التواجد الغربي في البحر الأحمر من بين أهدافه التأثير على قناة السويس
أرفض استيراد الياميش وفانوس رمضان في ظل الأزمة
الأسواق المصرية تأثرت بأزمة غزة
المصادر الدولارية الخمسة لمصر تأثرت.. والدولة تبذل جهدا كبيرا لعلاجها
حاوره – إيهاب نافع:
أكد د. محمد يونس- أستاذ الاقتصاد، والعميد السابق لكلية التجارة بنين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي- أن تدخل الدولة في مواجهة غلاء الأسعار ضرورة لا غنى عنها، وأن مواجهة تلاعب صغار التجار وكبار المزارعين بالسلع الغذائية والاستراتيجية ضرورة.
أضاف- في حوار شامل لـ “عقيدتي”-: أن المحتكر للسلع الغذائية ملعون وبعض الأحاديث قالت أنه في نار جهنم، وأن موارد الدولة الدولارية المتمثلة في قناة السويس والصادرات والاستثمارات والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج جميعها تأثرت في الفترة الأخيرة، وفرض الدولة لسلطة القانون مع التوسع في مواجهة الاحتكار وضبط الأسعار عبر تحديد همش ربح عادل للتاجر، والعمل على الترويج للسياحة بالشكل الأمثل وتيسير تحويل المصريين في الخارج للعملات الصعبة يجب أن يكون أولوية.. مشيرا إلى أن هناك دورا مهما ورئيسيا لرأس المال الاجتماعي، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني، وأن ما يحدث في غزة وتداعياته بالتأكيد تسبب بشكل كبير في الأزمة، فمصر أسهمت بشكل واضح بأكثر من 80% مما تم تقديمه من مساعدات لغزة وبالتأكيد سحب تلك الكميات الهائلة من الأسواق المصرية قلل من حجم المعروض من السلع وتسبب في ارتفاع الاسعار، كما أن التعامل مع حجم الدين الداخلي والخارجي ضرورة .
وفيما يلى نص الحوار.
*بداية كيف تقيمون أزمة غلاء الأسعار الحالية وما حقيقة أسبابها؟
**أزمة غلاء الأسعار الحالية هي واحدة من الأزمات الشرسة التي تواجه الدولة والمواطن المصري على السواء، وأسباب الأزمة الحالية يمكننا أن نلخصها في أمرين أساسيين، أمر متعلق بالدولة وسياساتها النقدية، وهي مسألة تحتاج إعادة نظر في كثير من الإجراءات بالشكل الذي يحقق صالح الوطن والمواطن، من خلال تقديم سياسات تيسر للمواطن البسيط تداول النقود بشكل عادل، حيث أن الطبيعي أن كل البنوك في مصر تخضع لسلطة البنك المركزي المسئول المباشر عن السياسات النقدية، وبالتالي كل بنك يودع لدى البنك المركزي في الظروف الطبيعية 20% من حجم النقود المتداولة لديه ولكنها تزيد في فترات التضخم في محاولة للسيطرة عليه، كما تطرح الدولة سندات وودائع وشهادات استثمار بفوائد عاليه تساعد على تقليل حجم النقود المتداولة والاستغناء عن ربط الأموال بالدولار لصالح تسييل العملات بالجنيه المصري والاستثمار فيها، لكن للأسف توجد أزمة فعليه حاليا والدول تسعى لحلها خاصة وأن توجد أزمة في توفير العملات الصعبة وخاصة الدولار، والذي تحتاجه الدولة لتمويل عمليات الاستيراد الضخمة في جانب كبير من حاجات السوق والمواطن.
تعامل الدولة
*وكيف يمكن للدولة التعامل مع أزمة الدولار برأيك؟
** يجب إجمالا تقليل حجم الاستيراد وزيادة حجم الصادرات، لكن يجب أن نتوقف أمام مصادر الدولار والعملات الصعبة الرئيسية الخمسة في مصر وهي عبارة عن قناة السويس، الصادرات، السياحة، تحويلات المصريين في الخارج، الاستثمار الأجنبي، وإجمالا جميع تلك الموارد الخمسة تعاني الآن من أزمات حقيقية، فقناة السويس للأسف الشديد حجم دخلها قل بنسبة تصل لـ 40% عن مواردها في الفترة ذاتها من العام الماضي، والسبب المعلوم للجميع هو ما يحدث من معركة مصطنعة في البحر الأحمر وتعمد الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا التأثير على قناة السويس كممر مائي دولي آمن، كجزء من أدوات الضغط على الدولة المصرية وتقويض مواردها الدولارية إلى جانب الأزمة الدولارية التي تعيشها من قبل تلك التوترات، ولذا فتعمدهم تطويق الأمن القومي المصري والتأثير عليها اقتصاديا ليس بمستبعد.
أما الصادرات المصرية فهي تحتاج لجهد كبير للعمل على زيادة حجم الصادرات ونشر ثقافة التصدير الدائم، وتقديم المنتج المطابق للمواصفات والذي تحتاجه الأسواق المفتوحة للمصريين وفتح أسواق جديدة، كذلك يجب العمل على تيسير عملية الاستثمار من خلال الحفاظ على الأسواق المستقرة ومصر قدمت مزايا استثمارية كبيرة للمستثمرين لكن الأزمة الأخيرة تسببت في تعثر بعض المشاريع الاستثمارية، وتبقى قضية السياحة في حاجة لمزيد من الحملات الدعائية، أما تحويلات المصريين في الخارج فتحتاج للحفاظ على توحيد سعر الصرف للدولار والعملات الأجنبية الأكثر تداولا بالشكل الذي يضيق الفارق بين السعر في البنك والسعر في السوق الموازي لأضيق الحدود وييسر للمصريين في الخارج تحويل أموالهم للبنوك مباشرة.
أزمة الدولار
*لكن بالفعل لا يوجد دولار في مصر أم أنه موجود لكن في إدخار خارج البنوك؟
** البلد توجد بها دولارات بحوزة المواطنين قد تصل لـ 40 مليار دولار، وهو ما جعل غالب هؤلاء يتجه لشراء الذهب للحفاظ على قيمة ثروته وبالتالي تسبب ذلك في ارتفاع أسعار الذهب أيضا بسبب زيادة الطلب عليه، وبالتالي لابد من امتصاص هذا الكم الهائل من النقد الأجنبي عبر اتباع سياسة تشجيعية، ليتم إيداع تلك الأموال الضخمة في الجهاز المصرفي، فنحقق ثلاثة أهداف مجتمعة امتصاص السيولة من السوق، ونزيد احتياطي النقد الأجنبي، وتقليل الحاجة للبيع للأصول أو الاقتراض من المؤسسات الدولية، وكذلك يتم تقليل الفجوة ما بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازيه.
وماذا عن رؤى زيادة الموارد وزيادة الصادرات؟
المطلوب البحث عن مصادر لتعظيم الموارد في الموازنة العامة للدولة، وبالتالي لابد من البحث عن حلول خارج الصندوق دون التوقف عند فرض الضرائب والجمارك وفقط، يجب ابتكار حلول جديدة، مع تحديث الصناعة المصرية وتخصيص وزراة كاملة للصناعات الصغيرة والمتوسطة لأنها تمثل عصب الاقتصاد الحقيقي، مع تعظيم قدرات السوق المصري على تلبية احتياجات الأسواق الأفريقية من الصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية والصناعات الدوائية، وحتى تصدير تجربة مصر في إعادة بناء الدولة وإقامة المدن الجديدة والبني التحتية والطرق، وكذلك تلبية احتياجات السوق الخليجي، والمجتمع الخليجي يحتاج الصناعات الغذائية ونجن متميزون فيها.
آليات الضبط
*لكن ما الآليات لدى الدولة لضبط الأسعار ومعالجة تلك المشكلات؟
** الدولة تحتاج لأن تعمل سلطة القانون في ضبط الأسعار بالشكل الذي يضمن للتاجر والصانع مكسبا وربحا عادلا دون خسارة وهامش ربح معقول لتبقى السلع بالسعر العادل، أما ترك المسألة للعرض والطلب تسبب في إفساد التجار للنظريات الاقتصادية والعمل بها، فجشع التجار اللامحدود تسبب في أزمات فعلية، ومكاسب هائلة ولذلك يجب أن تضرب الدولة بيد من حديد لمواجهة المحتكرين ومن سرقوا قوت الشعب ومن يستغلون الأزمات، فسلطة القانون تبقى ماثلة وضمانة فعلية للجميع .
المجتمع المدني
*وماذا عن دور مؤسسات المجتمع المدني كجمعيات محاربة الغلاء وكذلك دور المواطن ما الذي يجب عليه فعله؟
** المجتمع المدني يبقى عليه دور مهم في معاونة الفقراء عبر توظيف أموال الزكاة والصدقات وتقديم المؤن للمحتاجين بشكل يساعد الفقراء ومحدودي الدخل على مواجهة أعباء الحياة، واقتصاديا يبقى على أصحاب رؤوس الأموال دفع زكاة أموالهم ويجوز لهم التعجيل بها لمواجهة الأزمات والإكثار من الصدقات حتى يمكن مواجهة تلك الأزمة التي تسعى الدولة لمواجهتها بكل قوة.
وهنا نتوقف كثيرا عند دور الدولة في هذا الجانب خاصة وأن مشروع حياة كريمة يعد أحد أدوات مظلة الضمان الاجتماعي المهمة للغاية التي تكفلها الدولة لرعاية القرى المصرية وتطويرها عبر تقديم الدعم العيني والنقدي لمحدودى الدخل، وهو من المشروعات العظيمة التي قدمت رعاية وخدمة لكل المصريين ليحيوا بالفعل حياة كريمة تليق بهم وبمصر.
سبب التفاقم
*على الجانب الآخر نجد الاحتكار أحد أهم أسباب تفاقم الأزمات فيما يرتبط بارتفاع الأسعار.. فما الآليات الاقتصادية والدينية لمواجهة عمليات الاحتكار؟
** إن الاحتكار هو منع السلع عن الناس؛ عن طريق شراء السلع وتخزينها، فتقِلُّ بين الناس، فيرفع البائع من سعرها استغلالًا لقلَّتها، ويصيب الناس بسبب ذلك ضررُ عظيم، وهذا يمس أقوات الناس سواء مسلمين أو غير مسلمين فهذا حرام شرعا، وفي ذلك يقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم فإن حقًّا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة» ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ».
وهنا اتفق مع الرأي الشرعي الذي أقرته دار الإفتاء والأزهر الشريف من أن الاحتكار خيانة للوطن والمجتمع لأنه يُضعف الاقتصاد ويهدِّد الأمن وينشر الفساد؛ لذلك تبذل الدولة جهودًا كبيرة لمحاربة الاحتكار والاستغلال وتعزيز النزاهة والشفافية في البيع والشراء، ولهذا الاحتكار حرام شرعًا ومُجرَّم قانونًا؛ لمخالفته أمر الله ورسوله، وهو الإنصاف والعدل، وينتهك حقوق الناس والمال، لهذا تسعى الدولة في محاربة الاحتكار والاستغلال، ويجب أن نساند جهود الدولة في منع ومحاربة الاحتكار، فالتجار الذين يحتكرون السلع ويبيعونها بضعف السعر؛ ويُبرِّرون ذلك بأنهم يتَصدَّقون بالزيادة في السعر على الفقراء آثمون، وما يقومون به يُعدُّ أمرًا محظورًا شرعًا، سواء كان سيتبرع بجزء من الثمن أو لا، والله تعالى حَرُم الاحتكارُ لما يحمله من الإضرار بالناس الحاصل بالسيطرة على السلع التي يحتاجون إليها أوقات الأزمات؛ ولذا فهو من الكبائر؛ وذلك لأنَّ الإضرار بالغير الذي لا يُحْتَمل عادةً هو من الكبائر؛ فإذا انضاف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بأقوات الناس أوقات الأزمات؛ فهو أشد في الحُرْمة وأَغْلَظ في المنع.
نظرية الاستغناء
*لكن برأي معاليك هل مسألة أنه الاستغناء عن السلع غير الضرورية هنا يمكن أن يمنحنا قدرة أكبر على مواجهة الأزمة؟
** أمر مهم للغاية وهو الدراية بفقه الأولويات وتطبيقه عمليا لأن الأزمات توجب علينا العناية بالأولويات ولذا يجب أن تكون أولوية الشراء الآن لدى المواطن للسلع الضرورية، وكذلك بالنسبة للدولة يجب ترشيد الاستهلاك للمؤسسات الحكومية وهو ما تم بالفعل في قرارات الحكومة الأخيرة، كما يجب تطبيق ذلك في الأولويات الاستيرادية، فمن غير المعقول أن تكون مصر في تلك الأزمة الطاحنة ونسمع ونحن مقبولون على شهر رمضان المبارك أن استيراد ياميش وفانوس رمضان يستهلك 2 و3مليار دولار في الوقت الذي يجب أن تكون الأولوية للمنتجات المحلية.