تحقيق: حسام وهب الله
إذا كانت مصر تعانى من أزمة في العملات الصعبة، وزاد من قوة الأزمة، قيام بعض معدومي الضمير بالاتجار في العملات فيما يسمى بالسوق الموازية أو السوق السوداء، لدرجة إن بعضهم عبث في ملف تحويلات المصريين بالخارج، والتي كانت تضخ مبلغاً لا بأس به في إيرادات مصر من العملات الصعبة حيث لجأ هؤلاء إلى شراء مدخرات المصريين خارج مصر بمبالغ كبيرة ما أثَّر بالسلب على تلك التحويلات!
فرغم أن تداعيات الأزمة ظهرت بقوة في أيامنا الحالية إلا إن الحقيقة التي لا جدال فيها أن أزمة الدولار ليست وليدة اللحظة، ولكنها متراكمة منذ ثورة يناير 2011.
والسؤال: هل التعامل مع السوق السوداء في ملف تجارة العملة أمر يبيحه الشرع؟ استفسار مهم طرحناه على عدد من علماء الدين ورصدنا إجاباتهم في السطور التالية.
فضيلة د. شوقي علام، مفتي الجمهورية، كشف حكم احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى، وهل يدخل في الاحتكار المحرم، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية أن احتكار العملة الأجنبية يدخل في الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير؛ لأنه يضيّق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحِّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثّر سَلْبًا في الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين في المشقة والحرج.
ولفت المفتي النظر إلى أنه لا يجوز التعامل في النقد الأجنبي إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخّص لها في هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ«تجارة السوق السوداء» كسبٌ غير طيِّبٍ.
ونشرت دار الإفتاء على موقعها الإلكتروني فتوى لفتت فيها إنه ثبت أن الاحتكار محرَّمٌ، وأن حبس العملات -كالدولار واليورو- أوقات الاحتياج إليها فيه تضييقٌ على الناس، ويُلْحِق باقتصاد بلادهم ضررًا، كان حبسُها بهذه الكيفية ممنوعًا شرعًا، وفاعله مرتكبٌ لإثمٍ كبير، لاسيما وأنه لا يَضُر بفردٍ معيَّن، بل يضر باقتصاد الدولة واستقرارها ككل، وما أُنِيطَ بالمجموع خطرُه أعظم وأشد مما يُناطُ بالفرد.
وبناءً على ما سبق: فالتعامل مع الجهات غير المرخَّص لها في الاتجار بالعملة ممنوعٌ شرعًا، ومجرّمٌ قانونًا، والكسب الحاصل من هذا النوع من الاتجار بهذه الصفة كسبٌ غير طيِّبٍ؛ لاسيما وأن هذا النوع من الممارسات التجارية يضر باقتصاد الدول وعملتها وصناعتها وإنتاجها الوطني، ويضر أيضًا بحركة البيع والشراء في المجتمع، فإذا أضيف إلى ذلك تعمد حبس هذه العملات في أوقات الاحتياج إليها لتربُّص الغلاء زادت الحرمة والإثم.
احتكار واضح
الدكتور محمد الشحات الجندي– عضو مجمع البحوث الإسلامية، أستاذ الشريعة بجامعة حلوان- قال: من جانبه إن التعامل مع السوق الموازية أو السوداء يمثل حالة واضحة من حالات الاحتكار التي يرفضها الإسلام خاصة إن التعامل في هذه السوق القذرة يسبب ضرر مبالغ فيه في اقتصاد مصر لدرجة إنه يندرج تحت إطار الأعمال الإجرامية التي يجب أن تتصدى لها الدولة بكل ما أوتيت من قوة فهؤلاء يتاجرون بقوت الشعب ومن يتعامل مع تجار السوق السوداء في ملف الدولار بشكل خاص يضر عن عمد بالوطن كله لمصلحته الخاصة فردا كان او جماعة، فهو يتسبب بشكل مباشر في غلاء الأسعار ويضيق على الناس معاشهم ويدفعهم إلى اليأس، وهنا يأتي دور الدولة والقانون وفقاً لما ورد عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان، ويروى عن عمر أيضاً رضي الله عنهما: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، وهذا يعني بالعقوبة، موضحاً أنه لا يكفي اليوم أن نقول هذا حرام، ولكن يتم ذلك في اطار حزمة من القوانين أو التصرفات التي تقوم بها الحكومة وتقصد بها توجيه رسالة قوية إلى الجميع، موضحاًأننا في حالة حرب وللحرب مقتضياتها، فيجب قطع الطريق علي كل المحاولات التي تستهدف تدميرالوطن اوتخريبه، من خلال الردع بالعقوبة.
أضاف د. الجندي: إن من يتاجر في العملة في غير المصارف الشرعية التي حددتها الدولة، آثم شرعا وملعون وفقاً لحديث النبي “كل محتكر ملعون”، ومال كل من يتاجر في الدولار وغيره من العملات التي تحتاجها الدولة لتقوية اقتصادها حرام، وكل من خزن الدولار أو يضارب به في تلك الصعوبة الصعبة التي يعيشها المجتمع المصري يفقد أموال المحتكرين بركتها بل ينعكس على الأسعار وبالتالي تنعكس على المحتكر ذاته.
آثمون
أما الشيخ عبدالنبي ابراهيم– من علماء الأوقاف- فيقول: إن الفقهاء اتفقوا على أن الأصل في البيع والشراء الحل قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} {البقرة:275}، وذلك في العملات وفي غيرها، ولكن في بيع العملات- الصرف- يُشترَط التقابض في المجلس لما ورد في صحيح البخاري عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ: أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا المِنْهَالِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: ” إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ»، وفي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد”.
استطرد الشيخ ابراهيم: الدولة طالما لم تسمح بالتجارة في العملات خارج المصارف الرسمية فإن كل من يلجأ للسوق الموازية آثم ويدخل تحت بند المحرم شرعاً ويكون مثل أعداء الوطن الذين يهدمون فيه بكل الصور، ويجب أن يعي كل إنسان مسلم عاقل أن الرزق والمكسب ليس بالكم ولكن هي بالبركة التي قد يراها الإنسان في ولده أو زوجته أو بيته، وعلى الناس الابتعاد عن التعامل مع تجار السوق السوداء.