هو أحد أعلام الفكر الإسلامى المعاصر وإن لم ينل الشهرة التى يستحقها ، لعب دورا بارزا فى مجال الدعوة والدفاع عن الإسلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة ، قدم العديد من المؤلفات التى ترجم معظمها إلى عدة لغات أجنبية ، كما أشرف على إصدار العديد من الموسوعات العلمية من خلال المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ،عمل مديرا للمركز الإسلامى بالصومال ، ثم مديرا فى رابطة العالم الإسلامى بمكة المكرمة ، ونائبا للأمين العام للرابطة ، وأستاذا لأدب الدعوة فى جامعة الملك عبد العزيز ، وعضوا فى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ، إلى جانب عضويته فى العديد من المنظمات والهيئات الدعوية والإسلامية بمصر والخارج .
ولد الدكتورعبد الصبور مرزوق ونشأ فى إحدى قرى مركز الباجور بمحافظة المنوفية ، حفظ القرآن الكريم وهو فى السابعة من عمره ثم رحل إلى القاهرة لتلقى تعليمه حتى تخرج فى كلية دار العلوم عام 1948 ، وفور تخرجه عمل مذيعا بالإذاعة ثم غادرها مضطرا ، واستكمل تعليمه فحصل على الماجستير والدكتوراة ، واتجه إلى المجال الدعوى وأبدع فيه ميدانيا وأكاديميا حتى توفى فى يناير عام 2008 عن 82 عاما .
اقتربت من الدكتور عبد الصبور مرزوق منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضى عندما كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ثم نائبا لرئيس المجلس ، وكنت عضوا فى اللجنة الإعلامية بالمجلس الأعلى ، وكثيرا ما كان يحضر اجتماعات لجنتنا ويقدم فيها آراء وملاحظات قيمة ممتزجة بتواضعه الجم ، وفى مؤتمرات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية كان نجما بلا منازع ، وكانت كلمته القصيرة المركزة هى محور المناقشات والمداخلات ، لهذا كله أدركت أن هذا رجل مختلف ، يتمتع بعقل واع وفكر ثاقب ، ويمتلك قلما جادا ولسانا شجاعا ، ومن كان بهذا الثراء جدير بأن يسعى إليه ويطلب العلم بين يديه .
تتنوع مؤلفات الدكتور مرزوق بتنوع القضايا التى يناقشها ، ومن أهمها ” الغزو الفكرى : أهدافه وأساليبه ” , و ” الموسوعة القرآنية ” الصادرة فى ستة مجلدات بالاشتراك مع آخرين ، و ” السيرة النبوية فى القرآن الكريم ” ، و ” أضواء على الصومال ” ، و ” أدب الدعوة فى عصر النبوة ” ، و ” الإسلام والقرآن ..ومقولات ظالمة ” ، و ثائر من الصومال : المجاهد محمد عبد الله حسن ” ، و” صور من نوادر البخلاء ” ، و” الخطابة السياسية فى القرن التاسع عشر ” .
وإلى جانب ذلك كان يتولى رئاسة تحرير مجلة ” منبر الإسلام ” ويكتب لها افتتاحية ضافية مع مطلع كل شهر عربى ، يتناول فيها ما يستجد من القضايا الإسلامية بحماس المدافع عن دينه فى بيان أدبى ناصع وأسلوب علمى ومنهجى قويم ، ورغم أن المرض فى سنواته الأخيرة أعاق قدرته على الحركة بعض الشيء إلا أنه لم يعق قدرته على الإبداع العقلى والفكرى الغزير والعميق .
فى تسعينيات القرن الماضى واجهت مصر موجة إرهابية عاتية ترفع شعار تغيير المنكر بالقوة ، وكان طبيعيا أن يتصدى علماء الدين لهذه الفتنة ، فأصدر الدكتور مرزوق كتابه ” منهجية التغيير الاجتماعى فى القرآن الكريم ” عام 1998 ، ليقدم السبيل الأمثل للتغيير طبقا للمنهج القرآنى ، وهو كتاب مهم على صغر حجمه ــ 120 صفحة من القطع المتوسط ــ إذ يعالج قضايا التغيير برؤية وسطية متزنة ، وبفهم صحيح لقاعدة ” الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ” ، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ” .
كان الكتاب علامة مميزة على طريق المواجهة الفكرية مع دعاة العنف ، خصوصا أنه صادرعن عالم ثقة ، معروف بجرأته ، لا يسعى إلى سلطة ولا يخاف فى الحق لومة لائم ، وقد ابتدأ فى المقدمة بالحديث عن الضوابط الأربعة التى تنبنى على أساسها الشخصية المؤهلة للقيام بمهمة التغيير وهى : إيثار مصلحة الجماعة على المصلحة الخاصة ، واعتبار القيم والثوابت الإيمانية والأخلاقية محور الارتكاز ، خشية الله ومراقبته ، واعتماد العلم معيارا للحكم على الأحداث والتصرفات .
يتضمن الكتاب العديد من العناوين الدالة على محتواه ، ومن هذه العناوين : “التغيير بالكلمة لا بالقوة ” ، و “إعمار الأرض ومقومات الاستخلاف” ، و”التوازن بين العلاقات فى كيان المجتمع” ، و”الدور القدرى للمجتمع المسلم عالميا” ، و “فساد المجتمع وضرورة التغيير” ، و” قوام حركة المجتمع دمغ الحق للباطل” ، و “غيبة المنهج وأثرها فى فساد المجتمع ” ، و” انهيار مقاومة الأمة إما لجور السلطان أو لتمكن العدو “، و”غلبة الترف والفساد فى انهيار الأمم ” ، و”النفاق والإفساد الأكبر فى المجتمع ” ، و” إنكار الواقع الفاسد ” ، و” يقظة الرأى العام وتأييده للتغيير” .
وطبقا للمنهج القرآنى فقد اشترط المؤلف أن تتوافر فى القائمين بعملية التغيير الأمانة والصدق والجدية والأهلية والحكمة والقدرة على التعامل مع الأوضاع الفاسدة ، وحين تكثر فى المجتمع نماذج المجاهرة بالحق فى وجه الطغاة والمفسدين تصبح أرض التغيير صالحة لإنبات وتنمية الرأى العام الذى يعين على هذا التغيير ، فتتولد فى الناس ملكة نقد الانحراف والفساد والظلم ، ويتنامى فيهم رفض الواقع السيئ الذى يعيشونه ، ويكون اقتناعهم كاملا بضرورة التغيير الواعى المسئول وليس التغيير الفوضوى .
وهكذا يقدم المؤلف فى هذا الكتاب المميز المنهج الآمن والأمثل الذى رسمه القرآن الكريم لإحداث تغيير لا شر فيه ولا ضرر منه ، تغيير قوامه تغيير ما بالنفس حتى ينصلح حال البلاد والعباد .