دار الإفتاء والأوقاف تؤكّد حُرمته.. والمسيحية ترفض المراهنات بأنواعها.. والخبراء يحذِّرون من خرابه
د. أحمد لطفي: صورة من مكائد الشيطان
د. روحية الجنش: قُمَار محرَّم.. بـ”قِنَاع” عصري
د. وليد رشاد: «فَخٌّ» يقع فيه ضحايا الربح السريع
الشيخ أحمد تمام: أكلٌ لأموال الناس بالباطل
يوسف إدوارد: تُرويج لـ”الوَهْمِ” بديلاً عن الواقع
تحقيق: مصطفى ياسين- خلود حسن
تحوَّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى صالات للقمار يتبارى حولها الشباب لتحصيل مبالغ مالية طائلة، من خلال المراهنات على نتائج مباريات كرة القدم وبعض الألعاب الالكترونية. فأصبح القمار متاحا في أيدي المراهقين والشباب الذين يبحثون عن المكاسب المالية دون تعب أو شقاء غير مُبالين إن كان هذا المال حلالاً أم حراماً!!
دار الإفتاء أكّدت حُرمة هذا النوع من القمار شرعًا إلا ما استثناه الشارع وأجازه لدوافعَ مشروعةٍ كالتَّسابق بالخيل والإبل، والرّمي، وبالأقدام، وفى العلوم انطلاقا من قوله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ كلوا مما في الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين” {البقرة – 168}.
من جانبها اهتمّت وزارة الأوقاف، بضرورة التحذير من هذه الظاهرة، فخصَّصت إحدى خطب الجمعة للحديث عن الظاهرة الخطيرة، محذِّرة من أن القمار الإلكتروني يأخذ أشكالًا مستحدَثة أكثر خطورة في العالم الافتراضي، مؤكّدة أنه نظرًا للخطر الكبير الذي يمثِّله القمار بصفة عامة، وخاصة القمار الإلكتروني على الأفراد والمجتمعات، فإن الله حرَّم القمار تحريمًا شديدًا واعتبره رجسًا من عمل الشيطان، كما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَـمْرُ وَالْـمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
أضافت خطبة الأوقاف: على الرغم من معرفة الناس بأضرار القمار التقليدي وابتعادهم عنه، فإن القمار الإلكتروني بدأ يأخذ أشكالًا مستحدثة في العالم الافتراضي، مثل المراهنات الإلكترونية والألعاب التي تعتمد على المخاطرة، وهذا النوع من القمار لا يقلّ خطرًا في تأثيره السلبي المدمّر على حياة الأفراد، إذ يقود إلى الإفلاس، والديون، وضغوط نفسية، قد تصل ببعضهم إلى الانتحار.
وأشارت إلى أن القمار الإلكتروني يشكّل خطورة متزايدة في زمننا الحالي، حيث يتسلّل إلى حياة الكثيرين بشكل خفي عبر الإنترنت والأجهزة الذكية، ويتّخذ أشكالًا متنوّعة تخدع الناس وتستدرجهم للوقوع في فخِّه، فبعض الألعاب الإلكترونية تُصمَّم على أسس المراهنة والمخاطرة، ما يجعل اللاعبين يشعرون أنهم قد يحصلون على مكاسب سريعة بجهد قليل، وهو ما يدفع البعض إلى صرف مبالغ مالية كبيرة، ظنًّا منهم أن النجاح قريب، وهذا الإغراء يخفي وراءه خسائر فادحة، حيث ينتهي الأمر بالبعض غارقين في الديون، ومهدَّدين بضياع ممتلكاتهم وأموالهم.
كما أن القمار الإلكتروني يستهوي فئة الشباب بشكل خاص، ويخدعهم بتزيين فكرة الثراء السريع والسهل، مما يؤدّي إلى إفساد عقولهم وتعطيل حياتهم العملية والدراسية، ومن نماذج الألعاب والتطبيقات التي ينبغي الحذر منها لعبة الكونكير، ولعبة aviator ، وتطبيقات المراهنات الإلكترونية بوجه عام.
كما أكد علماء أن الألعاب التي تقوم على المراهنات تعتبر أكلًا لأموال الناس بالباطل لأنها ترتبط بالمخاطرة في الربح والخسارة والغنم والغرم، مما يعتبر عملا غير مشروع.
وحذّر علماء اجتماع واتصال من الآثار السلبية لتلك الألعاب على الشباب والمراهقين الذين سرعان ما يتحوّلون إلى مدمنين للقمار بهدف الكسب السريع وتعويض الخسائر، خاصة وأن هذه الألعاب وتلك المراهنات أصبحت تصل كل منزل بدون عناء.
مُطالبين بضرورة وضع قوانين لتلك التطبيقات والألعاب لمنع المراهنات عبر وسائل التواصل المختلفة.
خطوات شيطانية
بداية يشرح د. وليد رشاد، خبير علم الاجتماع والاتصال بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمتخصص بالدراسات الإلكترونية، هذه اللعبة أو لتطبيقات التي تتم من خلالها المراهنات قائلا: يتم التسجيل في “لعبة القمار أون لاين” من خلال رقم الهاتف ثم يقوم المستخدم بشحن محفظة اللعبة بما قيمته دولار واحد على الأقل وهو ما يتم من خلال خدمات نقل الأمور المختلفة مثل المحافظ الإلكترونية أو الشحن على الطاير أو من خلال بطاقات الائتمان والتحويل بين الحسابات البنكية أو باستخدام العملات المشفرة أيضًا، الطرق السابقة أغلبها يعمل من داخل مصر فاستعراض طرق الدفع الممكنة يوضح تواجد عدد كبير من الشركات والبنوك المحلية أيضًا. والألعاب كلها تعتمد على التخمين فمنها على سبيل المثال توقع نتائج مباريات كأس العالم أو الدوري الأوروبي لكرة القدم أو ألعاب أخرى مثل انطلاق طائرة وتوقع الزمن الذي تنفجر عنده، بالطبع عندما يصح التوقع فإن القيمة المالية الموجودة تتضاعف.
«فخ» الشباب!
وأكد د. وليد، أن “لعبة القمار أون لاين”هي عبارة عن «فخ» يقع فيه أغلب الشباب خلال هذه الفترة الذين يفضّلون الربح السريع، فهي في بداية الأمر تعطى مكاسب مادية بالفعل حتى يعتاد عليها الشخص ثم يحبّها ثم يصل إلى حدّ الإدمان لها، ولكن مع الوقت تنقلب الآية وتبدأ المكاسب الطائلة في التحول إلى خسائر فادحة، حيث تقوم اللعبة على الترغيب والتحفيز لكى تدفع مبلغا اكبر في كل رهان جديد، ومع الاستمرار تبدأ في الخسارة، وتتحول أموالك إلى مكاسب للمشتركين الجدد، وهكذا تدور الحلقة بين مراهنين أدمنوا القمار ومشتركين جدد يريدون التربح السريع فيأخذ من هنا ليضع هناك ويظل صاحب اللعبة هو المستفيد الأول والأخير بنسبة المكسب التي يحصل عليها مقابل كل مشترك.
وأوضح أن المنصّات في مصر لم تضع قوانين لأنواع الألعاب التي يقوم الأشخاص بتحميلها ولم تمنع لعب القمار، فهي لم تقم بمنع أو حذف أي تطبيق إلا لتطبيقات الاختراق أو التطبيقات التي تحتوي على ثغرات لتسريب بيانات المستخدمين، فليس هناك قانون يمنع التراهن أون لاين.
ويلفت الى أن نقص الوعي بالآثار السلبية لمثل هذه المواد، وعدم وجود رقابة كافية من الجهات الرقابية ومن الوالدين يشكلان خطورة كبيرة على الناشئة، ولهذا من المهم تفعيل الرقابة الأسرية والجهات الرقابية المختصة.
أصول التربية
ويؤكد د. وليد أن فكرة ترك التليفون للأولاد من البداية بشكل دائم فكرة خاطئة، في أصول التربية الصحيحة أن أولادنا يجب أن تكون هذه الساعات تحت إشراف الأب والأم، ويتخللهما حديث وتعليمات إرشادية منهم بشكل هادئ ومنظم، وشغل وقت الأطفال بأنشطة حقيقية، مثل الألعاب والرياضة وحفظ القرآن، وغيرها من الهوايات التي تبني شخصية أولادنا وتوجهاته بشكل صحيح بعيدا عن الأفكار الغريبة التي تمحو شخصيته إن لم تكن تدمرها وتدفعها نحو مناطق خطيرة.
رفض كنسي
من جانبه، أكد المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية القمص موسى إبراهيم، أن المسيحية لا تقبل أي شكل من أشكال المراهنات سواء إلكترونية أو غيرها، وأن هذا المبدأ مرفوض تماما، لافتا إلى وجود وصية إلهية تؤكد ضرورة أن يكتسب الإنسان المال من مجهوده وتعبه.
وقال: إن المال أحد أدوات الإنسان التي تعينه على الحياة، فلا يجب المخاطرة به، فهو يؤثر على مستقبل الإنسان وأسرته سواء كان مسئولا عن أسرة أو أحد أعضائها، موضحا أن المال مؤثر أساسي يغير حياة الإنسان إلى الأفضل أو العكس.
ترويج للوَهْمِ
ويؤكد يوسف إدوارد- مدير الإعلام بالهيئة الإنجيلية ورئاسة الطائفة الإنجيلية- أن المراهنات الإلكترونية واحدة من الظواهر التي تهدّد استقرار الأفراد والمجتمعات، وأنها تُروّج للوهم بديلاً عن الواقع، مقدمةً نفسها كطريق مختصر للثراء السريع، بينما في حقيقتها تُحوِّل الطموح إلى مقامرة غير محسوبة العواقب.
وقال: إن المسألة ليست مجرد خسائر مالية، بل تتجاوز ذلك إلى تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة، تصل إلى الإدمان، والانهيار الأسري، واستنزاف الموارد التي كان يمكن توظيفها في بناء مستقبل أكثر استقرارًا.
وتابع: تُشكِّل هذه الظاهرة تحدّيًا جوهريًا، لأنها تضعف ثقافة العمل والاجتهاد، وتنشر وَهْمَ النجاح السريع، مما يؤدي إلى تآكل قيم الإنتاج والابتكار، حين يصبح الربح العشوائي بديلاً عن التخطيط والالتزام، يتحوّل النجاح إلى مجرد احتمال، لا نتيجة طبيعية للجهد والمثابرة، هذا الخلل لا يؤثّر على الأفراد وحدهم، بل ينعكس على المجتمع بأسره، حيث تتراجع منظومة القيم التي يقوم عليها أي اقتصاد مستدام.
القمار المحرم
يؤكد د. أحمد لطفي- عميد كلية الشريعة والقانون، فرع تفهنا الأشراف- أن المراهنة على نتائج المباريات، وكذلك التطبيقات التي تدر مالا تعد من القمار المحرم، والرهان هو أن يُخرج كل واحد من المتسابقين شيئاً، وغالباً ما يكون مبلغاً من المال؛ ليفوز السابق بالمالين إذا تمّت له الغلبة
وهي حرام بالاتفاق بين الفقهاء؛ لأن احتمال الربح والخسارة قائم لكلٍ منهما، وهو من صور الميسر الذي حرمه الله صراحة في القرآن الكريم، وبالتالي تكون الأموال المتحصلة من هذه المراهنات حرام؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والميسر: القمار الذي كانوا يتقامرون به في الجاهلية.
وهذه هي الصورة التي وقعت بين أبي بكر رضي الله تعالى عنه والمشركين قبل تحريم القمار، عندما نزل قول الله عز وجل: “الم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين”، فأقدم أبو بكر على مراهنة المشركين، وقال لهم: إن الروم سيغلبون الفرس خلال ثلاثة أعوام، وراهنه المشركون على ذلك لقاء مبلغ من المال، ولما أخبر أبو بكر رسول الله (ﷺ) بذلك ولم يكن قد نزل تحريم القمار أمره بمد الأجل أي زيادة مدة الرهان من ثلاث سنين إلى تسع سنين؛ لأن كلمة البضع تعني “لغة” ما بين ثلاث إلى تسع سنين، وخلال هذه المدة انتصر الروم على الفرس وربح أبو بكر الرهان
فالطرفان هنا “أبو بكر” و”المشركون” وهما أجنبيان عن الحرب التي كانت بين الروم والفرس، فكان الرهان هنا صورة من صور القمار، فلما قبض أبو بكر الرهان أمره رسول الله أن يصرفه إلى الفقراء .
وهي من مكائد الشيطان التي يفسد بها العلاقات بين بني البشر، قال تعالى “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”
يستطرد د. لطفي قائلا: ولعل لهذا الأمر من الأضرار الاجتماعية الكثير، وأبرزها: أنه يربي الشباب على عدم تحمل المسؤولية، فالشاب يأتي له المال دون تعب أو كد، وبالتالي لا يعنيه في أي وجهٍ ينفقه، حلالا كان أو حرامًا.
كما قد يؤدي إلى ضياع أموال الأفراد وتدهور الأحوال المالية للعائلات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يدفع القمار الأشخاص إلى ارتكاب الجرائم المالية مثل السرقة والاختلاس، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى الانتحار.
ظلال تكنولوجية
وترى د. روحية مصطفى الجنش- رئيس قسم الفقه السابق بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر للبنات- أن التطوّر التكنولوجي والتحوّل الرقمي ألقى بظلاله العميقة على واقع الناس، محْدِثًا تأثيرات لا يمكن إنكارها، تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية على حياة الأفراد والمجتمعات، غير أن التأثيرات السلبية غالبًا ما تطال من لم يدركوا قيمة هذه النُقلة النوعية في العصر الحديث، مما أدى إلى اضطراب تعاملهم مع هذه الأدوات الرقمية بصورة صحيحة. ومن أبرز مظاهر هذا التحوّل، مواقع التواصل الاجتماعي، التي لو تأمّلنا في مفهومها الحقيقي لوجدنا أنها تهدف إلى تحقيق التواصل وتعزيز الروابط بين أفراد المجتمع، بما يعود بالنفع على الجميع. لكن للأسف، تمّ استغلال هذه المنصّات بصورة سلبية في عدّة جوانب، سواء اجتماعية، أخلاقية أو اقتصادية.
وفي الجانب الاقتصادي تحديدًا، برزت ظاهرة سوء استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واضح، خاصة من قِبَل بعض الشباب الذين يبحثون عن الربح السريع دون جهد أو عمل حقيقي. فقد أصبحت المُراهنات الإلكترونية واحدة من الوسائل الحديثة للقُمار، لكنها اتخذت قناعًا عصريًا يجذب فئات الشباب، سواء من خلال المراهنة على نتائج مباريات كرة القدم أو عبر الألعاب الإلكترونية التي يُستخدم المال فيها كوسيلة لتحقيق المكاسب.
وتؤكد د. روحية، أن هذه الظاهرة تشكِّل خطرًا كبيرًا، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما على المستوى النفسي والاجتماعي كذلك، حيث ينجرف الشباب وراء وَهْم الثروة السريعة، مما قد يؤدي إلى خسائر مادية فادحة، وإدمان هذه العادات التي تعتمد على الحظ والمخاطرة بدلاً من العمل والاجتهاد.
لذا، من الضروري تسليط الضوء على هذه الإشكالية، وتوجيه الشباب نحو سبل الاستثمار الحقيقية والنافعة التي تضمن لهم مستقبلًا أكثر استقرارًا وأمانًا، بعيدًا عن مغريات الكسب السهل الذي يحمل في طيّاته عواقب وخيمة.
كما أن هذه الممارسات العصرية لا تتوافق مع شريعة الإسلام، التي حثّت على العمل الجاد والاستثمار المشروع، وجعلت الرزق الحقيقي في العمل والإنتاج، وليس في الطرق الملتوية التي تعتمد على الحظ والمخاطرة. فقد دعا رسولنا الكريم ﷺ إلى تشجيع التجارة والاستثمار القائم على الجهد والمثابرة، وامتدح التاجر الأمين الماهر الذي يُحسن إدارة تجارته بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والخير.
ومن أبلغ الأدلة على ذلك، ما جاء عند البخاري وغيره من واقعة هجرة الصحابة إلى المدينة، حيث آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، وكان من بينهم عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، الذي آخى النبي بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري. وعندما عرض عليه سعد أن يقاسمه ماله، رفض عبدالرحمن، وقال له: “دُلَّنِي على السُوق”، فانطلق إلى التجارة بجهده واجتهاده، حتى أصبح من كبار التجّار في المدينة. فهذه القصّة تعدّ نموذجًا عمليًا على رفض الإسلام للاتكالية والسعي وراء الكسب السريع بلا جهد، حيث رفض عبدالرحمن بن عوف أخذ المال الجاهز، وفضّل الاعتماد على نفسه والتجارة بجهده وعَرَقِه، حتى أصبح من أغنى الصحابة، مما يعكس مفهوم الكسب المشروع في الإسلام وأهمّيته في بناء المجتمع.
كما أن الله سبحانه وتعالى حثّ على العمل والكسب لكل من الرجال والنساء، فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 105)، لكنه وضع ضوابط شرعية تحمي هذا الكسب من الانحراف. ومن هذه الضوابط:1- أن يكون العمل مشروعًا في أصله، أي لا يعتمد على الغشّ أو الاحتيال.
- أن يكون خاليًا من الربا، والغَرَر، والجهالة، والخداع.
- أن يكون نافعًا للفرد والمجتمع، ويحقّق منفعة حقيقية بعيدًا عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية.
أما المراهنات، سواء في كرة القدم أو الألعاب الإلكترونية، فهي تقوم على المجازفة المحفوفة بالمخاطر، حيث يكون اللاعب بين احتمالين: إما ربح بلا مجهود، أو خسارة فادحة، دون أي عمل حقيقي على أرض الواقع. والأسوأ من ذلك، أن هذه الظاهرة لا تتوقف عند الضرر الفردي، بل تؤدّي إلى تفشي البِطالة، وأكل أموال الناس بالباطل، وإهدار طاقات الشباب، الذين يُفترض أن يكونوا عماد التنمية والبناء والتطوير في المجتمع، لا ضحايا لِوَهْمِ الكسب السريع.
الدور المجتمعي
وتضيف د. روحية: لذا، يأتي دور المجتمع في مواجهة هذه الظاهرة، من خلال المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر، الذي يقع على عاتقه مسؤولية توعية الناس بخطر هذه الظاهرة وبيان حرمتها، وذلك عبر الرسائل الدعوية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. كما تلعب البرامج التوعوية في وسائل الإعلام المختلفة دورًا مهمًا في توجيه الشباب وتحذيرهم من خطورة الانسياق وراء وَهْم الكسب السريع.
ولا يقلّ دور المسجد أهمية عن هذه الوسائل، بل إنه أكثرها تأثيرًا، حيث يساهم في التوعية المجتمعية المباشرة، من خلال إرشاد الآباء والأمّهات إلى ضرورة غرس قيم الشريعة الإسلامية في أبنائهم، والتي تقوم على العمل، والجهد، والكسب الحلال، بدلًا من اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لجني المال، كما أن للدولة دورًا أساسيًا في سنّ القوانين والتشريعات التي تجرِّم هذه الظاهرة، وتحدّ من انتشارها، وذلك لحماية الشباب من الوقوع في دوّامة البطالة والتواكل، والانحراف نحو طرق غير مشروعة لجني المال. فبدون إجراءات رادعة وتوعية مستمرة، قد يتحوّل شباب المجتمع إلى عاطلين عن المشاركة في نهضة بلادهم، وغارقين في فتنة المال السريع الذي يأتي بلا جهد أو عمل حقيقي، ومن طرق لا تقرّها شريعة الإسلام.
مخاطرة
من جانبه يوجّه الشيخ أحمد تمام، محفّظ قرآن للأطفال ومنشد ديني، رسالة توعية وتوجيه الآباء والأمهات لكل مؤمن ومؤمنة لكي يتقوا الله بأنفسهم وأهليهم، واستشهد بحديث النبي (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، مؤكدا أن الأبناء أمانة بأعناق من يرعاهم، وسوف يسأل عنهم يوم القيامة هل حفظها أم ضيّعها، لذلك يجب غرس القيم الدينية والأخلاق الحميدة والمحافظة على إرسال أطفالهم للمساجد وحفظ القرآن والدروس التوعوية التي سوف تحميهم من أي أفكار مسمومة تهدد أجيال.
ويقول: لقد أمرنا الله بالمحافظة على النفس البشرية فقال سبحانه (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة، وأمرنا بذلك سيدنا رسول الله حيث قال: “لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ”، قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: “يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ” [أخرجه الترمذي]، أنتشر في الآونة الأخيرة بين الأطفال والشباب الكثير من الألعاب الإلكترونية الضارة والمُفسدة ووصل الأمر لكبار السن وللفتيات والنساء والغرض من هذه الألعاب فساد حال الأسرة والمجتمع، وهنا يأتي دور الأسرة في مراقبة أبنائهم في مثل هذه الألعاب والنهي عنها وإبدالها بما يفيد الأبناء كالعلوم الشرعية النافعة وممارسة الرياضة.
ويوضح الشيخ تمام أن أفضل مراحل التأديب وغرس القيم تكون بمرحلة النشء ودعا الجميع أن يهتموا بأبنائهم الصغار، حيث تكون عقولهم كالعجين يستطيعون تشكيلها كما يشاؤون وأن تكون تربيتهم على العقيدة الصحيحة، وحب الله وحب رسوله وكذلك حب ولاة الأمر، كما طالبهم بألا ينجرفوا خلف ما يبث من سموم ببعض التطبيقات والألعاب وكذلك ما يعرض بالشبكة العنكبوتية ومحرّكات البحث مثل اليوتيوب وكذلك برامج التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر والواتس آب من مقاطع وروابط تهدم العقيدة والأخلاق.
وأشار إلى أن الألعاب التي تقوم على المراهنات تعتبر أكلًا لأموال الناس بالباطل لأنها ترتبط بالمخاطرة في الربح والخسارة والغُنم والغُرم، مما يعتبر عملا غير مشروع، ولا يجوز المراهنة على نتائج المباريات الرياضية أو أي مجال آخر فهذا نوع من القمار وتوافق عليه علماء الدين، وقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطانِ فَاجتَنِبوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ)، “المائدة: 90” والميسر هو القمار والمراهنة.
وأكد بأنه لا تجوز المراهنة إلاّ في الحالات التي ذكرها النبي لما فيها من تشجيع واستعداد للجهاد: (لا سبَقَ إلَّا في نصلٍ، أو خفٍّ، أو حافرٍ)، “أخرجه النسائي، صحيح” والنصل هو رمي السهام والخف هو البعير والحافر هو الخيل.