طارق عبدالله
حين يأتـي ذكر الشيخ عبدالعظيم العطواني– رحمه الله– يتبادر إلى الذهن على الفور الابتهال والمديح النبوي رغم أنه كان من كبار قراء القرآن الكريم.. إلا أن إنشاده لقصيدة “البُردة” إحدى أشهر قصائد المديح النبوى، كان أمرا متميزا ومتفردا. حتى صارت “البردة” تعرف بعد البوصيري بصوت “العطواني”، وصار “العطواني” يعرف “بمنشد البردة”، وقد رفض الشيخ العطواني- رغم شهرته التي جابت الآفاق بالبردة- ترك مسقط رأسه أسوان للإنتقال إلى القاهرة لينال شهرته إعلاميًا واكتفى بشرائط الكاسيت والتسجيلات التي حملت صوته الندي مادحا خير البرية، وكذلك انتقال كبار مريديه إليه لينشدوا خلفه حبًا للرسول .
ظل العطواني– الذي توافق ذكرى وفاته هذه الأيام– في قريته بمحافظة أسوان ليردد نشيد البردة ويردد خلفه أهل قريته فى مسجد القرية ونواحيها من المجالس الدينية الكبيرة والأعياد والمناسبات، حيث حفظها منذ طفولته في صعيد مصر وأنشدها بكل الطرق التي أنشدت بها، حتى ذاع صيته وارتبط بها.
هو الشيخ عبدالعظيم أحمد سليم وشهرته “عبدالعظيم العطوانى” حيث أنه ينتمى لقرية الرديسية بحرى التابعة للعطوانى مركز إدفو بأسوان .
ولد في 7فبراير 1946 وعاش 70 عامًا ليلقى ربه فى 10 فبراير 2016، وكانت بدايته فى كتّاب القرية ودفعه والده إليه ليحفظ كتاب الله، وبالفعل نجح بعزيمته ورغبته فى أن يتم حفظ القرآن كاملًا فى سن مبكره من عمره، أحد أهم مظاهر التمسك بالدين والعتبة الأولى والأساس نحو مدارج العلم المختلفة.
الخطوة الأولى
كانت الخطوة الأولى للشيخ عبدالعظيم تعلم أحكام القرآن وحفظه كاملًا مجودًا، وقد لمس شيخ الكتاب إمكانات العطوانى، فدفعه إلى أن تكون الغاية والوسيلة هى كتاب الله وأحكام تجويده.
وكان شيخ الكتّاب المعروف بالشيخ البطيخي- الذي تعلم على يديه الشيخ محمد صديق المنشاوي- أحد أبرز معلمي الشيخ العطواني في فترة صباه، حين كان العطواني تلميذا في كتاب القرية، وكان من عادة شيخ الكتاب حين ينتهي من تعليم التلاميذ أن يختم لقاءه معهم بأنشودة دينية، وكانت قصيدة المديح النبوي للإمام البوصيري هي تلك الأنشودة التي يرددها التلاميذ كل مرة، فراقت كلماتها للشيخ العطواني وهو في صباه، ولمست موسيقاها ثنايا أذنه، فحفظها عن ظهر قلب، وشجا بها بين التلاميذ دون أن يشعر، وسمعه شيخه فقال له: «لقد تملَّكت منك البردة وتملّكت منها. وعشقتها وعشقتك. وامتلأ بها قلبك فخرجت من صوتك وكأنها لم تخرج من صوت أحد قبلك؛ فأنشدنا بها دائما». ومنذ ذلك التاريخ صارت البردة ملازمة للشيخ العطواني مثلما صار هو معروفا بها، وقال في ذلك الشيخ متولي الشعراوي حين سمع الشيخ العطواني يشدو بالبردة في تفرد ووجْدٍ: «كأنما وضع البوصيري البردة لينشدها العطواني» .
وعن ذلك يقول الشيخ العطواني “بعدما صارت لي الشهرة بين زملائ يبسبب البردة، كان أهل قريتي يطلبون إنشادها في مجالس يتم عقدها في ديوان القرية خاصة في شهر رمضان، نعم اشتُهرتُ بالبردة، لكنني أُشهد الله أنني لم أهمل ترتيل وتجويد القرآن، وعندما أذهب لإحياء الحفلات أقرأ القرآن، وبعدها أتلو قصيدة البردة، لأنني في الأصل قارئ للقرآن “.
علاقته بالشعراوي
ظل الشيخ العطوان ملازمًا للشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) قرابة خمسة عشر عامًا، لإنشاد قصيدة “البُردة” في حفلات خاصة بمنزل الشعراوي. حيث بدأت علاقة الإمام الشعراوي بالشيخ عطوان في فترة السبعينيات من القرن الماضي عندما كان ينشد البردة بمولد الإمام الحسين بالقاهرة وسمعه الشيخ الشعراوي، وأعجب به جدًا، وسأله هل قمت بتسجيل هذه القصيدة على شرائط كاسيت؟ فقال له نعم، وأهداه تلك الشرائط، وأعجب بها جدًا، ودعاه بعدها إلى بيته كي ينشد له القصيدة وسط ضيوفه، ثم أخذ يدعوه إلى مجلس مخصص للبردة في ساحته بجوار مسجد السيدة نفيسة، وكان يعلق على القصيدة ويشرح للحاضرين بعض ما أشكل عليهم من معانيها، ومكث ملازمًا له مدة خمسة عشر عامًا.. وكان يأخذه معه في رحلات العمرة، وينشئ مجلسًا للبردة في ضيافة د. محمد عبده يمانى- وزير الإعلام السعودي الأسبق- وبعض الأمراء، وذات يوم أصابته وعكة صحية وهم بالأراضي الحجازية ودخل على أثرها إلى المستشفى فذهب للاطمئنان عليه، وعندما رآه خلع خراطيم الأوكسجين من فمه، وقال له: تعال يا عطواني لقد رأيت البارحة في منامي الإمام البوصيري يقبلك في جبهتك.