لو تحدثنا عن فضيلة الصدق فأول ما يتبادر إلى الأذهان هو صدق القول أي مطابقة لفظ الإنسان للواقع وللحقيقة، الأصل في اللسان أن نحفظه لأن زلاته تردي صاحبها فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل أيكون المؤمن جباناً؟ قال: (نعم)، ثم سُئل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: (نعم)، ثم سُئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: (لا). قد لا يتعمد المؤمن تزييف الحقيقة ولكن يردد أقوال غيره فيصبح مروجا لكذب أو ناشرا للشائعات “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”. هذا وإن للصدق أنواعا أخرى كالصدق مع الله والإخلاص له بأن يتفقد قلبه قبل كل عمل، ما الباعث وراء هذا العمل؟ ليتأكد أنه خالصا لوجه الله لا نصيب لحظوظ الدنيا فيه، وكذلك صدق الأحوال وهو استواء السر والعلانية لأن مخالفة الفعل للقول من خصال المنافق “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” ولكن هؤلاء سرعان ما ينكشفوا لأن لسان القول أبلغ من لسان الفعل، فالقيم الحقيقية يحملها السلوك.
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى.. فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا.
الصدق علامة على سلامة القلب وهو مفتاح لكل خير يكتسب صاحبه احترام الآخرين ومحبة الصالحين ويبني جسور الثقة بينه وبين من حوله. يكذب الكذابُ خوفًا أو خجلا أو لتحقيق منفعة دنيوية ويغفل عن وعد الله الذي لا تعادله أي منافع “قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.