د. مجدي عاشور: خذوا بيد العاصي برفق.. حفاظا على كرامته
د. هاني تمام: كلنا عصاة ومذنبون.. والستر فضيلة غائبة
الشيخ محمود صالح: الإسلام كفل حماية الحياة الخاصة.. والابتزاز معصية كبرى
تحقيق: سمر عادل
عبَّر علماء الدين عن استيائهم من حالة الفوضى التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا والتي أصبح استخدامها لدى الكثيرين أبعد ما يكون عن القيم والأخلاقيات التي حثَّنا عليها الدين الإسلامي.
وحذر العلماء من انتهاك ستر الله على عباده ولو كانوا عصاة، مؤكدين أن تقويم المذنب يكون بالرفق واللين لا بالسب والشتم والتنمر والفضح عبر الشاشات والتقنيات.
في السطور التالية يوضح علماء الدين عقوبة الطعن في الأعراض وتشويه سمعة العباد كما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
يؤكد د. مختار مرزوق- أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط- أن تشويه سمعة الآخرين بالطعن في أعراضهم على مواقع التواصل بتركيب الصور المفبركة ونشر الفواحش من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر، هذا بخلاف برامج السخرية من الآخرين التي انتشرت أيضا تقليدا لأهل الغرب الذين لا يعتبرونها عيبا إلا أنها في الإسلام من الكبائر .
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن). الحجرات11.
أما عن الصور المفبركة فهذه كارثة أخلاقية ابتليت بها المجتمعات العربية ونقلها البعض عن المجتمعات الغربية ومشى على منهجهم الباطل أهل الباطل.
وقد جاء التحذير من كل ذلك في القرآن والسنة، قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون). النحل 105.
أشار د. مرزوق إلى أن الآية الكريمة وإن كانت في معرض الحديث عن ذمِّ افتراء الكذب على الله في أمور العقيدة لإضلال العباد إلا أنها تشمل بعموم لفظها كل افتراء للكذب على الناس بأي صورة من الصور .
وفي السنة المشرفة ورد في حديث طويل عند البخاري أن النبي رأى بعض أصحاب الكبائر وكيفية عذابهم.
وقد جاء في عذاب الذين يفترون الكذب ما يلي: (فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول).
وفي آخر الحديث بيَّن الملكَان للنبي أن هذا العذاب عذاب الرجل الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .
والمراد من ذلك العذاب الذي ينتظر الذين يفترون الأكاذيب على الناس بالصور المفبركة ونشر الشائعات المختلقة أن الله تعالى يقيض لهم بعد موتهم أو بعد بعثهم من القبور من يمسك حديدة مشرشرة ويمزق بها فم كل واحد منهم من الفم إلى القفا وكذلك يفعل بالأنف وبالعين .
ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيصنع مثل ذلك ثم يعود إلى الأول هكذا إلى ما لا يعلمه إلا الله وحده.
فليتق الله كل من يشوه سمعة الآخرين أو يضر بهم فهذا هو ما ينتظرهم من عذاب.
قبح المعصية
ويشدد د. مجدي عاشور- المستشار العلمي لمفتي الجمهورية- على أن المعصية قبيحة، ويتوب الله تعالى على من تاب منها، ولكن الأقبح الذي قد لا يُغْتَفَرهو عدم سترها مهما كانت .
والأشد قُبْحًا نَشْرُهَا وفَضْحُ أصحابها خاصةً ما تعلق منها بكرامة الإنسان والتي هي أغلى ما يملكه.لذلك فالذنب مهما عَظُمَ ينبغي ستره لنحافظ على الإنسان وعلى كرامته وأسرته .
لقد قال نبينا الإنسان صلى الله عليه وآله وسلم: “مَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الله في الدنيا والآخرة” وقال للذي جاء مع رَجُلٍ قد زنا: “هلَّا سترتَه بثوبك؟!”.
كل هذا من أجل حفظ الأسرة والمجتمع والإنسان، فتَعَمُّد نشرالمعصية قد يؤدي إلى ضررأكبر.
لذلك فلنأخذ بيد العاصي مع الرفق إلى الله فلأن ندخله إلى رحمة ربّه خير من أن نيَئِّسه من رحمة خالقه .
باب شر
أما د. هاني تمام- أستاذ مساعد الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر- فيؤكد أن الإسلام حثنا على الستر على خلق الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة” ومعنى هذا أنك إذا رأيت إنسانًا يفعل معصية أو أي شئ يعيبه ينبغي عليك أن تستره بدلًا من فضيحته.
واستشهد بواقعة ارتكاب ماعز الزنا، حيث أشار عليه رجل يسمى هزَّال أن يذهب لرسول الله ويعترف بذنبه، فلما ذهب ماعز واعترف، قال سيدنا رسول الله لهزال: يا هزال: لو سترته بردائك لكان خيرًا لك.
وقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره به، فأي عظمة وجمال في هذا الدين الحنيف وتعاليمه وأخلاقه السامية العالية التي ابتعدنا عنها.
أضاف د. تمام: كلنا مستورون بستر الله وكرمه علينا، ولو كشف الله الستر عنا لضاقت علينا الدنيا، وكلنا عصاة ومذنبون ومقصرون، الفرق بيننا وبين غيرنا أن الله كشف أمرهم وستر أمرنا وهذه من أعظم نعم الله علينا والحمد لله، فأحسنوا الظن بعباد الله والتمسوا الأعذار لهم واستروا عليهم وكفوا عن فضيحتهم، وكونوا باب خير للناس ولا تكونوا باب شر.
علق د. تمام، على فيديو رقص المعلّمة قائلا: حرام ومرفوض، فلا يجوز للمرأة أن ترقص أمام الناس وتكشف عن مفاتنها أمامهم، وللأسف الشديد هذه ظاهرة سلبية خطيرة منتشرة لبعض البنات والنساء، حيث أصبحن يفعلن هذا الفعل الحرام الفاضح دون حياء، وفي هذا مجاهرة لله بالمعاصي وهي من أخطر الذنوب فأي امرأة تفعل هذا فهي على خطر عظيم ينبغي تحذيرها ونرجو لها الهداية.
والأهم والأخطر في هذا الموضوع هو من صوَّر الفيديو ونشره وفضح هذه المرأة بدلًا من الستر عليها، والقرآن الكريم حذّرنا من ذلك وبيّن العذاب الأليم الذي ينتظر صاحب هذا الفعل فقال: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” النور 19.فإذا لم تفعل الفاحشة وكنت تكرهها ولكنك تحب إشاعتها في المجتمع بين الناس فهذا عقابك.
لا تحسسوا ولا تجسسوا
يوضح الشيخ محمود صالح- الإمام والخطيب والمدرس بوزارة الأوقاف- أن الإسلام حمى الحياة الخاصة وأعطى لها حرمة كبيرة وحذر من انتهاك الخصوصية ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى { وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} سورة الحجرات.
ولا شك أن الاستماع إلى حديث الناس أوتصويرهم بدون علمهم لا يجوز، وهو من التجسس المحرم، ولذلك لا يجوز الاستماع لأمر يكره غيرنا أن نستمع إليه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ). (أي صُب في أُذنيه الرصاص الأسود، ويُقاس على ذلك التصوير بدون علم، فالإسلام يحثنا على الستر وينهى عن تتبع الأخطاء والهفوات بغرض نشرها وبث الفضيحة قال النبى: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته.(
وقال رسول الله: (ولا تحسسوا ولا تجسسوا)
والتَّجسس: البحث عن العورات والسيئات، والسعي في كشف ستر الله عن عباده.
والتَّحسس: هو طلب معرفة الأخبار والأحوال الغائبة.
وكلاهما من الأمور المحرمة المنافية لمقاصد الشريعة الإسلامية المبنية على الستر على عباد الله.
ولذك فإن الإسلام نص على حقِّ الشخص في حرمة مسكنِه والعيش فيه آمنًا من تطفُّل الآخرين، والنهي عن اختلاس البصرِ واستراقِ السَّمعِ لبيوت الناس، وأماكنهم العامة وبالتالي فإنَّ حقَّ الإنسانِ في حماية حياته الخاصة ومعلوماته الشَّخصيَّة مكفولٌ في الإسلام.
وقد يكون الاعتداء على الحياة الخاصة بغرض الابتزاز، ويعني استخدام شخص الحرج الاجتماعي أو فكرة الفضيحة من أجل الضغط على شخص آخر؛ حتى يعمل عملًا غير صحيح أو لا يريد فعله باختياره أو ينافي الأخلاق أو القانون .
وحكم الابتزاز أنه معصية ذات إثم كبير، والله -سبحانه وتعالى- كرم الإنسان بالعقل والاختيار، وأي تهديد بسلب الإنسان لإرادته فهو حرام.
وهناك عقوبة قانونية لجريمة الابتزاز تصل للحبس، حيث نصت المادة 326 من قانون العقوبات، على أن كل من حصل بالتهديد على مبلغ من النقود أو أي شيء آخر يعاقب بالحبس، ويعاقب الشروع في ذلك بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين.
وختاما فإنه يجب على كل شخص أن يحتاط في حياته من آثار انتهاكُ الخصوصيَّةِ ، وعلى الجميع الحذر، بحيث يُقلِّلُ قدر الإمكان من آثارها السلبية عليه وعلى المجتمع من أجل ألَّا تكون حياتنا وسلوكياتنا وتفصيلاتنا مشاعًا بين الخلق وبأيدي شخصيات تحاول استغلالها أو التحكم فيها أو تغييرها بما يحقِّقُ مصالِحها هي بِغَضِّ النَّظرِ عن مصلحَتِنا وخصوصيتنا.