بقلم د. حنان شبانة
الاستاذ المساعد بجامعة تبوك سابقا
المؤسسات الدينية هي الكيانات الرسمية التي تهتم بنشر الثقافة الدينية، وتعزيز الوعي الروحي لدى الأفراد والمجتمعات، وتشكل دوراً محورياً كمراكز لممارسة الطقوس والشعائر.
تعتبر هذه المؤسسات مقصدا يلجأ إليه الناس لتلبية احتياجاتهم الروحية والدينية. وكما قيل:” الإيمان ليس مجرد شعور داخلي، بل هو قوة قادرة على إحداث تغيير جذري في المجتمع “.
ويُظهر هذا القول إن الإيمان يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة. فدور المؤسسات الدينية كعامل أساسي في تقديم الدعم والمساندة أصبح أكثر وضوحا في هذه الظروف. ومن خلال تأثيرها العميق على الأفراد، يمكن لهذه المؤسسات أن تكون دعامة قوية للتخفيف من الأعباء الاقتصادية. لكن السؤال المطروح هو: كيف يمكن للمؤسسات الدينية أن تقدم هذا الدعم بفعالية؟ وهل يمكن للإيمان أن يكون المفتاح لتحويل الأزمات إلى فرص للنمو؟
في هذا المقام، تبرز العديد من المزايا التي تعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عبر دمج القيم الاقتصادية في الأنشطة الدينية، ويمكن للمؤسسات الدينية أن تؤدى دورا هاما في هذا الصدد من خلال تطوير رسائل توعوية مبتكرة والاستفادة من التطور التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، يسهم إنشاء فرق عمل متخصصة للتعامل مع الأزمات في تحقيق هذا الاستقرار بشكل فعال. وبذلك، يمكن لهذه المؤسسات أن تكون ركيزة أساسية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المعاصرة.
تقوم المؤسسات الدينية بدور بارز في نشر الوعي حول القيم الاقتصادية من خلال الخطب، واللقاءات التوعوية ، والندوات. من خلال هذه المنابر، تشجع الخطب الدينية الناس على الالتزام بالقيم الإسلامية مثل: الأمانة، وحفظ العهود، والبذل للمحتاجين. علاوة على ذلك، تحث الخطب الناس على ممارسة الأعمال التجارية وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، مثل: الدعوة إلى إخراج الزكاة، والصدقات، والنهي عن الغش والربا. من خلال هذه الجهود، تعزز الخطب ثقافة الاقتصاد النظيف والمسؤول، مما يسهم في بناء مجتمع يعتمد على القيم الأخلاقية والاقتصادية السليمة.
إلى جانب ذلك، يجب أن تكون الرسائل الدينية واضحة وبسيطة وتتناسب مع مستوى الفهم العام، وكذلك التوجيه الديني الفعّال يجب أن يتسم بالاستمرارية والتنوع، ويشمل أمثلة واقعية وشخصيات قدوة لتحفيز الناس، ومن المهم الابتعاد عن التخويف المبالغ فيه، والتركيز على الإقناع العقلي، مما يعزز من تأثير هذه الرسائل.
في عصر الرقمنة، تستفيد المؤسسات الدينية من وسائل الإعلام الجديدة والمنصات الرقمية لتوسيع نطاق تأثيرها. باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وتستطيع هذه المؤسسات نشر محتواها بسرعة وجذب جمهور أكبر. وهذا التحول الرقمي يساعد على تقديم الرسائل الدينية بطريقة حديثة وجذابة، مما يسهم في تفاعل أكثر فعالية مع المجتمع.
إضافة إلى ذلك، يلعب إعداد فريق العمل داخل المؤسسة الدينية دورا حاسما في الاتصال المباشر مع المجتمع، وتقديم الدعم الفعّال خلال الأزمات. ويجب أن يكون هذا الفريق مكونا من أفراد ذوي خبرات وقدرات خاصة، قادرين على التفاعل بشكل إيجابي مع الناس وتهدئة مخاوف المجتمعات المعاصرة، فالتدريب المستمر والإعداد الجيد يمكّن هؤلاء الأفراد من التعامل بكفاءة مع الأزمات والتحديات المفاجئة.
كما تترك الأزمات الاقتصادية آثارا عميقة على الأفراد والمجتمعات، ولكن بتضافر الجهود يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو. ويأتي هنا دور المؤسسات الدينية كحاضنة داعمة تقدم العون وتنشر الطمأنينة لأن الإيمان ليس مجرد فلسفة؛ إنه أسلوب حياة يجسد قيم العدالة والتضامن في كل جوانبها.
ندعو كل فرد وكل مؤسسة إلى تبني هذه الرؤية، والعمل – جنبا إلى جنب – مع المؤسسات الدينية لتعزيز القيم الإيجابية وبناء مستقبل أفضل. فبالتعاون والإيمان، يمكننا تخطي الصعاب وتحقيق النجاح المشترك.
فالمؤسسات الدينية ليست مجرد عنوان، بل هي دعوة للتأمل والعمل. دعوة لإعادة التفكير في أدوارنا ومسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض، لنكون مصدر إلهام وأمل في عالم يحتاج إلى الكثير من الضوء. كما قيل: “القوة لا تأتي من القدرة الجسدية، بل من الإرادة التي لا تقهر.” هل يمكننا أن نستخدم إيماننا وإرادتنا المشتركة لتحقيق تغيير حقيقي في مجتمعاتنا؟
وفي الختام، يتضح جليا أن المؤسسات الدينية تمتلك القدرة على أن تكون شعلة نور تهدي المجتمعات في أوقات الأزمات. وإن دمج القيم الاقتصادية في الأنشطة الدينية، وتطوير رسائل توعوية مبتكرة، والاستفادة من التقنية الحديثة، كلها استراتيجيات تفتح آفاقا جديدة لدور هذه المؤسسات في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.