في حياة الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه جوانبٌ إنسانية نابعة من الرحمة تبثها الرأفة والحب والحنان.. وصدق الله العظيم في قوله مخاطبًا الرسول الإنسان:- “وإنك لعلى خلق عظيم”، وصدقت السيدة عائشة حين وصفته في قولها:- “كان قرآنًا يمشي على الأرض”، وتقول:- “كان خلقه القرآن”.. من أجل ذلك لا نعجب حين نسمعه يقول:- “من لا يرحم لا يُرحَم”، وفي الحديث الشهير أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، وقوله عن نفسه:- “إنما أنا رحمة مهداة” وقوله تعالى :- “فبما رحمة من الله لنت لهم”.
صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، لم تكن رحمتك تخص الإنسان فقط وإنما تعم المخلوقات كلها.
تتجلى رحمة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وحنانه في أعظم صورها في عطفه وحزنه على ابنه إبراهيم الذي مات والرسول في الثانية والستين من عمره، وكان إبراهيم لم يكمل العام الأول من عمره، لم يعترض الرسول الصابر المؤمن بقدر الله وقدرته – لم يعترض- على ما قضى به المولى سبحانه وتعالى، إنما قال:- ” إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون” يمتد هذا الحنان والعطف إلى أحفاده الحسن والحسين.. شهده الناس ويمشي في أسواق المدينة حاملًا أحد حفيديه على كتفه وحين هل وقت الصلاة وضعه جواره وقام يصلي فارتحله حفيده وهو ساجد فأطال الرسول السجود حتى ظن الصحابة أن أمرًا قد حدث أو أن الوحي نزل عليه، وبعد انتهاء الصلاة سألوه عن الإطالة فقال لقد ارتحلني ابني فكرهت أن أستعجله فينزعج!! أرأيت هذا الحنان والعطف والحب الجارف لأحفاده، كان صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس وأبصر الحسن والحسين يسيران بتعثر فقطع خطبته وحملهما ووضعهما بين يديه وقال:- ” صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة.. نظرت إلى ابنيَّ يمشيان ويعثران؛ فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما”.
أخذ رسول الله حفيده الحسين يلاعبه ويرفعه إلى أعلى حتى وضع قدمه على صدره صلى الله عليه وسلم ويقبله من فمه ويقول:- “اللهم أحبّه فإني أحبُه” وفي موقف آخر يقول:- “حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا” ؛ فيتعجب أحد الصحابة قائلًا:- “والله ما قبلت ولدًا لي قط”، فيرد الرسول الكريم:-” من لا يَرحم لا يُرحم”.
امتدت رحمة الرسول الكريم إلى كل الأطفال.. كان يسير في طرقات المدينة المنورة في يوم عيد فيجد طفلًا يتجنب أقرانه من الأطفال فيسأل عنه ويعلم أنه يتيم مات أبوه ولم يلبس جديدًا ولم تسعه أقرانه في اللعب معه فيأخذ بيد الطفل ويذهب به إلى السيدة فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين لتلبسه جديدًا وتدفعه إلى الحسن والحسين يلاعبانه ويضحكانه ويسريا عنه ليذهب الألم والحزن من أعماقه.
صلى الله عليك يا رسول الله الرحمة المهداة والإنسانية في أزهى صورها والخلق الرفيع الذي يشهد له القرآن بذلك.