· د. ليلى عبدالوهاب: انعكاس لما يشهده المجتمع من سوء الأخلاق وقلة التربية
· د. رابعة عبدالناصر: المواجهة تبدأ بتفعيل الرقابة الذاتية والإبلاغ الفوري
· د. عبدالله عسكر: فلترة مواقع التواصل من كل ما يخدش الحياء
· د. جمال فرويز: استعادة الوعي بأصول التعاملات الإنسانية.. مسئولية جماعية
تحقيق: سمر عادل
ما بين فضح وتشهير وتصيد للأخطاء والهفوات، تحولت تكنولوجيا التواصل الاجتماعي إلى سلاح يشهره ضعاف النفوس ومعدومو الدين والضمير في وجه الآخرين، لتخرج وسائل التواصل الاجتماعي من القالب الذي ظهرت من أجله كأدوات لتحقيق التعارف والتقارب وتبادل الأفكار والخبرات وتصبح مرتعا لجرائم من نوع جديد.. جرائم أخلاقية سلوكية تنهش في الأعراض وتخوض ظلما في سير الأبرياء من أجل تحقيق مطامع شخصية أو مكاسب مادية أو ربما ينصب مرتكبوها أنفسهم رعاة للفضيلة والأخلاق فيتصيدون بعدساتهم أخطاء وزلات ينشرونها على العامة من أجل تحقيق أعلى المشاهدات!
جرائم الانترنت ظهرت مؤخرا بشكل جلي وتسببت في خسائر اجتماعية ونفسية لا حصر لها،وأبرز نموذجين لها هما بسنت خالد الفتاة البريئة التي فقدت حياتها بعد أن فشلت في التخلص من العار الذي ألصقه بها شابان مستهتران ظلما من أجل ابتزازها، ومعلمة المنصورة التي فقدت وظيفتها وتصدعت أسرتها على يد شخص غير مسئول انتهك خصوصيتها وصورها أثناء رقصها في رحلة ترفيهية دون علمها وشهر بها.
عقيدتي تناقش علماء النفس والاجتماع في أسباب انتشار جرائم الانترنت وسبل مواجهتها:
توضح د. ليلى عبد الوهاب أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة بنها، أن ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي يعد تعبيرا عن حالة المجتمع فعندما تكون الحالة الاجتماعية في الأسرة والشارع والمدرسة منضبطة ينعكس هذا الانضباط على وسائل التواصل الاجتماعي، أما حالة سوء الأخلاق والتربية وعدم الالتزام المتفشية حاليا فالأسرة مسئولة عنها، فأي شاب يحاول أن يشهر بفتاة أو أن يتحرش بها أو أن يصورها وينشر صورها بشكل غير قانوني، كل هذه الأشكال المنحرفة تعد تعبيرا عن حالة اجتماعية سلبية في الأسرة أو المجتمع فلا توجد تربية سليمة ولا توجيه صحيح للشباب فأصبحوا على درجة عالية من الاستهتار تجعلهم يتصرفون تصرفات لا أخلاقية.
ومن خلال متابعتي لشباب الجامعة ألاحظ أن كل جيل يأتي أسوأ ممن كان قبله فنحن أمام حالة من التسيب في تربية الأجيال ولابد من البحث عن طرق وآليات كي تعود الأسرة ضابطة لأبنائها في التربية خاصة أن السائد الآن هو عدم قبول معظم أولياء الأمور لمسألة تقويم أولادهم من قبل معلميهم.
لذلك ليس غريبا أن تنتحر فتاة ذات سبعة عشر ربيعا بسبب استهتار شابين غير مسئولين.
خط ساخن
وتطالب د. ليلى بضرورة رصد جرائم الانترنت وتتبعها لأن الأمر تعدى مرحلة السلوكيات الخاطئة المستهترة ووصل لحد الجرائم.
لابد أيضا من توفير خط ساخن لمساعدة أي فتاة تتعرض لمشكلة ابتزاز أو تحرش أو خطف حتى تشعر أن هناك من يسترد لها حقها عند تعرضها لمثل هذه النوعية من الجرائم، مع ضرورة تطبيق القوانين التي تعاقب مرتكبي هذه الجرائم لتحقيق الردع.
نمط حياة!
أما د. رابعة عبد الناصر مدرس علم النفس بجامعة الأزهر، فقالت: أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من نمط الحياة لدي معظم الأشخاص وخاصة الشباب حتي وصلت لجميع المراحل العمرية بداية من مرحلة الطفولة ، وتدخل في حياة الأشخاص من خلال ممرات أولها يحمل سمات إيجابية من خلال الفائدة التي تحملها وسائل التواصل مثل تبادل المعلومات ،والخبرات، والأخبار، والتنوير، والتثقيف، وتبادل الآراء، وتقريب المسافات بين الآخرين وجعل العالم قرية صغيرة للتواصل والتعرف على ثقافات مختلفة.
أما الممر الآخر السلبي فيتم استخدامه بشكل تقليدي دون إدراك أنه خطأ وعادة ما يستخدم الجانب السلبي الشخص المضطرب نفسيا ولديه سلوكيات غير مقبولة يطلقها علي المجتمع من خلال نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والتركيز على أخطاء الآخرين بصورة شرسة ، وهذه السلوكيات تعد من بين أسباب انفصال العديد من الأسر، كما أصبحت مادة دسمة للابتزاز ونشر فضائح الآخرين ، وللأسف ما يحدث الآن هو استخدام الممر السلبي دون وعي أو تفكير فتحولت وسائل التواصل إلى نقمة بعد أن تركنا الغرض الأساسي منها الذي يعم بالفائدة على المجتمع في جميع المجالات ، واتجه معظم الأشخاص إلي الجانب السلبي الذي يدمر حياة الآخرين ، ويشوه وسائل التواصل الاجتماعي.
أضافت د. رابعة: توجد عدة طرق لمواجهة الابتزاز الإلكتروني أبرزها:
تجنب نشر معلومات خاصة أو تتعلق بأسلوب الحياة علي وسائل التواصل مع عدم نشر الصور الخاصة بالمستخدمين، وعدم التحدث مع الآخرين دون معرفة جيدة.
من أهم طرق المواجهة أيضا توعية الأسرة و الأبناء وتثقيفهم حتي لا يتم تعرضهم للابتزاز.
نصحت د. رابعة، الأسرة بمراقبة الأبناء بصورة مستمرة مع تقديم النصائح لهم بتوخي الحذر عند التعامل مع الآخرين وعند اختيار الأصدقاء على مواقع التواصل والإسراع بإبلاغ الجهات المختصة عند التعرض للابتزاز وتشديد العقوبات على من يقوم بذلك مع نشر العقوبات و صور المبتزين على مواقع التواصل ليكونوا عبرة لغيرهم.
ولا ننس أن مواجهة الابتزاز الإلكتروني تنبع من الشخص نفسه من خلال عدم نشر ما يخصه بصورة تجعله فريسة وضحية لعملية الابتزاز .
وطالبت د. رابعة كل إنسان بتفعيل الرقابة الذاتية وهي مراقبة الفرد لنفسه وسلوكياته وأفعاله وأقواله ومدي ملاءمتها لمن حوله فيختار الأفعال الصحيحة ويتجنب الأفعال الخاطئة ، مع استخدام المنطق والعقلانية في التصرفات و الأخذ في الحسبان درجة قبول المجتمع أو رفضه لها ، ومراقبة الإنسان لنفسه وسلوكه والتحكم برغباته من خلال سيطرة العقل علي عواطفه.
ويمكن تفعيل مبدأ الرقابة الذاتية أيضا مع مرتكب الجرائم من خلال تطبيق القانون المشدد وفرض الغرامات المالية والكشف عن شخصيات مرتكبيها ، وهنا تظهر الرقابة الذاتية من خلال خوفهم من العقاب فيتحول سلوكهم الإجرامي تدريجيا إلي سلوك مراقب ذاتيا.
سوء استخدام
ويؤكد د. عبد الله عسكر رئيس قسم علم النفس بجامعة الزقازيق ونائب رئيس الجامعة سابقا، أن الابتزاز سلوك إجرامي قديم لكن الوسائل الآن تيسرت عما كانت في السابق، فقديما كان الأمر يقتصر على تقليد إمضاء أولعب بصور أو أفلام مونتاج، أما الآن فوسائل التواصل أصبحت أسرع انتشارا وأكثر توزيعا، لكن السلوك الإجرامي موجود ولن ينتهي.
أضاف أن المشكلة كلها تتلخص في سوء الاستخدام؛ فالاستخدام المتوازن الطبيعي لكل الأشياء والتطبيقات لا تنتج عنه أية مشاكل؛ فالعيب ليس في وسائل التواصل الاجتماعي بل بالعكس، فما تقدمه هذه الوسائل من خدمات للإنسانية يتجاوز الأضرار التي تنتج عن استخدامها بشكل خاطئ، ولتوضيح مسألة الاستخدام نضرب مثلا بالفأس فوظيفتها الأساسية هي الزراعة، لكن قد يستخدمها مجرم في القتل وكذلك السكين قد تستخدم في القتل رغم أن وظائفها الأساسية تقطيع الطعام، فالعبرة بالاتجاه الذي تستخدم فيه الوسيلة تبعا لطبيعة الشخص المستخدم سويا كان أو مضطربا.
أوضح د. عسكر أنه بمرور الوقت لن يعطي الناس اعتبارا لما يتم نشره من اتهامات على وسائل التواصل ولن يصدقوا ما يحدث خلالها من تزوير وتحريف وتشويه؛ لأن هذه الوسائل نفسها رفعت مستوى الوعي لدى الناس، وأتوقع في غضون عشر سنوات من الآن سيتحصن المجتمع من الانتهاكات التي تحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لفت د. عسكر، إلى أن الخوض في الأعراض مسألة موجودة في المجتمعات منذ قديم الأزل، وفي الأرياف مثلا من يقدم على فعل مشين أو مخالف للأعراف الاجتماعية تتم معاقبته بما يطلق عليه
” الزفة”، كما يطلق على من يقوم بإذاعة أخبار الناس وتفاصيل حياتهم “رويتر”.
أضاف أن النميمة ضرورة نفسية فالناس تعشق الفتن، مطالبا بضرورة التوصل إلى آلية تضمن وجود “فلتر” على كل ما يخدش الحياء على مواقع التواصل عبر الانترنت. وهذا أمر يسهل تحقيقه بالاتفاق مع شركات التواصل الاجتماعي نفسها لكنه مكلف.
مسخ ثقافي
ويشير د. جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إلى أن خصائص أي شعب تظهر من تعاملاته، ونحن لدينا مسخ ثقافي يحول كل أمر جيد إلى سيئ، فبدلامن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تبادل المنفعة والتعرف على أصدقاء جدد نستخدمها كي نسخر من بعض و “نحفل” على بعض فهناك رغبة جامحة في اصطياد الأخطاء وتصدير تصورات سلبية عن كل شىء.
لذلك نحن بحاجة إلى استعادة الوعي من خلال عدة مؤسسات: الإعلام، الثقافة، التربية والتعليم،الشباب والرياضة،الكنائس والمساجد، فنحن بحاجة إلى ثورة بكل المؤسسات لتعريف الناس كيف نتعامل معا بشكل إيجابي.