د. محمد ابراهيم: الإنتاج الأجنبي للأعمال الدينية تزييف للتاريخ وتشويه للإسلام
أحمد الطرابلسي: أطالب بتكاتف المؤسسات لإنتاج أعمال تحاكي “السيرة المحمدية”
تحقيق – منى الصاوي:
يعتبر الفن هو القوة الناعمة التي دائمًا ما تترك أثرًا قويًا وتوثق أحداثًا تاريخية ذات قيمة دينية لجموع المسلمين في بقاع الأرض، وتهل علينا الأعمال الفنية على شاشات التليفزيون في ذكرى ميلاد سيد الخلق، تلك الذكرى التي دأبت المجتمعات الإسلامية على إحيائها بأشكال متعددة، إذ تجتاح الأعمال الدرامية الإسلامية التاريخية شاشات التليفزيون في هذا التوقيت من كل عام، مصحوبة بأغاني المولد النبوي الشريف على مرّ الأزمنة.
وعلى الرغم من وجود أعمال فنية تحاكي الحدث الأعظم في التاريخ، وهو مولد إمام الرسل، إلا أننا نفتقر لوجود أعمال درامية جديدة تتناول المولد النبوي وسيرة النبي العطرة في ظل طفرة تكنولوجية هائلة، واكتساح المنصات الإلكترونية ليس في مصر وحسب، بل اجتاحت العالم أجمع، وتوارت الأعمال الدرامية التي تعتمد على الإنتاج الضخم وتكلفة السينما الباهظة.
في البداية ترصد «عقيدتي»، أبرز الأعمال الفنية التي تناولت المولد النبوي وسيرته العطرة البداية مع فيلم “بلال” والذي تم إنتاجه 1953، بطولة يحيى شاهين وماجدة وحسن البارودي وعدلي كاسب وعزيزة حلمي، للمؤلف فؤاد الطوخي والمخرج أحمد الطوخي.
وفيلم “ظهور الإسلام” تم إنتاجه 1951، وهو أول فيلم ديني في السينما عن قصة الأديب الراحل طه حسين وهي قصة “الوعد الحق”، بطولة أحمد مظهر، عبدالمنعم إبراهيم، عماد حمدي، كوكا، سراج منير، عباس فارس، إخراج إبراهيم عز الدين.
فيلم “انتصار الإسلام” من إنتاج 1952، بطولة ماجدة ومحسن سرحان وعباس فارس وفريد شوقي وهند رستم وحسن البارودي ومن تأليف وإخراج أحمد الطوخي.
وفيلم “مولد الرسول” من إنتاج 1960، بطولة يوسف وهبي وسميرة توفيق وأنور زكي وإخراج أحمد الطوخي.
وفيلم “بيت الله الحرام” إنتاج 1957، بطولة عباس فارس وحسين رياض وبرلنتي عبدالحميد وعمر الحريري، وإخراج أحمد الطوخي.
وفيلم “الشيماء” إنتاج 1972، وقام ببطولته أحمد مظهر وسميرة احمد وتوفيق الدقن وعبد الله غيث وأمينة رزق وغسان مطر ومحسن سرحان وحسن البارودي وصلاح نظمي، تأليف عبدالسلام موسى عن رواية على أحمد باكثير، وإخراج حسام الدين مصطفى.
وفيلم “هجرة الرسول” إنتاج 1964، بطولة ماجدة ويحيى شاهين وإيهاب نافع، وشارك في تأليفه حسين حلمي المهندس وعبدالمنعم شميس، وإخراج إبراهيم عمارة.
و فيلم “الله أكبر” إنتاج 1969، بطولة زهرة العلا ونعمت مختار ومحمد الدفراوي وعبدالوارث عسر، عن قصة لأديب نوبل نجيب محفوظ وإخراج إبراهيم السيد.
مخاطر ومعوقات
“عقيدتى”، استطلعت آراء النقاد والكتاب، حول تواري الأعمال التاريخية الإسلامية الناطقة بالفصحى، الذين أكدوا أن اهتمامات الكتاب وصنّاع الدراما اختلفت كثيرًا عما ذي قبل، إذ باتوا يولون اهتمامهم بتحقيق الربح السريع دون النظر إلى مضمون العمل الفني المطروح، فضلًا عن ضعف التمويل وغياب السيناريو التاريخي من أبرز الأسباب التي أدت إلى اختفاء الأعمال التاريخية تماما من خارطة الإنتاج في الأعوام الأخيرة.
أوضح الناقد الفني د. محمد إبراهيم، أن خارطة الإنتاج الدرامي تعاني من ترهّل شديد بسبب ضعف الإمكانات المادية وفقر الإنتاج، كما أن الأعمال التاريخية الناطقة بالفصحى التي تحاكي حقبة تاريخية بعينها، مثل المولد النبوي الشريف، تحتاج إلى ديكورات وملابس باهظة الثمن، علاوة على أماكن التصوير وأزياء صناع العمل التي تشكل عبئًا ماديًا على شركات الإنتاج، الأمر الذي دفعهم إلى اللجوء إلى الأعمال الدرامية الخفيفة والاجتماعية.
وأشار إلى أن الثورة التكنولوجية التي اجتاحت العالم أثرت سلبًا على الإنتاج الدرامي التاريخي، وغيرها من أشكال الدراما الجادة المؤثرة، فبات العرض يزيد عن الطلب خاصة بعد اجتياح الدراما الهندية والتركية واليونانية والإنجليزية وغيرها، وأصبح الجمهور انتقائي بشكل كبير خاصة بعد المنافسة الشرسة التي تخوضها شركات الإنتاج ليست المصرية وحسب، بل الأجنبية أيضًا.
وأكد د. إبراهيم أننا نواجه كارثة حقيقية وهي ترك تلك الأعمال للتدخلات الأجنبية التي تضع رؤيتها في العمل، الأمر الذي يبيح تدليس التاريخ وتشويه الرموز الإسلامية، كما أن صناعة الدراما ليست بالهينة، وإنتاج عمل درامي تاريخي يلزمه آليات خاصة لتقديم محتوى لائق بلا أخطاء فادحة وفاضحة، فمعظم الفنانين على الساحة الفنية لا يقرأون ولا يعرفون حتى بديهيات التاريخ والحضارة، فكيف لهم أن ينطقون لغة بثراء العربية وصعوبتها؟
ونبَّه د. إبراهيم إلى أن المنتج يفكر ألف مرة قبل إنتاج عمل بهذا الشكل، إذ يجد نفسه أمام مغامرة كبيرة إما أن يربح ويذاع صيته أو أن يطيح العمل بآماله وطموحاته وأمواله لمواسم طويلة! لذا تتجه خطط الإنتاج إلى المسلسلات الكوميدية والموضوعات غير الهادفة المعتمدة على النجم الأوحد الذي يضمن لها نسبة الإعلانات والبيع على المنصات المختلفة بغض النظر عن القيمة الفنية.
وأنهى د. إبراهيم كلامه مؤكدا أنه منذ زمن ليس ببعيد كانت الأسر المصرية تلتف حول التلفاز لمشاهدة الأعمال التاريخية، وتربّي أجيال عليها وشكّلت وجدان الكثير من النجوم المصريين الذين أثروا السينما بأعمالهم وحصدوا الجوائز العالمية، وكان العمل الدرامي “المحترم”، مسيطرًا على المشهد ولا بديل سواه، بداية من الديكور والملابس والتصوير والإضاءة والإكسسوار والموسيقى التصويرية والحوار والسيناريو، والأهم من كل هذا كانت اللغة العربية سليمة بدرجة تشعر معها وكأنك تعيش حقبة انتشار الإسلام على سبيل المثال.
التكلفة العالية
أرجع الكاتب والسيناريست أسامة الطرابلسي، أسباب تخلف الدراما التاريخية الناطقة باللغة العربية الفصحى، إلى التكلفة المادية الضخمة التي تتطلبها مثل هذه الأعمال، كما أن الأعمال الدرامية التاريخية ازدهرت في فترة الثمانينيات والتسعينيات وأوائل الألفيات، خاصة الأعمال السورية والعراقية والمصرية، إذ يعتبرون روافد مثل هذه الأعمال.
وأضاف الطرابلسي: اتحاد الإذاعة والتلفزيون يعاني من الأزمات المادية والإدارية الطاحنة، ولم تعد المؤسسات الحكومية قادرة على تحمل تكلفة أعمال درامية تحتاج إلى تمويل كبير.
واقترح الطرابلسي حلًا لعودة الأعمال التاريخية على الساحة الفنية مجددًا، تتمثل في تكاتف عدد من المنتجين، فضلًا عن دعم الدولة المصرية للعمل ذاته والترويج له بشكل كبير، هذا الأمر يؤدي إلى إنتاج عمل يليق بقيمة مصر وحجمها الفني والثقافي، ويليق بحدث غير مجرى التاريخ مثل المولد النبوي، بدلًا عن تلك الأعمال التي تشوّه التاريخ وتدلس الأديان مليئة بالأكاذيب والافتراءات.
وأشار الطرابلسي إلى أن المنتج الخاص يبحث عن الأعمال التي تحقق له أعلى معدلات ربح وانتشار دون اللجوء إلى إنتاج ضخم يشكل عليه عبئًا.
أوضح أننا نفتقر لوجود الممثل المثقف الذي يجيد التحدث بلغة سليمة دون تكلف، فضلًا عن ندرة كتَّاب السيناريو الذين يمكنهم كتابة مسلسل تاريخي باللغة العربية الفصحى لأسباب مختلفة تتعلق بالثقافة والاطلاع، كما أن تلك الأعمال تحتاج إلى ديكورات وأعمال جرافيك مكلفة، في الوقت الذي تضع فيه ميزانية كبيرة جدًا لأجور الفنانين التي تتخطى ملايين الجنيهات.
وتساءل الطرابلسي: كيف يمكن للتلفزيون المصري مواكبة السوشيال ميديا والمنصات الإلكترونية التي يخصص لها ميزانيات ضخمة جدًا للإنتاج الدرامي؟ مع العلم أن الفئة الأكبر في المجتمع المصري تميل إلى الطبقة المتوسطة البسيطة التي تنجذب أكثر إلى الأعمال الاجتماعية التي تناقش قضاياهم اليومية، أما الأعمال التاريخية تكون موجهة بشكل أكبر للقارئين الذين يمتلكون قدرًا كبيرًا من المعلومات التاريخية.
وطالب الطرابلسي بضرورة دعم الدولة أو جهات ومنظمات وهيئات ثقافية لمثل هذه المشاريع الإنتاجية على أن يكون الإنتاج مستقلا بعيدا عن الوصاية لضمان حرية الإبداع لأن من أبرز العقبات التي تواجه الإنتاج الدرامي باللغة العربية الفصحى، أننا نفتقر لوجود كتّاب السيناريو الذين يمكنهم كتابة مسلسل تاريخي باللغة العربية الفصحى لأسباب مختلفة لا تتعلق بدرجة إجادة اللغة العربية، بقدر ما تتعلق بأن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى جهد كبير من البحث والتدقيق، وهو الأمر الذي يستلزم ربما سنوات لإنجازه، في الوقت الذي يمكن لكاتب السيناريو أن ينجز مسلسلا اجتماعيا في ثلاثة أشهر مثلا!
وأكد الطرابلسي أنه لا يمكن تجاهل تأثير السوشيال ميديا والمنصات الرقمية على نوعية الأعمال الدرامية المقدمة مؤخرا، فدور التلفزيون يتراجع في مقابل تنامي مكانة منصات مجانية مثل «يوتيوب» أو مدفوعة مثل «نتفليكس»، فمشاهدو التلفزيون هم جمهور البيوت من فئات عمرية متنوعة وإن كان الغالب عليها الأكبر سنا، بينما على السوشيال ميديا ستكون النسبة الأعظم من الجمهور هي فئة المراهقين والأكبر سنا، وهؤلاء يفضلون الأعمال التي تناقش قضاياهم ، ولهذا يمكن استغلال وجود المنصات الرقمية، بإنتاج أعمال بالفصحى تناسبها، فمعظم المسلسلات عليها تقدم على موسم أو أكثر من موسم مع عدد حلقات قليلة قد تكون أربع أو ست حلقات أحيانا، مع الاستعانة بوجوه شابة مثقفة وموهوبة حتى لا تضيع الميزانية على أجور كبار النجوم.