المودة والرحمة دعامتان روحيتان لحياة هادئة مطمئنة
الأسرة نظام فطري طبيعي ونواة المجتمع .. وأي خلل فيه يؤثر في البشرية كلها
الزواج يصون المجتمع من الانحلال. وبدونه تفسد الأخلاق وتختلط الأنساب
د.طارق توفيق :لدينا فقر توعوي في فهم القيام بواجباتنا الأسرية من منظور ديني
د:حسام عبد الغفار :هدفنا زيادة الوعي والتشجيع علي التعبير الايجابي
إيهاب نافع
أطلقت وزارة الصحة والسكان الدليل الديني للتوعية الأسرية، ذلك بالتعاون مع لجنة عليا من الأزهر الشريف تحت إشراف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وكل من فضيلة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، وفضيلة الدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، فضلا عن عدد من رجال الدين المسيحي، حيث جرى صياغة الدليل بما يحقق صالح الأسرة المصرية.
قال الدكتورطارق توفيق، نائب وزير الصحة والسكان لشئون السكان،: يُقــاس نضــوج الأمــم بمــدى وعيهــا بقضايــا مجتمعهــا، ومــا تصبــو إليــه دولتهــم؛ لإســتحضار مســتقبلٍ مســتدامٍ منتــجٍ، فمعظــم ـ إن لــم يكــن كل ـ مشــكالت المجتمعــات ناتجــة عــن عــدم الفهــم وإدراك، وقلــة الوعــي بقضايــا حياتهــم ومســئولياتهم تجــاه مجتمعهــم وأســرهم.
أضاف: أصــاب الســيد الرئيــس عبــد الفتــاح السيســي، رئيــس الجمهوريــة، حيــن أكــد أننــا إذا أردنــا أن نُحْــدِثَ تغييــرًا مجتمعيًّــا فــي مصــر فــلا بــد مــن زيــادة الوعــي، وتصحيــح المغلــوط فــي ظِــلِّ وجــود كثيــر مــن المفاهيــم المغلوطــة والخاصــة بقضايــا السُّــكان فــي المجتمــع المصــري.. موضحا أنه جــاء هــذا الدليــل لإلقــاء الضــوء علــى قضايــا السُّــكان فــي المجتمــع المصري، وتصحيــح المفاهيــم دون الدخــول فــي تنظيــرٍ أو اختــلافٍ، وبعــد اتفــاق كامــلٍ نصــت عليــه الأديــان الســماوية؛ فقــد بينــت الحقــوق، وأظهــرت أن الإنســان نعمــة، وأن تنميتــه هــي أهــم رســالة ولا خــلاف عليهــا.
وزارة الصحة تمنت مــن اللــه أن يكــون هــذا الدليــل حجــر الزاويــة، ومرجعًــا يحظــى بالقبــول؛ لتصحيــح كل مــا هــو مغلــوط، وأن يكــون نبراسًــا لــكل علماء الديــن الإســلامي ورجال الدين المســيحي وأفــراد المجتمــع المصــري أجمــع، حيث تضافــرت جهــود عــدة علــى إنجــاز هــذا الدليــل، والعمــل علــى إخراجــه فــي نفس الوقت فإننــا لن نســتطيع أن نُخفِــي اغتباطنــا وســرورنا بهــذا الوعــي المتنامــي لــدى كثيــرٍ مــن النَّــاس بأهميــة العــودة إلــى الأســرة بوصفهــا المحضــن الأســاس لتربيــة الأجيــال، والمنبــع الكبيــر للطمأنينــة والســعادة والاســتقرار، وشــيء عظيــم جــدًّا أن يفهــم النَّــاس أننــا نتعــرض لغــزوٍ ثقافــي ناعــمٍ فــي شــكله، لكنــه جبّــارٌ ومخيــفٌ فــي مضامينــه ونتائجــه، وشــيء عظيــم جــدًّا أن يشــعر النــاس بأنهــم مســئولون عــن حمايــة أبنائهــم ونســلهم، وعــن إعدادهــم للمســتقبل، وأن يبذلــوا الكثيــر مــن الوقــت، والمــال، والجهــد فــي ســبيل تحقيــق ذلــك.
لكــن مــع هــذا، فمــن الواضــح أن لدينــا نوعًــا مــن الفقــر التوعــوي، والعَــوز فــي فهــم المبــادئ والأســاليب والوســائل التــي يمكــن أن تســاعدنا فــي القيــام بواجباتنــا ومهماتنــا األُسَــرية مــن المنظــور الدينــي. إن كثيريــن منــا جهــودًا مقــدرة فــي الإنفــاق علــى أولادهــم، وتوفيــر بيئــة جيــدة لنموهــم وراحتهــم، لكــنَّ يخططــون ـ علــى نحــو جيــد ـ لبيــت الزوجيــة، وإقامــة أســرة ســعيدة ناجحــة، ويبذلــون الذيــن يحاولــون امتــاك ثقافــة تربويــة جيــدة بســياج دينــي قليلــون جــدًّا، وهــم ـ فــي العادة لا يلجـؤون إلــى المستشــارين الشــرعيين إلا حيــن تقــع فــي بيوتهــم مشــكلة كبــرى، وخلافــات مدمــرة، أو حيــن يشــعرون أن أبناءهــم ســلكوا طريــق الانحــراف والتطــرف، وبــدأوا الخــروج عــن ســيطرتهم، وتوازنهــم وقيمهــم الدينيــة والمجتمعيــة.
ولذا جاء هــذا الدليــل ليوضــح بعــض المفاهيــم، ويقــدم بعــضَ الآليــات، والقواعــد، والأســاليب التــي تســاعد الأســرة المصريــة علــى إنشــاء ذلــك البيــت الســعيد، وتُوضِّــحُ مواصفــاتِ المــواد اللازمــة لبنائــه، والروابــط التــي تَشُــدُّ أركانــه، وتُرشــد إلــى الأســاس الــذي يزينــه، والــزاد الــذي يُؤمِّــن الحيــاة لســاكنيه، ويوفــر البهجــة والمتعــة لِمَــن فيــه، كمــا يُعنــى ـ هــذا الدليــل ـ بالاحتياطــات وسَــدِّ الذرائــع التــي تدفــع مــا يُــراد بــه مــن ســوءٍ، وتُصلــح مــا يَحــدث فيــه مــن خلــلٍ.
وهــذا الدليــل ـ يهــدف إلــى تعريــف مفهــوم الأســرة، وبيــان مكانتهــاوأهميتهــا، ووظيفتهــا الدينيــة والمجتمعيــة، والخطــوات التمهيديــة لتكوينهــا؛ مــن خــال بيــان الأســس التــي بهــا يتــم اختيــار الزوجيــن، والقِيــم التــي تربــط بينهمــا، وعالقتهمــا بالثمــرات الجديــدة فــي هــذا البيــت، ثــم إلــى بيــان الطــرق المُثْلــى لحــل مــا يواجههــا مــن يُــرَوِّج لهــا دُعــاة الفســوق واالنحــال؛ لهــدم مفهــوم األســرة، كمــا يُرشــد الزوجــةَ العاملــةَ ومشــكلاتها، ومــا يعترضهــا مــن عقبــات، وحمايــة أفرادهــا مــن العلاقــات الشــاذة، ويُرشــدُ المــرأة بشــكل عــام؛ لكونهــا نصــف المجتمــع، كمــا يُرشــد الاســرةَ إلــى الحقــوق والواجبــات بيــن أفرادهــا، وتصحيــح بعــض المفاهيــم المغلوطــة التــي تمــس الأســرة وتكوينهــا؛ كمفهــوم المســاواة والكفــاءة التي تحتــاج إليهــا الأســرة المصريــة، وتشــكل وعيًــا مجتمعيًّــا مطلوبًــا، وثقافــةً دينيــةً واعيــةً وقــد بذلــتْ اللجنــةُ المُعــدِّة لهــذا الدليــل جهــدًا كبيــرًا فــي انتقــاء الموضوعــات المطلوبــةً، فــي ظــلِّ النَّظريــات والمفاهيــم الوافــدة إلينــا مــن الخــارج، والتــي تتعــارض مــع مبادئنــا المجتمعيــة، وثقافتنــا الدينيــة؛ كــي يُشــكل إضافــةً جيــدة لمــا هــو متداوَل فــي الكتب مــن أدبيــات أســس العالقــة الزوجيــة، وتربيــة األوالد، وعالقــة ذلــك بصــاح المجتمــع.
ولمَّــا كان الخطــابُ هنــا مُوجَّهًــا إلــى شــريحة واســعة جــدًّا مــن المجتمــع فقــد حرصــت اللجنــة علــى أن تكــون لغــة الدليــل ســهلةً وميســرةً قــدر الإمــكان.
أضاف: الوزارة أعدت الدليل الإعلامى التوعوى لرسائل الصحة الإنجابية والمفاهيم السكانية، والذى يهدف إلى نقل رسائل قوية وفعالة لزيادة الوعى والتشجيع على التغيير الإيجابى وكذا الدليل الدينى للتوعية الأسرية ورسائل الصحة الإنجابية، ويهدف هذا الدليل إلى تقديم نشر حالة من الوعي الديني بالقضايا السكانية.. موضحا أن رسـائل الصحـة الإنجابيـة والمفاهيـم السـكانية ليسـت مجرد مسـألة تقنيـة أو إحصائية، بـل هـى قضايـا تتعلـق بحيـاة الأفـراد والمجتمعـات وتمـس مجموعـة متنوعـة مـن القضايــا مثــل حقــوق الإنســان، والمســاواة بيــن الجنســين، والصحــة العامــة، والتنميــة المســتدامة، وبالتالــى، فــإن تبنــى هــذه الرســائل وتشــجيعها يعكــس التزامــا بالرفاهيــة البشرية وتحسين نوعية الحياة للجميع، وهــذا الدليــل الموحــد يعكــس تضافــر جهــود متعــددة القطاعــات، حيــث تســعى هــذه الجهــود المشــتركة إلــى فهــم أعمــق وأوســع نطاقاً لهــذه القضايــا الحيويــة، وتهــدف إلــى نقــل رســائل قويــة تزيــد مــن الوعــى وتشــجع علــى التغييــر الإيجابــى الــذى نسعى إليه، كما تعكــس الرســائل الإعلاميــة الســكانية الجهــود المبذولــة للتوعيــة والتثقيــف حــول مواضيــع الصحــة الإنجابيــة والمســاواة بيــن الجنســين وتشــجيع النقــاش والتفكيــرالإيجابــى حــول حقــوق النســاء فــى اتخــاذ القــرار بشــأن إنجــاب الأطفــال وتهــدف أيضــا إلــى توجيــه الاهتمــام نحــو توفيــر خدمــات الصحــة الإنجابيــة والمعلومــات الضروريــة بطريقة تعزز من حرية الاختيار.
وتابع توفيق أنه يجـب أن نؤكـد دور الشـباب فـى هـذا السـياق، حيـث يشـكلون نسـبة كبيـرة مـن السـكان فـى مصـر ويمثلـون مصـدرا مهمـا للعائـد الديمجرافـى والنموالاقتصــادى ويمكــن للرســائل الإعلاميــة الســكانية أن تلهــم وتمكــن الشــباب ليكونــواجزءا فعالا فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشيرا إلى دور الإعـلام فـى تغييـر وتشـكيل الوعـى حـول الصحـة الإنجابية والقضايا السكانية ونقل الرسائل وتوجيه الأفكار.
من جانبه، قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان إن الغرض من الدليل والذى تم إعداده هو أننا ندرك دور الإعلام الموجه للطاقات والمحرك للقدرات، والمؤثر على كافة الفئات وحتى تكتمل رؤية القيادة السياسية لتحقيق رؤية مصر 2030، وأهداف التنمية المستدامة والتعامل الأمثل مع القضايا السكانية، حيث تم الالتقاء بالمختصين والفاعلين وممثلى الوزارات والهيئات للتوصل إلى دليل للعمل الإعلامى يتوافق مع ما نسعى إلى تحقيقه.. موضحا أن هذا الدليل هو خريطة طريق نحو الهدف المأمول والأنشطة المرجوة من الإعلاميين والمختصين وقادة الفكر والرأى فى كل الوسائل الإعلامية والفاعلين المؤثرين والتى تستفيد من التكنولوجيا العصرية، وتراعى الطبائع المختلفة والتنوع والتباين بين الشرائح المجتمعية، التى تستهدفها الإستراتيجية، لافتا إلى أن «الرهان على الوعى هو قضيتنا الأولى، ونضع بين أيديكم الرسائل السكانية الموحدة والمحدثة والموضوعات الصحية المرتبطة بالتنمية المنشودة،ورؤيتنا للتناول الإعلامى، حيث نرى أهمية أن يكون هناك كود إعلامى سكانى لتلك الرسائل بما يتفق مع تحقيق إستراتيجية مصر السكانية».
وجاء بين أهم رسائل الدليل الديني للتوعية الأسرية نقل رسائل قوية وفعالة لزيادة الوعي والتشجيع على التغيير الإيجابي حيث عدد الدليل الديني للتوعية الأسرية الحقوق المشتركة للزوجين كالتالى:
الحقوق المشتركة بين الزوجين
إذا كان للزوج حقوق على زوجته، ولها عليه حقوق، فهناك حقوق مشتركة بينهما، ومن هذه الحقوق المشتركة : إحسان المعاملة، وثبوت نسب الأولاد إليهما، وكذلك التوارث، والمعاشرة الزوجية بحقوقها وآدابها التي في طليعتها وجوب الاستتار عند ممارستها، استحباب التسمية قبلها، وجوب تلبية رغبة الزوج إذا دعاها وليس ثمة مانع شرعي أو طبي، عدم إفشاء أسرار المعاشرة الجنسية بينهما، عدم الممارسة في أثناء وجود مانع شرعي أو طبي، تحريم إتيان الزوجة في غير ما أحل الله، عدم العزل عنها إلا بإذنها.
ويؤكد الكتاب المقدس هذا المعنى : لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ» (١) کو ٧: ٤-٣).
ولم يتوقف الدليل عن رؤوس الأقلام لتلك الأمور الحياتية الهامة من منظور ديني حيث فصل ذلك وهناك نتوقف أمام الطرح التفصيلي لها:
عدم إفشاء أسرار الحياة الزوجية:
وصف الله تعالى علاقة الزوج بزوجته بوصف دقيق فقال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ﴾ [البقرة: ۱۸۷ ] ، وفي هذا المعنى من الستر والحشمة ما لا يخفى. وقد عد النبي ﷺ إفشاء أسرار هذه العلاقة بأنها أعظم الخيانة، فقال: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا » (1) .
فما بين الزوج وزوجته لا يطلع عليه أحد؛ فقد كانت أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «لَعَلَّ رَجُلًا يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَأَرَمَ الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ (٢).
المعاشرة بالمعروف
يتوجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف، والمعروف يظهر في مواطن عديدة؛ ومنها : أن ينادي كلا منهما الآخر بأحب الأسماء إليه، وأن يستمع كل منهما لحوار الآخر، فلا ينشغل عنه، وأن يظهر المعروف عند الخلاف، وقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال لأم المؤمنين عائشة : «إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَيْ قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قَالَتْ : قُلْتُ : أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ ). والحديث الشريف يبين جمال الحوار الدائر بين الزوجين، وحسن تفقد الزوج الموضع رضا زوجته وغضبها، وعلامة معرفته ذلك، وما رجل أكثر أعباء منه ، ثم يظهر حب الزوجة في قولها لها : «مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ».
المودة والرحمة:
بين الله – تعالى – في القرآن الكريم أن الزواج آية من آياته، وذكر علته، فقال: وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: ٢١].
والمودة والرحمة الدعامتان الروحيتان اللتان يقوم عليهما البيت، وتنشأ في ظلهما الأسرة نشأة هادئة مطمئنة؛ فالزوج العائد إلى بيته بعد عمله مهموما، لا يزيح عنه ألم هذا الهم إلا ابتسامة زوجة، أو مداعبة ولد، وكل هذا لا يكون إلا في سكن روحي متسم بالمودة، وقد رحم بعضه بعضًا، وأزاح عنه ما يكابده من مشقة وأعمال ؛ ولذا فإن الله – تعالى – تفضل على الرجال فخلق لهم من أنفسهم أزواجا، فقال تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا [الأعراف: ١٨٩].
رعاية لمصلحة الأسرة:
عادة ما تكتنف الأسرة كثيرًا من المشاكل التي لا يخلو منها بيت؛ ولذا فالله تعالى قد أرشدنا إلى طريقة في التعامل تساعدنا على حل كثير من هذه المشاكل؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: ٢٣٧]. و عدم نسيان الفضل واستدعاء العطاء بينهما من شأنه أن يبعث على الاستمرار في الحياة الزوجية، وفي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب. كما أن على الزوجين أن يزيلا أسباب الخلاف بينهما رافعين مصلحة الأسرة فوق كل اعتبار ، وفي ذلك رَفْعُ للشقاق، وَبُعْد عن الطلاق، وَطَرْدٌ للفراق، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ، وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: ٣٥].
أهداف تكوين الأسرة
ويعدد الدليل الديني للتوعية الاسري أهداف تكوين الأسرة من منظور ديني وهى كالتالى:
عبادة الله وحده:
تقوم الأسرة في أساسها على عبادة الله وحده، وهو مطلوب الله تعالى من الأفراد والجماعات، قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:.٢٥٦
ومن ثم قال العلماء: إن تكوين الأسرة أمر تعبدي؛ يتعبد المسلم ربه بإنشاء أسرة قائمة على كتاب الله وسنة نبيه ؛ فقد قال الله تعالى مادحًا أنبيائه ورسله وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد: ٣٨]، وقال النبي ﷺ: النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (١). وقد مدح الكتاب المقدس هذه العلاقة فقال: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى ؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هَذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ، بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لَا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانُ» (مت ١٩ : ٦-٤).
تهذيب الأخلاق:
يُعد من الأهداف السامية للأسرة تهذيب الغرائز، وتقويم أية ميول للنفس البشرية؛ فالأسرة هي تلك الصورة (المنظمة ) التي يتم بها التقاء الرجل بالمرأة تحت سقف واحد؛ ليتم من خلال هذا الالتقاء تحقيق احتياجات معينة؛ بيولوجية ونوعية ونفسية، واجتماعية، واقتصادية وحضارية … لكل منهما منفردين، ولهما مجتمعين، وللمجتمع الذي يعيشان فيه، وللإنسانية ككل ، أو هو عقد يتفق بمقتضاه رجل وامرأة على أن يرتبطا معًا؛ من أجل المعيشة المشتركة، ومن أجل أن يتبادلا المودة والرحمة لخيرهما المشترك، والخير لأولادهما ، وذلك في حدود ما يقضي به الشرع والقانون.
ونظام الأسرة نظام فطري طبيعي، ومن ثم فليس بدعا أن تتبناه الشرائع السماوية؛ حفظا للأنساب وللحقوق المترتبة على الأنساب، والأسرة لبنة من لبنات المجتمع التي وضعها الشرع حاجزا بين شهوات النفس والرذائل؛ فإن الله تعالى جرم الفاحشة وعاقب عليها، بل جعل العقوبة مستحقة لمن أحبها ولم يشارك في فعلها أو نشرها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: ١٩].
وليس هذا في التشريع الإسلامي فقط، بل حث عليها الكتاب المقرس؛ فقد جاء فيه: «وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَع فَلَا يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسين» (أف ٥: ٣)، وفيه: التَّزَوجِ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّق» (۱) كو ۷ : (۹) ، وفيه: «وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا» (۱) کو ۷ : ۲).
والزواج ما هو إلا ظاهرة من ظواهر التنظيم لفطرة أُودِعَتْ في الإنسان، كما أودعت في غيره من الحيوانات، ولولا الزواج لتساوى الإنسان مع الحيوان في إشباع هذه الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، ولنتج عن ذلك اختلاط النسل وفساد الأخلاق؛ ولذا فالزواج هو الحصن الحصين للأخلاق. والأسرة هي الحاضنة الاجتماعية التي يحقق فيها الإنسان غرائزه الطبيعية كالبقاء، على نحو يصون الأنفس، ويحفظ الأعراض، ويحقق الإحصان، ويحفظ النسل من الاختلاط ، ويصون المجتمع من التحلل والفساد.
عمارة الأرض
ومن الأهداف التي شرع الله من أجلها الزواج وتكوين الأسر؛ عمارة الأرض والحفاظ على مقدرات الأوطان، وما أودعه الله تعالى فيها من خيرات؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: ٦١]. فعمراتها ببقاء النوع الإنساني؛ من خلال تناسل مشروع عن طريق عقد الزواج.أهم رسائل الدليل الديني للتوعية الأسرية بهدف نقل رسائل قوية وفعالة لزيادة الوعي والتشجيع على التغيير الإيجابي.