عيد الفطر في منهج الإسلام بهجة وفرحة وسرور وشكر لله على التوفيق لأداء فريضة الصيام، وواجب المسلمين في هذا اليوم التزاور والتراحم بينهم وبين بعضهم البعض، ومراعاة الآداب التي وضعتها الشريعة الإسلامية للاحتفال بالعيد ومراعاة حرمات الله تعالى؛ فلا يجوز أن يكون يوم العيد يوم حزن أو همّ بالبكاء والندب على الراحلين، بينما الأحياء متقاطعين لا يصل بعضهم بعضًا.
قال العلماء: “إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين”. وشرع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد، قال سيدنا أنس رضي الله عنه: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر”.
فالمسلم يشعر في العيد بفرحتين عظيمتين لهما أكبر الأثر فى حياته وقوته: فرحة القيام بالواجب، واجبِ الطاعة والامتثال لأمر الله، وفرحة الثقة بحسن الجزاء من الله عز وجل.
ويخرج المسلم في كامل زينته لصلاة العيد في جماعة ويسن له الخروج ماشياً لا راكباً إلا من بعد أو عجز وأن يخالف بين طريق الذهاب والإياب.
كما أمر صلى الله عليه وسلم بخروج النساء لصلاة العيد، فعن السيدة أم عطية الأنصارية أنها قَالَتْ: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ”، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قَالَ: “لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا”.
كما يسن أخذ تمرات وترا بعد صلاة الفجر وقبل الخروج لصلاة العيد ليظهر المسلم فيها طاعته لربه يوم أمره بالفطر كما أطاعه يوم أمره بالصيام.
ومن مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي ما فعله الحبشة، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي فنظر إليهم، ثم قال للسيدة عائشة رضي الله عنها: “يا حُمَيْراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟” قالت: نعم. فأقامها وراءه خدها على خده يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول يغريهم، ويقول: ((دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بالحنيفية السمحة)).
فهذه مشاهد الفرح بالعيد ومظاهر السرور والبهجة تقام بين يدي النبي فيقرها، ويحتفي بها.
ولكن هناك من يحاول قتل أفراح العيد، والتضييق على مشاعر الناس، وينسون قوله تعالى ممتنًا على عباده: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}، ويتناسون أن لكل مقام مقالاً، ولكل مناسبة حالاً. وأن في العيد فسحة كبيرة لنفرح ونسر مهما كانت ظروفنا المحيطة بنا.
عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال- وكان من كتاب رسول الله-: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله- صلى عليه وسلم- يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله: “وما ذاك؟” قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكِّرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله: “والذي نفسي بيده؛ إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ثلاث مرات.”
والمقصود من هذا الحديث أنه ينبغي للمسلم أن يعطي نفسه حقها من الراحة، ونحو ذلك من المباحات، وألا تكون حياته كلها في العبادة، فيكون المسلم في وقتٍ من أوقاته على الحضور والتدبر والتفكر وأداء حقوق الله، وفي وقتٍ أخر على قضاء حوائج نفسه ومخالطة أولاده وزوجه وأمواله.
فالمؤمن لا ينسى الله عز وجل في أي وقت، وأنه إنما يفرح بفضل الله تعالى ورحمته، ويسعد بإتمام نعمة الله عليه، وتوفيق إياه لما يرضي ربه قال الله تعالى: “قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”.
وقال النبي: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ».
وقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الهَم والحزَن، ويعجبه الفأل، دائم البشر، كثير التبسّم.
إننا بحاجة إلى أن نجعل من هذا العيد فرصة لإحياء الأمل في قلوبٍ يائسة فنقول لأصحاب هذه القلوب أبشروا وأمِّلوا ما يسركم فلئن حلَّت بنا محن فقد أبقى الله لنا منحاً، ولئن أصابتنا نقم فقد أبقى الله لنا نعماً. “وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها”، ونحن أحوج ما نكون إلى أمل يدفع إلى عمل، وفأل ينتج إنجازاً.
تقبَّل الله منا جميعا، وكل عام وحضراتكم بخير.