن الخط العربي إلى الأبجديات غير العربية ؟.
** لعل أشهرها ما صنعه مصطفى أتاتورك في التحول بالأتراك من الخط العربي الذي كانت تكتب به التركية (العثمانية) إلى التركية ( اللاتينية) معروفة ، وربما بتأثير هذه الحالة نشر عبد العزيز فهمي باشا كتابه” الحروف اللاتينة لكتابة العربية” سنة 1944، ثم صدرت طبعته الثانية سنة 1993م، بمقدمة للناشر جاء فيها أن تجربة التحول إلى استعمال الحروف في كتابة العربية:” نجحت في تركيا بعد وصول كمال أتاتورك إلى سدة الحكم، وهم يقرءون اللغة التركية الآن بحروف عربية “، وقد نهض بنقض هذه الدعوة وإسقاطها قطاع كبير من العلماء الموزعين على حقول معرفية مختلفة شرعية ولغوية ، ومن أشهر الردود وأسبقها ما قام به الشيخ أحمد شاكر فيما كتبه تحت عنوان:”عبد العزيز باشا فهمي وعداؤه للعربية” ويقول فيه:” لا يزال الناس يذكرون، ولا تزال ألسنتهم تردد الأثر السييء لاقتراح صاحب المعالي عبد العزيز فهمي باشا كتابة العربية بحروف لاتينية ولا يزال ينكرون عليه اقتراحه إلا من شذ عن خطأ أو عن عمد وهم شيء – قليل نادر”، وربط أحمد شاكر بين هذه الدعوة إلى كتابة العربية بحروف لاتينية التي تولى كبرها عبد العزيز فهمي باشا وبين الدعوة السابقة إلى اتخاذ اللهجات العامية لغة رسمية للقراءة والكتابة والتعليم تلك الدعوة إلى تبني الترويج بالإحتلال الإنجليزي، وقد يفهم من كلام أحمد شاكر أنه ربما تعود دعوة عبد العزيز باشا فهمي إلى المنع نفسه ولو احتمالا، يقول:” وكنت قد فكرت في الرد على اقتراحه بإرجاعه إلى منبعه الأصلي ومصدره الصحيح بما وقع في نفسي ولكني خشيت أن أظلم الرجل بتهمة لم يكن لدى عليها برهان”، ثم يعود فيقرر أن ذلك الاحتمال بات يقينا عندما قال” فإذا البراهين على ما ظننت واضحة بينة تترى، وهذا الاقتراح تجديد للدعوة القديمة التي نهض بها الاحتلال الإنجليزي
شهادات منصفة
** ماذا تقول لمن يربطون نهضة العرب بالتخلي عن حروفهم العربية؟.
** أقول لدعاة التحول إلى الحروف اللاتينية بديلا عن الكتابة العربية أقرأو ما كتبه دافيد جستس صاحب كتاب:” محاسن اللغة العربية في المرآة الأوروبية”، وهذا النمط من أنماط الاستجابة المريضة ينحدر من عداوة أو إيمان سلبي بعدم قدرة العربية لغة ونظاما إملائيا متابعة لأجواء التبعية أو التغريب أو الهزيمة النفسية أمام الغرب
مقاومة التغريب
** ماذا مقاومة دعاة التغريب والاستغناء عن لغة القرآن.
**ظهرت أنماط من المقاومة التي تبنت الدفاع عن العربية، وقطع الطريق على دعاوى التحول عنها وعن نظامها الخطي إلى غيرها، من اللغات الأجنبية أو الأنظمة الخطية /الكتابية، وهذه الصور من الاستجابات الصحية أو المقاومة يتأسس دفاعها عن العربية من الإيمان بقيمة اللغة العربية، وقدراتها، وتحصيل الدلائل على هذه القيمة أو على هذه القدرات، وهو الإيمان النابع من المنظورات الدينية، أو التاريخية أو العلمية اللسانية أو السياسية الوطنية، وهناك اعترافات من حقول معرفية متنوعة، يقع في القلب منها حقل اللسانيات وتاريخ اللسانيات تقرر أن اللغة العربية تتمتع بعلاقات ارتباط وثيقة بالدين، وعلى مستوى النظام اللغوي تقول نيلوفر حائري في كتابها المهم، ترجمة إلهام عيداروس، ومراجعة مديحة دوس” لغة مقدسة وناس عاديون: معضلات الثقافة والسياسة في مصر” تقول:” إن المسألة اللغوية في مصر والعالم العربي لها جذور في الدين وطرائق فهم تراث الإسلام، فاللغة هي ذخيرة حية للمعرفة العربية، كما أن اللغة العربية لم تكتسب مكانتها المرموقة إلا مع ظهور القرآن الكريم”. ويتلخص الإيمان العام بقيمة العربية لدى جماهير الشعوب العربية على اختلاف طبقاتها وانتماءاتها في أن اللغة العربية هى لغة القرآن الكريم، وهو الأمر الذي تجلى في مصطلح” اللغة المقدسة” الذي استعملته نيلوفر حائري في عنوان كتابها المذكور
وهذه الفكرة هى التي خلقت الكثير من الروابط العاطفية مع هذه اللغة وهذه الروابط العاطفية يمكن للمسلمين في شتى أنحاء العالم أن يرتبطوا بها في حين: تغيب مشاعر الإعجاب هذه عموما عن خبرات الناس على اللغة في السياقات الأخرى، وتتجاوز الأمر حدود الروابط العاطفية المجردة إلى حدوثه تأثير نفسي حقيقي عند الممارسة اللغوية الفصيحة في الطقوس الدينية، ذلك أن ثمة شعورا بالهدوء والسلام يحسه من يمارس الصلاة عن طريق استخدام اللغة للأغراض الدينية بشكل عام
ومن المدهش أن تنسحب هذه العلاقة العاطفية مع اللغة على الخلفية الدينية في التجربة المسيحية في المجال العربي كذلك تقول نيلوفر حائري:” هناك اتفاق عام على أن العلاقة بين المسيحية والعربية الفصحى ليست “خاصة” ومختلفة تماما عن تلك التي بين الإسلام واللغة، ولكن من ناحية أخرى يجب أن يبقى الكتاب المقدس بالعربية الفصحى ويشترك بعض الأقباط المصريين جزئيا في الاحترام والتبجيل المبالغ فيه للغة العربية الفصحى”
عن ارتباط تاريخ الدين بتاريخ اللغة وخطها على حد تعبير موريس أولندر في كتابه”لغات الفردوس” ترجمة الدكتورجورج سليمان، فيؤكد أن كثير من البلدان التي تستعمل الخط العربي إلى توجهت لمسارات إصلاحية واضحة تتمثل في:
أ-طرح مشروعات إصلاح النظام الإملائي في البلدان العربية
ب-إحداث تعديلات في النظام الإملائي العربي في البلدان غير العربية لاستيعاب صور التمثل للأصوات في هذه اللغات
الاستشهاد بغير العرب
** لماذا تحرص على الاستشهاد بغير العرب للدفاع عن العربية؟
** أنا حريص جدا في هذا السياق على عدم الاستشهاد بأحد من العلماء العرب، ليظهر وضوح الوعي بأن العربية بوصفها لغة قومية وليست صعبة بالمعنى الذي يفرض التحول عنها – أمر واضح جدا في الخطاب الغربي لأن العربية تستمد سلطنتها اللغوية وقدرتها على المواجهة والتحدي من السلطة اللغوية الرئيسية التي هى القرآن” على حد تعبير نيلوفر حائري، أما على مستوى النظام الخطي يقول كلود حجاج في كتابه”إنسان الكلام: مساهمة لسانية في العلوم الإنسانية” إن الكتابة العربية شديدة الارتباط بالإسلام، وهذه الحقيقة واضحة جدا، لجأ إليها كلود حجاج ليبرهن بها على علمانية كمال أتاتورك وسعيه للإضرار بالإسلام في النظام الاجتماعي والسياسي في تركيا، ويقول:” ذهب مصطفى كمال أتاتورك الراغب بنزع الصفة الإسلامية عن تركيا إلى اعتماد الأبجدية اللاتينية عام 1928م؛ لأن الكتابة العربية شديدة الارتباط بالإسلام، وتدون الكلمات العربية التي تنتمي إلى مفردات الفلسفة والدين والسياسة وكانت كثيرة في المعجمية التركية، لم يكن الأمر بالنسبة إليه مجرد إصلاح أملائي وحسب،بل ثورة ثقافية” وهذه الحقيقة التي فسر بها كلود حجاج “الانقلاب الثقافي” الذي مارسه أتاتورك من طريق النظام الإملائي – يكشف عمق الارتباط ين التمثيل الخطي أو الكتابي للغة العربية وبين الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية، ويضع عقيل سعيد محفوض يده على الحقيقة نفسها في أثر النظام الإملائي العربي في فحص سياسات الهوية لدى الأكراد، وفي كتابه:”إن الألفبائية العربية” يقول :”رأسمال رمزي للإسلام ، لقد أدرك قطاع من النخبة الكردية أن ثمة ارتباطا واضحا بين الأبجدية العربية والثقافة الإسلامية، ووصل الأمر بعدد منهم إلى أن يقرروا أن في إصلاح الكتابة والخط نوعا من إحياء الشعوب
العربية والأقليات
** ماذا عن علاقة العربية ببعض لغات الاقليات التي تعيش في عالمنا العربي كاللغة الكردية؟.
**يرصد عقيل سعيد عوائق التحول عن الأبجدية العربية المستعملة في كتابة اللغة الكردية في الروابط التالية:
أولا: الصعوبات في القابلية الاجتماعية
ثانيا: الصعوبات الثقافية التي ارتبطت بهيمنة الثقافة العربية” والفارسية والتركية المكتوبة بالأبجدية العربية
ثالثا: ارتباط الألفبائية العربية بالقرآن الكريم والدين الإسلامي
رابعا: الرأسمال الثقافي للعربية لدى الأكراد
خامسا: السياسات الإقليمية التي لم تشجع بالنسبة إلى الدول العربية وإيران على التحول الألفبائي من العربية إلى اللاتينية
طوفان التشكيك
** كيف استطاعت اللغة العربية مواجهة هذا الطوفان من الهجوم والتشكيك؟.
** يكشف تاريخ اللغة العربية في مواجهة طوفان الوافد المعرفي من الأمم التي دخلت معها في علاقات تاريخية واجتماعية واقتصادية وعلمية عن نجاحات حقيقية تمثلت في قدرة العربية على استيعاب العلوم التي أنتجتها هذه الأمم الأجنبية ودونتها بلغاتها الأجنبية ، وقد وصل أمر إدراك هذه النجاحات إلى حد التواتر، وهو ما يعكسه كم نصوص الاعترافات بعالمية اللغة العربية في الزمان الماضي، والزمان الحاضر
التاريخ القديم
** ما هي أهم نجاحات في التاريخ القديم؟.
** نرصد اعترافات عدد من العلماء بما أحرزته الثقافة العربية من نجاحات في مجال استيعاب العلوم عن طريق ترجمتها من اللغات الأجنبية المتنوعة فارسية، ويونانية، وسريانية إلى اللغة العربية ، فيقول نيقولاس أوستر في كتابه” تاريخ لغات العالم” لقد كانت”الدنيا مليئة بالعربية “، ويقول أمبرتو إيكو في كتابه” الوردة:” إن معرفة العربية كان أمرا يقتضيه العرف، وتتطلبه كثير من الوظائف في أوروبا، الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه” اللغة بين القومية والعالمية” يقول:” لقد اتسمت العربية منذ تلك النهضة في القرون الهجرية الأولى سمات اللغة العالمية لأن العربية كانت حينئذ في ذروة مجدها تصطنع في إنتاج الآداب الخالدة، وتتخذ أداة في المجالات الدينية والعلمية، ويقبل على تعلمها وإتقانها”، والحقيقة أن أمر متابعة هذه الاعترافات ليس في وسع أحد القيام به لكثرته بصورة مذهلة.
التاريخ المعاصر
** ماذا عن نجاحات التاريخ المعاصر؟.
** لم تتوقف نجاحات اللسان العربي عند الحدود التاريخية القديمة التي تمكنت فيها من استيعاب علوم ذلك العصر التي نهضت بترجمتها من اللغات الأجنبية الفارسية واليونانية والسريانية بصورة أساسية في عصور ازدهار الترجمة العربية من هذه اللغات، ولكنها أحرزت نجاحات أخرى حديثة ومعاصرة على امتداد حقبتين هما:
أولا- التاريخ الحديث عندما احتلت بالمنجز العلمي الذي نقلته واستوعبته في عمليات الاحتكاك والاصطدام مع قوى الاحتلال الغربي التي هجمت على البلدان العربية
ثانيا- التاريخ المعاصر الذي استطاعت بعد اختبارات متعددة احتياز مركز قانوني عند الاعتراف بها لغة تعامل دولي في كل أعمال الأمم المتحدة سنة 1973م ، ويقول نبيل عطية الزهيري في دراسته” التوثيق باللغة العربية في منظمة الأمم المتحدة” يعد الاعتراف العالمي باللغة العربية لغة قادرة على النهوض بالوظائف المتنوعة – أهم حدث في تاريخ العربية منذ عصور الازدهار” وهو الاعتراف الذي توجه قرار المم المتحدة رقم (319) بتاريخ 18 ديسمبر 1973م بإدراج اللغة العربية ضمن لغات العمل في منظمة الأمم المتحدة، وجاء في حيثيات هذا القرار ما يلي:
أولا: الأهمية الكبرى للغة العربية في صون الحضارة الإنسانية ونشرها
ثانيا: الأهلية السابقة لاستعمال اللغة العرية لغة عمل في عدد من المؤسسات العالمية والمؤتمرات الدولية في محيطها الإقليمي ثم الدولي، وأدى فحص اللغة العربية بوصفها لغة تعامل دولي إلى التنبه إلى ما يلي:
أولا: تحول اللغة العربية إلى لغة متخصصة تطرق مجالات واسعة جدا ومتنوعة اقتضى ذلك أن تنشيء لذاتها جهازا مفاهيميا واصطلاحيا يتميز بالكفاءة ” على حد تعبير محمد الزليطي في كتابه” اللغة العربية في المنظمات الدولية” الذي يقول في:” اللغة العربية في الوضع الراهن – لغة مشتركة جامعة على المستوى الدولي، تتبوأ منزلتها في مصاف اللغات الدولية، تكتب بها الوثائق وتترجم إليها وثائق اللغات الأخرى، وتترجم منها إلى تلك اللغات”
دفاع القدامى
** الدفاع عن العربية ليس وليد اليوم بل إن له جذور عند كبار الفقهاء، فماذا قالوا؟
** اعتنى علماء اللغة أو فقهاء اللغة القدامي بمسألة الدفاع عن اللغة العربية وثيقة العلاقة بالدين في مقدمة كتابه” فقه اللغة وسر العربية “يقول الثعالبي:” العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة؛ إذ هى أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد” ويستند هذا الطرح التراثي في عملية الدفاع عن العربية إلى جملة الوظائف التي تنهض بها الحياة والمجتمعات، وقد ذكر الثعالبي وظائف اللغة العربية :
أولا: بناء النموذج المعرفي المنبثق من التصور الإسلامي في نصوصه المرجعية العليا ؛ الكتاب العزيز والسنة المشرفة ؛ وهى الوظيفة التي تتحرك بها عبارة “إذ هى مفتاح التفقه في الدين”
ثانيا: تأسيس المنظومة الأخلاقية، وبناء الإدراك الأخلاقي للعالم، وهى الوظيفة التي تتحرك بها عبارة “ثم هى لإحراز الفضائل”
ثالثا: بناء الإصلاح والترقي العمراني وسبيل التنمية ، وهى الوظيفة التي تتحرك بها عبارة ” هى سبيل إصلاح المعاش” ،ويظهر من جانب آخر تطور العناية بهذه المسألة من المنظور اللساني التراثي، فقد ظهرت مؤلفات مستقلة هدفت إلى الدفاع عن اللغة العربية
نفس الدفاع القديم عن العربية نجده في ثلاثة مؤلفات أخرى” تنبيه الألباب على فضائل الإعراب” للشنتريني، وكتاب” الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية” للطوفي الصرصري، وكتاب” روضة الإعلام بمنزلة العربية من علوم الإسلام” للغرناطي ، وهذه الثلاثة الكتب حكمتها دوافع دفاعية هدفت إلى الدفاع عن العربية من طريق الكشف عن أهميتها وقيمتها الدينية والمعرفية واكدوا من خلالها على
أولا- اللغة العربية هى السبيل المحورية لفهم الكتاب العزيز والسنة النبوية المشرفة بماهما أصلا الدين والمرجعية العليا له
ثانيا- العناية باللغة العربية جاءت تنفيذ لأوامر شرعية
ثالثا: العناية باللغة العربية سبيل لصيانة الكتاب العزيز من تطرق البطلان والفساد والنقص إليه بحفظه من الأسباب المفضية إلى ذلك
رابعا: اللغة العربية هى الطريق إلى إقامة الدين بإقامة التكاليف
خامسا: اللغة العربية طريق إلى تزكية النفس باستكمال أسباب مروءتها
سادسا: اللغة العربية هى الطريق إلى تحقيق كمال التوحيد بصيانته مما يبطله ، وبتعميقه في النفس وتعزيزيه بتأسيسه على العلم من غير تقليد
سابعا: اللغة العربية سبيل تحقيق الوئام والسلام الاجتماعي ومحاربة مادة الخلاف والنزاع في الأمة
ثامنا: اللغة العربية طريق إلى تصحيح النظر وتسديد الفكر
تاسعا: اللغة العربية طريق إلى صقل الملكة الفقهية وتنمية صناعة الفتوى
عاشرا: للغة العربية إسهام في تحقيق الوحدة المعرفة في الأمة
والحقيقة أن كثيرا من الاتهامات للغة العربية تقوم.. على جهل باللغة العربية ، وينطلق كثير منها من المواقف المسبقة عنها لأسباب أيديولوجية في الغالب
المقاومة بالشعر
** في ظل الأوضاع الحالية في فلسطين ، لكم دراسة عنوانها “المقاومة بالشعر” فما هو الشعر في دعم حركات التحرير؟.
**أؤكد أننا أمة لا تعرف الأفول،كان مما منحه الله سبحانه نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم أن أمته باقية على الزمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” سألت ربي ألا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها”، وقال صلى الله عليه وسلم:” إني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة”، وتاريخ الشعرية العربية منذ عهد النبوة حتى مناصرة الشعراء للمجاهدين والمقاومين ، فمنها أغراض شعر الحماسة ، وشعر الجهاد وشعر المقاومة، وشعر رثاء القادة، وشعر رثاء المدن، وشعر الهجرة إلى النور، وشعر المديح النبوي، وما إلى ذلك من الأغراض الشعرية التي هدفت إلى استنقاذ الأمة من تراجعها الحضاري
أؤكد أن تاريخ الشعرية العربية أسهم في مطاردة الأفول في الأمة، وألهب النفوس والعقول في حقب مختلفة لكي تتخلص من ضعفها، وتقاوم عدوها، وثمة علامات باذخة في الطريق يظهر جليا منها؛ شعر حول هجرة المصطفي صلى الله عليه وسلم، وشعر مواجهة الردة في أول أمر الخلافة الراشدة، وشعر الفتوحات الإسلامية الماجدة، وشعر الجهاد في مواجهة المغول والصليبين، وشعر المقاومة في العصر الحديث في مواجهة موجات الغزو والاحتلال العرب لديار العرب والمسلمين، وفي القلب منها شعر المقاومة ضد الصهيونية على أرض فلسطين، فالشعر العربي أحد أهم أسلحة الأمة في مواجهة العدو بالمعنى الحقيقي، وقد استجاب النقد الأدبي لهذه الأغراض الشعرية، وتوقف أمام فحصها، وفحص خصائصها حتى تمايزت في هذا المجال خصائص شعر الحرب، وشعر الفتوحات وشعر المقاومة وشعر النضال وشعر لجهاد على مستوى المعجم الشعري، والتصوير الفني، والبناء الأسلوبي، فمثلا فرضت التجربة النضالية رمز الحجر الذي يجسد بطولة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني
أنشودة الحجر
** نريد نموذجا عمليا
** لي دراسة حول ديوان” أنشودة الحجر” للشاعر الأزهري الكبير الدكتور عصمت رضوان، رئيس قسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية- جامعة الأزهر، ووكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث حيث تفاعل الشاعر الأزهري الكبير يؤكد تفاعل شعر لمقاومة مع كل قضايا الأمة، فمثلا في قصيديته”أنشودة الحجر” وقصيدة “لا زلت حرا”، تلك التي تحكي قصة شاب فلسطيني يرى حريته رهن قيامه بالمقاومة واستمساكه بالحجر في مواجهة العدو الغاصب ،ويرتبط الحجر بقضية التحرير والمقاومة فيقول الشاعر :
اقذف فنصرك قادم حتما صغيري لا مفر
اقذف فقدسك عائد ما دام في يدك الحجر
واقذف حجارتك الضعاف صواعقا تردي الأثر
اقذف ولا تخف اللهيب ولا الدخان ولا الشرر
اقذف ولا تخش المنون ولا تفر من الخطر
اقذف فصخرك معبر يدني الجبابر من سقر
اقذف فصخرك مشعل يهب الهداية من عبر
اقذف فصخرك آية فيها المواعظ والعبر
اقذف تؤيدك السماء وكل أفئدة البشر
اقذف قد اقترف الطغاة جرائما لا تغتفر
وفي قصيدة “لازلت حرا التي ينشدها على لسان شاب فلسطين يلخص سعيه، ومقاومته قائلا :
لن يأخذوا قدسا
يبارك حوله رب السماء
لن يأخذوا أرضا
تحلق فوقها روح الفداء
بالنصر لن أرضى بديلا
سأحقق الحلم الجميلا