يتردد في الآونة الأخيرة أن بعض الدول الإسلامية اقترحت على تركيا إقامة جامعة على نظير جامعة الأزهر، وواضح أن أصحاب هذا الاقتراح يريدون أن يأخذوا من مصر إحدى أهم قواها الناعمة في الداخل والخارج، حيث إن الأزهر له دوره التعليمي والإنساني العظيم في مختلف دول العالم منذ نشأته، وأن علماءه يُستقبَلون في كثير من بلدان العالم استقبال الرؤساء والملوك والأمراء، وترى فيهم الشعوب الإسلامية حملة مشاعل الهداية والرحمة لأهل الأرض جميعا لأنهم يحملون على عاتقهم رسالة الإسلام الوسطى إلى كل الدنيا.
بالاضافة إلى أن الأزهر بتاريخه الطويل الممتد إلى أكثر من ألف وثلاثة وخمسين عاما ( تأسس عام ٩٧٠م) قام بأدوار مهمة في حياة المصريين سواء على المستوى العلمي والتنويري، أم على المستوى السياسي، فقد حافظ على تراث الأمة، كما أضاف إلى تراثها كثيرا من مؤلفات شيوخه في مختلف التخصصات ما نعده اليوم تراثا يضاف إلى تراث الأمة العريق.
كما كان دائما هو صاحب الريادة في مقاومة الحملات الاستعمارية على مصر ، والعالم العربي على مر تاريخه، منذ هجمات التتر، والمغول، والاحتلال الفرنسي .. الخ.
فهل يمكن لأي جامعة مهما توفر لها من إمكانات علمية ومادية أن تكون بديلا لجامعة الأزهر الشريف، وإذا استطاعوا في جامعتهم المزعومة أن ينهضوا من خلال الإمكانات العلمية ممثلة في الأساتذة والكتب – وأظن أنهم سيكونون من علماء الأزهر ، والمؤلفات ستكون – أيضا – على سياق مؤلفات الأزهر ، لأن الأزهر جامعا وجامعة ما تحققت سمعته ولا شهرته إلا بفضل هذين العنصرين – إذا استطاعوا أن يحققوا ذلك، فهل يستطيعون أن يصنعوا هذا التاريخ العريق لهذه المؤسسة؟!
أظن أن التاريخ لا يمكن شراؤه، ولا تزييفه، وسيبقى الأزهر بهذا التاريخ العظيم عصيا على كل من يحاولون سحب البساط من تحت قدميه.
وكم من دول تملك المال بلا حدود، حاولت أن تنشئ ما ينافس جامعة الأزهر وبخاصة في استقطاب طلاب العلم من الوافدين، ووفرت لهم وسائل الحياة من مطعم ومشرب وسكن وراتب شهري وتذاكر سفر، ومع ذلك لم تتمكن من أن تجلب إليها إلا أعدادا محدودة في الوقت الذي يتسابق فيه الوافدون إلى الالتحاق بالأزهر الشريف.
والرسالة التي يحملها إلينا هذا المقترح، إن الأزهر غصة في نفوس كثير كمن أرادوا أن يكسروا إراداته، ويطوعوه من أجل مصالحهم الذاتية، وأيدلوجياتهم الفاسدة، فلما لم يتمكنوا من ذلك فإنهم يسعون إلى صناعة بديل عنه، وهيهات هيهات أن يتحقق لهم ذلك.
كما أن الجزء المهم من هذه الرسالة موجه إلينا نحن المصريين بصفة عامة وأبناء الأزهر بصفة خاصة، وهي أن مصر بأزهرها عزيزة قوية وأن علينا جميعا أن نسعى إلى المحافظة عليه، وأن نخلص النية من أجل نهضته وتطوره، وأن على الأقزام ممن يتطاولون عليه وعلى علمائه من العلمانيين أن يبتلعوا ألسنتهم، ويكفوا عنه أذاهم؛ لأنهم بمحاولة هدم هذه المؤسسة، أو تقزيمها يقدمون خدمة عظيمة لأعداء الوطن لأنهم يُفقِدون مصر إحدى أهم قواها الناعمة.
العميد السابق لكليتي اللغة العربية والاعلام جامعة الازهر