نعيش اليوم في رحاب إحدى سور القرآن والتي من شأنها صيانة المجتمع الإسلامي وحفظه، سورة مليئة بالأحكام ولكنها لم تأتِ تقييداً للحريات بل لضمان السلامة وحفظ النفس والعقل والمال والعِرْض والدين.
بدأ الله عزَّ وجلَّ سورة النور بعَرْض أغلظ ما في الإنسان مثل إشباع الشهوات بمعصية والرغبة في التشهير بالغير والشماتة ونزعة الغضب في الإنسان، ثم ساق العلاج على ثلاثة محاور: أولها بيان الحدود الرادعة كحدِّ الزنا وحدِّ القذف، ثم أرشدنا للإجراءات الاحترازية التي يجب علينا اتخاذها كآداب الاستئذان وغض البصر وإخفاء الزينة، وأضاف لذلك كلّه نموذجًا شنيعاً للافتراء ألا وهو “حادثة الإفك”. وكيف كان ردّ فعل أصحابها وكذلك المحيطين بهم، فبيّنت لنا السورة خطورة الكلمة، فالنشاط الكلامي للإنسان هو أوسع نشاطاته فيجب الحذر فيما ننطق به ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، ثم تأتي الآيات التي تبيّن أن الزواج هو البديل الطيّب وتدعو لتيسير أسبابه، وبعد كل تلك الآفات وهذه المعالجات يطيِّب الله عزَّ وجلَّ النفس ويطمئن القلب بآيات النور الذي يُقذف في قلب المؤمن الموصول بالله، فالصلاة نور والعلم نور والقرآن وسنّة الرسول نور، وكذلك تقوى الله نور.
وبيَّن لنا في عقْبِها الأخسرين أعمالاً الذين عملوا للدنيا فأدهشوا الناس ولكن لم يبتغوا به وجه الله فأصبح هباءً منثورا. لم يصبح الآن بيننا الأنبياء لنهتدي بهديهم، ولكن الصالحين كُثر، فابحث عنهم يقال: “فلان نور الحي” أي كل من زاره، وعرض عليه مشكلة أشار عليه بما هو خير، وعلّمه الحكمة فالتمِس النورَ من مصادره “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا”، وابتعد عن موانعه من كل ظلم وفسق وكذب واستكبار.