حذرت دراسة جامعية من حالة الفرقة والتشتت والهوان التي تمر بها أمتنا الإسلامية، مؤكدة أ، الإئتلاف والوحدة هما القوة والعزة لهذه الأمة، فما من مرحلة عزّةٍ وازدهارٍ في تاريخ هذه الأمة، إلا وكان الائتلاف والاتحاد سببًا من أسبابها، وما من فترةِ ضعفٍ واضمحلالٍ إلا وكان التفرق والشقاق عاملًا من عواملها،وإن المتربصين لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم وبناء سدود الضِّرار إلا في ظلال الفُرقةِ والتمزُّق.
وأكدت الدراسة أن الانتماءات الفئويةَ المعاصرةَ المنتشرةَ في صورة جماعاتٍ أو تحزُّباتٍ دينيةٍ تحت أي اسمٍ تناقضُ هدي الإسلام، وتخالف فقه الائتلاف، وتعدّ نوعًا من العصبية والتشدد، وتؤدي إلى: التفرق،وفتح سبل الشقاق، وإن الإسلام لا يعترف بأية جماعة دينية سوى جماعة واحدة، تضم كل من يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
وكان الباحث يحيى عطية يحيى عبد الغني الصامولي، المدرس المساعد بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بالكلية قد حصل علي درجة العالمية ( الدكتوراه ) في أصول الدين قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين بالقاهرةعن رسالته الني حملت عنوان” عنوان “فقه الائتلاف في ضوء الدعوة الإسلامية وحاجة الأمة إليه”
وتكونت لجنة الإشراف والمناقشة من الأستاذ الدكتور/ بكر زكي إبراهيم عـوض،عميد كلية أصول الدين بالقاهرة سابقًا، مشرفًا أصليًا، والأستاذ الدكتور / حسن عبد الرؤوف محمد البدوي، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية الأسبق مشرفًا مشاركًا، والأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن جيرة التومي، وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة الأسبق مناقشًا داخليًا، والأستاذ الدكتور/ مصطفى إبراهيم الدميري رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الطبّ مناقشًا خارجيًا، وقد قررت اللجنة بالإجماع منح الباحث درجة العالِمية (الدكتوراه) مع مرتبة الشرف الأولى.
تفرق وشتات
وأشار الباحث في رسالته إلى أن التفرق والشقاق أصبح منهجًا وديدنًا للكثيرين، حتى عظُم الخطبُ، وادلهمّ الأمرُ خاصة في العقود الأخيرة، ما بينَ تفرُّق في صميم النفوس وأهدافها وثقافتها، إلى تفرّق في الأسرةِ وتمزُّقٍ في كيانها وتشتُّتٍ بين أفرادها، إلى تفرُّقٍ في المجتمعات، إلى تفرقٍ في صورة جماعات وفئاتٍ تائهة في وديان أفكارٍ وثقافات شتى.. فئاتٌ متنازعة، وأهواءٌ متفرقة، وتحزُّبات دينيةٌ متناحرة ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ ؟!!
وأوضح البحاث أن العقود الأخيرة ظهرت دعوات للعودة إلى صحيح الدين الإسلاميّ، ولكن أكثر أصحاب تلك الدعوات لمْ يُلقوا بالًا إلى هذا المقصد النبيل من مقاصد الإسلام ألا وهو “الائتلاف” فكانت أول انحرافاتهم عن صحيح الإسلام أنهم دعوْا الناس إلى الانتماء إلى مسميات شتى ما أنزل الله بها من سلطان،فنقضوا بذلك مبدأ البنيان والجسد الواحد، وعرّضوا ثقافة الائتلاف للانهيار، وكان ديدنُ الكثيرين من أتباع تلك الانتماءات اتهام عامة المسلمين باتهامات شتى ما بين تكفير إلى تفسيق وتبديع، إضافة إلى قيامهم بتعميق الخلاف والفرقة عن طريق إثارة الكثير من المسائل والأمور الخلافية وتصويرها على أنها تفرق بين الحق والباطل، وأحيانا على أنها تميز بين أصحاب الجنة وأصحاب السعير .
وأكد الباحث أن وسائل التواصل وسائل التواصل الاجتماعي (Social media) أدت من تفاعل واسع مع عوامل التفرق والشقاق، والإغراق في مفاهيم ومصطلحات تناقض الائتلاف وتنقضه مثل (قصف الجبهة – والردود النارية) وتناول خصوصيات الناس – وإن أخطأوا – بكثير من الاستهزاء والتهكّم والتندّر، حتى حين تتعلق الأمور بالعرض والشرف!
وأضأف أن العقل الباطن أصبح يوجّه الكثيرين من الشباب تلقائيًا إلى فتح عدساتهم لتصوير الغريق وهو يَغرق بدلًا من مدّ يد العون لنجدته وإنقاذه!!، وغابت عن واقعنا أكثر تلك المبادئ الإسلامية السامية التي عاشتها أجيال آبائنا وأجدادنا من التعاون والتآلف والمودة ونجدة الملهوف وتبادل المعروف وسماحة الجوار والمشاركة الاجتماعيةفي الأفراح والأحزان.. ونحوها، وأصبحت القضايا المثيرة للجدل هي المادة الرائجة أو الـ(Trend) حتى وإن كانت مسائلَ تافهةً مثل قصّة شعر فلان، أو لون سيارة فلان، ونحوها.
كما أكد الباحث أن الاتحاد قوة، وإنّ الائتلاف عزّة، وإن الفرقة ضعف، وإنّ التشتت هوان، وإنّه ما من مرحلة عزّةٍ وازدهارٍ في تاريخ هذه الأمة إلا وكان الائتلاف والاتحاد سببًا من أسبابها، وما من فترةِ ضعفٍ واضمحلالٍ إلا وكان التفرق والشقاق عاملًا من عواملها،وإن المتربصين لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم وبناء سدود الضِّرار إلا في ظلال الفُرقةِ والتمزُّق.
وانتهت الدراسة إلى أن كل ما يؤدي إلى الائتلاف فهو داخل في أبواب الوجوب أو الاستحباب، وكلَّ ما يؤدي إلى التفرق أو الشقاق فهو داخل في أبواب الحرمة أو الكراهة، كما إنّ التعايش السلميّ والتعاون المشترك بين المسلمين وغيرهم من أعظم الأمور التي فرضها الإسلام، حيث ندبَ إلى البرّ بغير المسلمين، وأرسى دعائم إنسانية للعلاقات تنطلق من كون الناس في الأصلِ أمةً واحدة، وترتكز على قيم الكرامة الإنسانية والتسامح والعدالة ونحوها.
الانتماءات الفئوية
وتوصلت الدراسة إلى أن إنّ الانتماءات الفئويةَ المعاصرةَ المنتشرةَ في صورة جماعاتٍ أو تحزُّباتٍ دينيةٍ تحت أي اسمٍ تناقضُ هدي الإسلام، وتخالف فقه الائتلاف، وتعدّ نوعًا من العصبية والتشدد، وتؤدي إلى: التفرق،وفتح سبل الشقاق، وتزكية النفس، وتحريف المفاهيم، واستئسار النفس للجماعات والطوائف، والعزلة النفسية، وعدم الاندماج الاجتماعي، وغيرها من المنهيات ما بين محرم ومكروه، وإن الإسلام لا يعترف بأية جماعة دينية سوى جماعة واحدة، تضم كل من يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وهي التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم جماعة المسلمين، وكل جماعة غير ذلك فهي محظورة شرعًا، والدعوة إليها إثمٌ وقطيعة.
وأوضحت الدراسة أإنّ مفهوم “الصحوة الإسلاميّة” قد خالطه كثيرٌ الفهم الخاطئ منذ نشأته؛ لأن الصحوة هي يقظة المسلمين بالرجوع إلى صحيح الدين، ومن أعالي صحيح الدين الإسلامي أنه ليست فيه جماعات ولا فئات ولا انقسامات، فذلك ليس من عناصر الصحوة، بل هو استجلابٌ لعوامل الضعف والهوان، وإن الصحوة الحقيقية تبدأ من حيث يأتلف المسلمون، وتجتمع كلمتهم، ومن حيث يعملون على أهدافٍ واحدة، متعاونين على البر والتقوى، صالحين مصلحين.
وكشفت الدراسة أن هناك غموضًا لدى البعض في “مفهوم الفتنة”، نشأ عنه انغماسهم في الفتن ظنًا منهم أنهم يخدمون الإسلام، مما سهّل لأرباب الشرور عملهم وخططهم لتفريق الشعوب والسيطرة وفق مبدأ “فرّق تسُدْ”، وإنّ الفكر الثوري القائم على إثارة الخلافات والاضطرابات والشقاق والعصيان العام، وما يترتب عليه من تدمير للبنى الاجتماعية، والمؤسسات العامة، بزعم التوصّل إلى تحقيق آمال الشعوب وطموحاتهم هو فكرٌ مندرجٌ تحت مفهوم الفتنة، ومناقض لمبادئ الإسلام ومقاصده الكبرى، وهو فكرٌ دخيل على ثقافة المسلمين من قِبل جهاتٍ لا تدرك حكمة القرآن العظيم في بناء الأمم ونهضة الشعوب، ولا تعرف تطبيقات السنة النبوية في الإصلاح والبناء والعطاء.
الارتقاء بالوطن
وأكدت الدراسة الوطن جزءٌ من الأمة، وإنّ خدمته، والمشاركة في رقيه وازدهاره، والارتقاءَ به على كل المستويات، والدفاعَ عنه ضدّ أعدائه، والانتماء له، والسعيَ لتقدُّمه، كل ذلك وغيره من دعائم الائتلاف، ومن مقوّمات الوجود الإنسانيّ، ومن أعالى هدي الإسلام الحنيف، وقد أعلى الإسلامُ شأن الوطن، وجعل الغيرة عليه، والانتماء والانتساب إليه شرفًا وبرًا، وجعل الموتَ في سبيله شهادةً وفخرا، وإنّ الحفاظ على الوطن من أوجب الواجبات، وإن التفكير في مصلحته من أرفع الحسنات، وإن العبث بمقدراته من أرذل السيئات.
وأوصي الباحث الأمة الإسلامية ومؤسساتها وهيئاتها وحكامها وشعوبها أن يتمسكوا بالائتلاف بينهم، وأن يجعلوه قبل كل شيء، وأن يبحثوا عن عوامله فيدعموها، وعلى كل شيء يقدموها؛ فإن الأمم تنهض حين تأتلف وتتحد شعوبها، تصنع المعجزات، وتنتج ما يبدو مستحيلا، وتسيطر على كنوز الأرض، وتشق عنان السماء إلى كواكب وعوالم أخرى.
وهمس الباحثُ في أذن كل صاحبِ انتماءٍ فئويٍ دينيّ – خاصة الشبابَ الواعد الذين هم نبته الخير وبراعم المستقبل – أن يراجعوا أنفسهم في ضوء آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وفي إطارِ فقه الائتلاف، وأن يعتصموا بحبل الله وألا يتفرّقوا، وأن يتبرأوا من الانتماء نفسيا أو واقعيا أو اجتماعيا لأية جماعة أو فئة من تلك التحزبات الدينية المعاصرة تحت أي مسمى، وأن يسلكوا السبل الصحيحة لخدمة الإسلام، ورعاية الأوطان والنهوض بها.
خطر التطرف
ولفت الباحث أنظار الشباب – الممتلئ بحبّ الوطن، والحماسة، والغيرة، والرغبة في خدمة الدين – إلى أن الثورة الحقيقية التي تحتاج إليها شعوب الأمة العربية والإسلامية هي ثورة دعوية ضدّ التطرف والجمود والعصبية والأهواء، تصحح ما ساء فهمه من الإسلام، وتجدد أمر الدين، وتنشر الوسطية في بقاع الأرض، وثورة علمية تنتج المعارف الثمينة، وتفرز الأبحاث التطبيقية العظيمة، وتضع جامعاتنا على خط المنافسة مع جامعات العالم المتقدمة، وثورة تكنولوجية ريادية تبتكر وتخترع وتبدع أساليب الحياة من جديد، وتعيد بيانات الأمة السليبة – التي هي أغلى كنوز الأرض – إلى حوزتها، فأفيقوا أيها الشباب، ولا يسبقنكم مارك زوكربرج وأيلون ماسك، ولا يغلبنكم أحدٌ على العمل الدؤوب من أجل مستقبل أمتكم وازدهار أوطانكم.
ودعا الباحث العاملين في حقول الدعوة والإعلام والثقافة والأدب أن ياأيها الدعاة وياأيها الإعلاميون وياأيها الأدباء والكتاب والمثقفون، اجعلوا من رسالتكم نشرَ ثقافة الائتلاف، رسالةً حقيقية لا يمكن التنازل عنها أو مخالفتها أو مناقضتها، ولا يليق بأحد من العاملين في تلك الحقول أن يكون منجرفًا في تيار التصنيف الفئوي أو أن يدافع عن مبدأ عصبي، أو أن ينخرط في خطاب الكراهية والشقاق؛ فإنّ منابر الدعوة والإعلام والثقافة والأدب هي مسؤولية دينية أمام الله، واجتماعية تجاه المجتمع والأمة، فاجعلوها رسالةً حرة لا ترسف في قيود الأرض وإنما تسمو إلى عنان السماء.