د. موسى نجيب: انتشار المخدرات والتدخين ابرز المخاطر
د. أحمد عشماوى: الإسلام نهى عن أذية الأطفال بدنيا ومعنويا
د. بشرى أرناؤط: يحتاجون للرعاية النفسية والاجتماعية والصحية
تحقيق: هالة السيد موسى
تمثل قضية عمل الأطفال أحد أبرز قضايا انتهاك حقوق الأطفال والإساءة لهم، حيث تشير الأرقام والإحصاءات الى وجود زيادة مضطردة فى الاستخدام المباشر وغير المباشر للأطفال فى كل القطاعات الزراعية والخدمات والصناعة وفى الشوارع وفى انشطة غير مشروعة مثل العمل القسرى والسخرة.
وقد احتفل العالم، الأسبوع الماضى باليوم العالمى لمكافحة عمالة الأطفال، وبحسب دراسة للمجلس العربى للطفولة والتنمية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية فقد اظهرت التقديرات العالمية لمنظمة العمل الدولية لعام 2016 أن 37 مليون مراهق فى العالم تتراوح أعمارهم بين 15و17 سنة يشاركون فى أعمال خطرة، فما هى اسباب تزايد معدلات العمالة؟ وما هى الآثار المترتبة عليها وكيف نظر الشرع لهذه الأعمال؟
يشير د. موسى نجيب موسى- مدير مركز موسى نجيب للاستشارات الأسرية والخدمات التأهيلية- إلى ان هذه الظاهرة فى مجتمعنا المصرى أحد أخطر الظواهر التى تهدد المجتمع، فقد بلغ حجم عمالة الأطفال فى مصر وفق تقديرات منظمة العمل الدولية نحو ما يقرب من 2.2 مليون طفل، بنسبة تصل إلى 26%، ووفقا لآخر احصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لسنة 2018، فإن حجم عمالة الأطفال يبلغ نحو 1.6 مليون طفل، منهم 83% يعملون فى الريف مقابل 16% فى المدن، وأن 46% من إجمالى هؤلاء الأطفال العاملين يتراوح بين 15 و 17 سنة، وأن 78% منهم من الذكور و 21% من الإناث، وأن عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال فى العمل تتعدى أكثر من 9 ساعات يومياً فى المتوسط، وأكثر من ستة أيام فى الأسبوع. أى أن عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل قد تتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.
يضيف: وعلى الرغم من تجريم القوانين والمعاهدات الدولية كافة لهذه الآفة التى استشرت فى المجتمعات النامية وسرت مسرى الهشيم فى النار إلا أنها مازالت تمثل ظاهرة حقيقة وملفتة للنظر ويجب الانتباه لها والعمل على مواجهتها، وواضح أن أحد اهم أسباب عمالة الأطفال ألا وهو الفقر، وان هناك ارتباطا شرطيا واضحا بين تفشى ظاهرة عمالة الأطفال وبين الزيادة السكانية، فضلا عن المستوى الثقافى والمعرفى والتعليمى للأسرة حيث شيوع عدم فائدة التعليم!
ومن العوامل ايضا التى تقف وراء ظهور مشكلة عمالة الأطفال نقص المعرفة بالقوانين الحاكمة لعمالة الأطفال والتعرّض لظروف العمل الصعبة التي لا تتناسب مع الحالة النفسية، والجسمية، والعقلية للطفل. حرمان الطفل من التمتع بطفولته كباقي أقرانه. التعرض لإصابات العمل الخطيرة، نتيجة ظروف العمل التي تعرضه للحرارة الشديدة، والمخاطر الميكانيكية، والضوضاء، والأبخرة والأتربة؛ مما يتسبّب في الإصابة بأمراض عديدة. انتشار العديد من العادات السيئة والمضرّة بالصحّة بين الأطفال العاملين مثل تعاطي المخدرات، والتدخين. استغلال الطفل العامل، وانتهاك حقوقه من قبل أرباب العمل، وتشغيلهم لعدد طويل من الساعات. إحساس الطفل بالقهر الاجتماعي، ممّا يتسبّب في جعله عدوانيا، ويميل إلى العنف. قلب موازين القيم عند الطفل؛ حيث يصبح المال أغلى من القيم الفضيلة التي تعلمها من المجتمع؛ ممّا يدفعه إلى القيام بتصرفات خاطئة من أجل الحصول عليه. القضاء على فرصة إيجاد قيادات متعلمة تستطيع التنمية والتخطيط من أجل تقدم المجتمع، ممّا يؤدي إلى تعزيز حالة الفقر المجتمعي.
أوضح د. موسى نجيب، انه بالرغم من جهود الدولة المبذولة فى هذا الشأن والاهتمام الكبير من قبل القيادة السياسية فى الحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها وسن القوانين المختلفة التى تجرمها إلا أن الأرقام لا تكذب ولا تجمل وجه الحقيقة القبيح! فمازالت الظاهرة متفشية فى المجتمع المصرى بشكل موحش وبشكل لافت للنظر جدا مما يدق معه ناقوس الخطر بضرورة تعاون جميع الجهات والهيئات المعنية معا للقضاء على هذه الظاهرة أو على الأقل الحد منها، وهناك العديد من الحلول الممكنة والمتاحة التى من الممكن ان نقترحها لمواجهة هذه الظاهرة من بين هذه الحلول العملية وضع حد للفقر، وكذلك تفعيل القرارات المتخذة في المؤتمرات الاقليمية، وايضا تفعيل دور المؤسسات الأهلية والمحاولة الجادة للقضاء على الجهل، وكذلك تغليظ العقوبات على من يقوم بتشغيل أطفال فى مؤسسته او روشتة او مصنعة او اى كانت المؤسسة وكلها حلول متاحة وممكنة.
مشكلات سلوكية
وتشير بُشرى اسماعيل ارناؤط -أستاذ علم النفس بكلية الاداب جامعة الزقازيق- الى أن ظاهرة عمالة الأطفال قديمة حديثة في جميع دول العالم، كأحد إفرازات العولمة التي نتج عنها زيادة الفقر والبطالة وفقدان الأمن الوظيفي وتسريح العمالة. مما تسبب في عجز الوالدين عن تلبية احتياجات أبنائهم، والقصور في قيامهم بحق الإنفاق على الأبناء، ففي عام ١٩٧٣ أقرت منظمة العمل الدولية عمر ١٨ عاما كحد أدنى للعمل، ولهذا أصدرت الاتفاقية رقم ١٨٢ التي أجبرت فيها الدول على اتخاذ التدابير الفورية والفعالة لمنع عمالة الأطفال لما لها من آثار سلبية.
وقد نال موضوع الآثار النفسية والاجتماعية لعمالة الأطفال اهتماما بحثيا متزايدا، إذ أجمعت نتائج هذه الدراسات على أن لعمالة الأطفال آثارا سلبية خطيرة على صحتهم النفسية والعقلية، إذ تؤدي إلى سوء التوافق الشخصي والاجتماعي، انخفاض الطمأنينة النفسية وجودة الحياة، الافتقار للمهارات الاجتماعية، التشتت وانخفاض القدرة على التركيز، القلق، مشكلات سلوكية مثل جناح الأحداث والتدخين والإدمان، التأخر الدراسي، التسرب الدراسي، التبلد الانفعالي، الاكتئاب والديسثيميا أو عسر المزاج، الشعور بالوحدة والعزلة، نقص تقدير الذات، ومفهوم الذات السلبي، العنف والعدوان، التحرش الجنسي وإساءة المعاملة، نقص الثقة بالنفس وبالآخرين وغيرها من المشكلات النفسية والاجتماعية.
تضيف: لابد من تشكيل هيئات وطنية للحد من عمالة الأطفال من جهة، ولوضع ميثاق لحقوق الطفل العامل من جهة ثانية، وإعداد قواعد بيانات عنهم، وكذلك تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية والصحية لهذه الفئة ذات الظروف الحياتية الصعبة، والاهتمام بالتعليم الأساسي وتوفير عوامل الجذب المدرسي للطلبة، هذا فضلاً عن التوعية الإعلامية بالآثار السلبية لهذه الظاهرة، ونشر ثقافة التعليم المهني في مؤسسات للتدريب المهني للأطفال المتسربين من التعليم لتأهيلهم لسوق العمل.
وضع مؤسف
من جانبه يقول د. أحمد عشماوى- الأستاذ بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الازهر- انه من المؤسف حقا أن نرى بعض الأطفال من غير المحظوظين قد ارتسمت على وجوههم آثار التعب والشقاء وعجّلت بشيخوختهم قبل الأوان فأصبح يومهم يوما لا سعيدا وإنما يوم صار الولدان فيه شيبا. ذلك لكونهم عجّل عليهم بأمور لا قبل لهم بها ولا طاقة لهم بها لأن المرحلة العمرية التي يعيشونها لا يتناسب معها الإرهاق ولا الإجهاد لكونها مبنية على الضعف الجسدي والنفسي، ولعل القرآن الكريم أشار إلى هذه المرحلة بقوله (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق الله ما يشاء وهو العليم القدير) فمرحلة الطفولة هي مرحلة الضعف راعها الله في تشريعاته فلم يكلف الطفل بالعبادة قبل سن البلوغ والتكليف رغم يسر بعض العبادات لانها ليست في وسعهم وربما لا تستوعبها عقولهم وفي القرآن الكريم (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وما جاء في الحديث (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) محمول ذلك على سبيل التعويد والتدريب والتوعية، ويقاس على ذلك الأعمال فلا يكون أبدا أن نسرق من الأطفال أجمل مراحلهم العمرية ليستفيد من ذلك الكبار وفي القرآن الكريم (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) فتحميل الأطفال ما لا طاقة لهم به من الظلم بمكان وإن ذلك له مردوده النفسي السييء على الطفل لأنه لن يخرج سويا لأنه ينظر إلى أقرانه فيجدهم منعّمين ومدلّلين بينما هو في شقاء وكد وكدح وتعب فربما دفعه ذلك إلى أن يكون عنصرا عدوانيا في المجتمع وفي حديث نبي الرحمة (من لا يرحم لا يُرحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
يؤكد د. عشماوى، ان الاسلام سبق جميع الهيئات الدولية لحقوق الطفل في انه وضع حقوقا للأطفال من كافة الجوانب حتى وهو في بطن أمه فوضع حقوق الحياة والكرامة واختيار أجمل الأسماء والرضاعة والكسوة والنفقات بجميع انواعها والتعليم والتربية السليمة والتدليل والحنو والعطف والرحمة، ونهى عن كل ما يؤذي الأطفال في أبدانهم ومعنوياتهم، ولكل ذلك أدلة من القرآن والسنة وأقوال الفقهاء ما يضيق المقام عن استقصائها.
وهذا لا يمنع تحديث الأطفال عن الله وعن الدين وعن الشرع وتحفيظهم للقرآن الكريم فإن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ولا يمنع ذلك أيضا من تعليم الأطفال أصول وفنون الحرف المهنية بطريقة لينة سهلة لا تجهدهم في أبدانهم ولا عقولهم وقد يدخل فى ذلك المناولة والمصاحبة للأطفال في أماكن العمل كالحرث والصناعة مع أولياء أمورهم دون تكليفهم بما لا يطيقون ودون تعنيف أو زجر ودون الاعتماد عليهم في تحمل المسؤولية في إدرار الدخل والاكتساب على زويهم، والمجتمع بأسره ضامن متضامن في إكرام الأطفال ورعايتهم رعاية سليمة من خلال الوعي بحقوق الأطفال وتعليمهم وتثقيفهم وخلق مناخ سليم لتخريج أطفال قادرين على حمل الراية من بعدنا وفي حديث نبي الرحمة (ليس منَّا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) ولنتأسى بنبي الرحمة صلى في حنوه على الأطفال وتدليلهم وتقبيلهم ومنحهم وتعليمهم فما نحفره في نفوس الأطفال لا يمحوه الزمان.