الرئيس “جول” محب لمصر وأزهرها
رفع العلاقات بين البلدين للمستوى الاستراتيجي يعود بالنفع على البلدين
حاوره – إيهاب نافع:
أكد د. محمود العدل، أستاذ الدراسات التركية بجامعة الزقازيق، والمحاضر بكلية الدفاع الوطنى باكاديمية ناصر العسكرية، ورئيس وحدة الدراسات التركية بمركز الدراسات الاستراتيجية وتنمية القيم الوطنية، على تفاؤله بمستقبل العلاقات المصرية التركية بعد نجاح زيارة أردوغان لمصر وحفاوة الاستقبال من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي والسيدة حرمه، وهو تفاؤل سيكتمل بالزيارة المقبلة للرئيس السيسى لتركيا نهاية أبريل أو بداية مايو المقبل لعقد اول اجتماع لمجلس العلاقات الاستراتيجية برئاسة رؤساء البلدين وتوقيع عدد مهم من الاتفاقيات المستقبلية لخدمة البلدين .
كشف د. العدل- في حواره- عن القصة الكاملة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والوالدة باشا، مسجد ومقام الإمام الشافعي والتي تأجلت 12 عاماً كاملة، مشيرا إلى أن ما يربط مصر والأتراك من قواسم تاريخية كبيرة ممتدة لأكثر من ألف عام هى من ساعدت فى إنهاء القطيعة السياسية ومراجعة تركيا لسياستها ضد الدولة المصرية، فكان اول تصريح للبدء فى مرحلة عودة العلاقات على لسان وزير الدفاع التركى السابق (خلوصى أكار) عام 2019 بأن القواسم التاريخية بين مصر وتركيا تفرض مواجهة اى تحديات .
أضاف: القوى الناعمة التركية اكتسبت مكانة كبيرة فى العالم العربى وفى مصر بشكل خاص لأن مصر هى قلب العالم العربى ويمكن توظيف القوى الناعمة فى المستقبل كأحد أدوات التعاون المشترك بين البلدين خصوصاً اذا تم وضع عوامل التقارب والنماذج التاريخية المشتركة بين البلدين والذى سينعكس بأثر كبير على قوة العلاقات فى المستقبل.
*بداية كيف ترون أهمية التقارب المصرى التركى الذى جرى تتويجة بزيارة الرئيس اردوغان لمصر؟
** طوت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة فى الرابع عشر من فبراير الماضي صفحة الخلافات والقطيعة السياسية والتى بدأت قبل عشر سنوات، وتكمن أهمية الزيارة فى أن الرئيس أردوغان هو من بادر بالخلاف والتلاسن مع مصر ورئيسها، وهو من عاد فى موقفة وقدر مكانة مصر ورئيسها ليبادر بالزيارة وطى صفحة الخلافات بين البلدين .
المصالحة الكاملة
*إلى أى مدى يمكن البناء على صدق نوايا اردوغان فى المصالحة الكاملة؟
** يجب أن نثق فى أنفسنا قبل أن نثق فى الآخرين، وأن نحدد نحن ما نريده من تركيا قبل أن نقول ماذا تريد تركيا من مصر، ولكن بالنسبة لمسألة المصالحة الكاملة فمن الآن أقول: لن تكون هناك مصالحة كاملة بين تركيا ومصر لان السياسة التركية الحالية لا تبحث عن توافق كامل مع أى دولة ولا توجد دولة فى العالم تتوافق تركيا معها فى جميع المصالح، وأتحدث هنا عن الدول الكبرى والدول الإقليمية الكبرى مثل مصر وإيران فى منطقة الشرق الأوسط .
الإمام الشافعي
*من النقاط اللافتة فى زيارة اردوغان لمصر زيارة مسجد الامام الشافعى – ما الدلالة ؟
** دلالة زيارة أردوعان لضريح إمامنا الشافعي ترجع إلى القيمة الكبيرة لمولانا الإمام الشافعي أحد أئمة الفقه السني الكبار، كما أن زيارة العتبات المقدسة فى القاهرة هو تقليد عثمانى قديم منذ دخول السلطان سليم الأول للقاهرة فضلا عن وجود مقابر العائلة الملكية أو مقابر أسرة محمد على باشا، أو كما يطلق عليها حوش الباشا فى مقابر الإمام الشافعي، وهي تضم مجموعة من المدافن تعود للأسرة الملكية العلوية بجوار مسجد الإمام الشافعي، ويعود تاريخ إنشاء مقابر “حوش الباشا”، إلى عام 1816 حيث بناها الوالى محمد على باشا، ولكنه لم يدفن بها حيث دفن بجامعه الشهير فى قلعة صلاح الدين.. ومدفون بالمقابر بعض ولاة مصر مثل إبراهيم باشا وعباس حلمي الأول وغيرهم، كما أن من دلالات الزيارة أيضا إبراز الأهمية الدينية والسياسية والتاريخية للمنطقة فى العلاقات التاريخية بين مصر وتركيا فبالنسبة لتاريخنا المشترك، فأسرة محمد علي وفترة حكمهم لمصر جزء مهم وصاحب أثر كبير فى الدولة المصرية الحديثة، كما أن هذه الزيارة كان مرتباً لها منذ عام ٢٠١٢، وكان وقتها قد أبدت مؤسسة (تيكا) التركية رغبتها في ترميم مسجد وضريح الإمام الشافعي والجامع الأزهر في إطار التعاون المشترك والحفاظ على الإثار والقواسم التاريخية المشتركة بين البلدين.
“جول” محب لمصر
*أعقبت زيارة اردوغان زيارة مهمة للرئيس السابق لتركيا عبدالله جول للجامع الازهر.. ما المؤشرات على ذلك؟
** الرئيس جول أحد الأتراك المحبين لمصر وللقاهرة ولازهرها ومكانتها العلمية والثقافية بشكل كبير، كما أذكر له وأحييه وأشكره الأن على موقفة الشجاع فى بداية سنوات الأزمة والقطيعة عندما نصح رئيس الوزراء اردوغان ووزير خارجيته داود اوغلوا بعدما تصعيد الخطاب مع مصر لان (مصر وتركيا مثل شطرى التفاحة لا يجب أن يفترقا عن بعضهم أبدا) وعلى الرغم من هذا الموقف الشجاع والكلمات المؤثرة التى قالها فى وقتها إلا أنه لم يستمع اليه أحد فى وقتها لانه كان رئيس شرفى لتركيا فى وقتها وفى تقديرى أن لو كان الرئيس عبدالله جول فى منصب تنفيذى آخر غير ذلك لما كانت القطيعة السياسية وصلت إلى تلك السنوات العشر حيث أنها هى القطيعة الأكبر والاطول زمناً فى تاريخ العلاقات بين البلدين حيث سبق تلك القطيعة مرات عديدة من الخلافات السياسية والمقطاعات السياسية بين البلدين .
علاقات استراتيجية
– ما الذى تعنية رفع العلاقات للمستوى الإستراتيجى؟
** المستوى الاستراتيجى هو المستوى الأعلى فى العلاقات الدولية وتعد هذه هى المرة الأولى لرفع العلاقات المصرية التركية لمستوى العلاقات الإستراتيجية فقد كانت هناك محاولات فى زمن حكم الاخوان لرفع العلاقات للمستوى الإستراتيجى ولكن لم تكتمل.
سيخلق التعاون الإستراتيجى قنوات تواصل لصناعة أفكار مشتركة يمكن البناء عليها فى التعاون بين البلدين كما ستعمل اللجان الإستشارية للمجلس الإستراتيجى والتى ستبدأعملها قريباً لوضع الأطر الرئيسية للإتفاقيات القادمة، والتى سيتم توقيعها خلال الزيارة الرئاسية المقبلة لتركيا .
الإخوان والتسوية
*أين الإخوان من تسويات ما قبل عودة العلاقات؟
** جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من تاريخ علاقاتها مع الأتراك لسنوات عديدة خصوصاً على المستوى الإقتصادى والتجارى لم تستطع فهم سياسة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم، لأن أردوغان شخصية براجماتية فى المقام الأول ولقد إستطاع اردوغان تعريف البراجماتية بشكل مختلف فى العلوم السياسية، كما استطاعت تركيا قبل مائة عام من الآن تعريف العلمانية بشكل مختلف عن جميع دول العالم، حتى عن الدولة التى صنعت اول تعريف للعلمانية وهى فرنسا، إذاً تجد الآن تعريف للبراجماتية والعلمانية فى جميع نصوص وتعريفات العلوم السياسية ولكن عندما تتخصص وتتعمق فى الشأن التركى تجد تعريف أخر للبراجماتية والعلمانية فى تركيا، وهو الامر الواضح لأى متخصص فى الشأن التركى .
وجماعة الإخوان إحدى الأدوات التى استخدمها أردوغان فى تحقيق أهدافه لفترة زمنية معينة ثم جاء وقت طي تلك الصفحة من أجل هدف أكبر وأهم وهو عودة العلاقات مع مصر، وستعمل الجماعة على الإبقاء على قنوات التواصل مع اردوغان من خلال بعض المستشارين له، ولكن لن يكون لذلك تأثير يذكر فى مستقبل العلاقات بين مصر وتركيا، وهذا حال الجماعات دائما لأن الدول هى الباقيه والجماعات إلى زوال .
الروابط التاريخية والقوى الناعمة
– وكيف يمكن توظيف الروابط التاريخية وإمتدادات القوى الناعمة بين البلدين الكبيرين؟
** التاريخ دائما هو شعاع النور الذى يأتى من الماضى لينير الحاضر والمستقبل، وما يربط مصر والأتراك من قواسم تاريخية كبيرة ممتدة لاكثر من الف عام هى من ساعدت فى انهاء القطيعة السياسية ومراجعة تركيا لسياستها ضد الدولة المصرية، فكان اول تصريح للبدء فى مرحلة عودة العلاقات على لسان وزير الدفاع التركى السابق (خلوصى أكار) عام 2019 بأن القواسم التاريخية بين مصر وتركيا تفرض مواجهة أي تحديات .
وهنا دلالة مهمة بأن الأتراك يدركوا مكمن قوة العلاقات التاريخية بين البلدين ويدركوا مكانة مصر وأهميتها فى التاريخ العثمانى حيث ظلت مصر وخزانتها المالية اهم رافد لخزينة السلطان العثمانى حيث قسم السلطان سليم الاول فى بداية حكم مصر خزانة الدولة المصرية الى ثلاث اقسام القسم الاول وهو خاص بموكب الصره وخدمة الحجاج واعمار مكة والمدينة والقسم الثانى لخزانة السلطان والقسم الثالث لمعسكرات الإنكشارية .
وأريد التاكيد هنا على نقطة مهمة خاصة بكسوة الكعبة وموكب الصره وخدمة الحجيج حيث أن العثمانين لم يكونوا اول من بدء هذا الامر فى مصر لان الدولة المصرية منذ زمن شجرة الدر وهى ترسل كل عام كسوة الكعبة وترسل الاموال اللازمة لخدمة الحجاج ولكن الامر الذى يحمد للعثمانين هو إعادة تنظيم هذا الموكب .
القوى الناعمة التركية اكتسبت مكانة كبيرة فى العالم العربى وفى مصر بشكل خاص لان مصر هى قلب العالم العربى ويمكن توظيف القوى الناعمة فى المستقبل كأحد أدوات التعاون المشترك بين البلدين خصوصاً اذا تم وضع عوامل التقارب والنماذج التاريخية المشتركة بين البلدين والذى سينعكس بأثر كبير على قوة العلاقات فى المستقبل
متفائل
*هل أنت متفائل بمستقبل العلاقات بين البلدين؟
** فى الحقيقة أن التفاؤل بدء منذ وصول طائرة الرئيس اردوغان إلى مطار القاهرة وبإستقبال الرئيس السيسى فى المطار بنفسة كما أن الإنطباع الذى تركة الرئيس السيسي والسيدة إنتصار السيسى لدى الرئيس اردوغان والسيدة امينة اردوغان يجعلنى متفائل بشكل كبير لنجاح الزيارة وبدء مرحلة جديدة من مستقبل العلاقات المصرية التركية وذلك لإرادة رؤساء البلدين فى ذلك
كما سيكتمل التفاؤل بالزيارة المقبلة للرئيس السيسى لتركيا فى نهاية ابريل او بداية مايو المقبل لعقد اول اجتماع لمجلس العلاقات الإستراتيجية برئاسة رؤساء البلدين و توقيع عدد مهم من الإتفاقيات المستقبلية لخدمة البلدين .