المفتي: شهداء مصر تركوا بصماتهم البارزة كرموز للتضحية والفداء النبيل
الغفير: الموت في معارك الأوطان أعلى مراتب الشهادة
الحديدي: الشهداء في أرقى منازل الجنان
الخطيب: هذه خصال الشهداء وحقيقة مكانتهم
كتب- إيهاب نافع
تحتفل مصر بـ”يوم الشهيد” الذي يوافق 9 مارس من كل عام في ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أثناء حرب الاستنزاف؛ تكريمًا له وفخرًا ببطولاته التي جسَّدت أسمى معاني التضحية والفداء التي كانت –وستظل- مبعث فخر واعتزاز للقوات المسلحة المصرية على مر التاريخ والعصور.
والشهادة فضل عظيم في الفداء والتضحية في الإسلام لما تقتضيه من أسمى آيات التفاني من أجل بناء الأوطان، ولذا كانت مكانة الشهداء في الإسلام عظيمة كريمة، ومحشرهم مع النبيين والصدّيقين والصالحين، وتبقى دماء الشهداء الذكية حاضرة عطرة تسمو بأصحابها أحياء عند ربّهم يرزقون، ويشفع الشهيد في أهل بيته.
ومع تعظيم الإسلام لمكانة الشهداء حث المسلمين عليها ودعاهم للإقبال على هذا الفعل العظيم الذي لا يقدم عليها إلا المؤمن صادق الإيمان، قوي اليقين، كما عدد رسولنا الكريم أنواع الشهادة ووعد من أقدم عليها بالثواب العظيم والمكانة الرفيعة في الدنيا والآخرة.
أكد علماء الأمة أن موت الشهيد ليس حياة له وحده فقط، بل حياة للأمة من بعده بما بذلوا أثمن ما يملكون وهي أرواحهم لنصرة هذه الأمة ورفعة الإسلام، وسطروا صفحات التاريخ بمداد من ذهب.
وفي ذلك يقول فضيلة د. شوقي علام- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم-: إن شهداءنا الأبرار على مر السنين تركوا بصماتهم البارزة كرموز للتضحية والفداء النبيل، حيث تظل قصصهم وتضحياتهم مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة، مؤكدًا أن تضحيات الشهداء تعبر عن قمة الوفاء والإخلاص لله والوطن، فهم قدَّموا أرواحهم فداءً لقِيَمهم ومبادئهم، ودفاعًا عن تراب الوطن وشعبه ومقدراته؛ مما جعلهم مصدر فخر واعتزاز لوطنهم وأمَّتهم.
أضاف المفتي بمناسبة “يوم الشهيد”: إنَّ الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا في أكثر من موضع من كتابه الكريم عن فضل الشهداء وتقديره لهم: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.. مشيرا إلى أنَّ النبي بيَّن لنا فضل الشهادة وما ينتظر الشهيد في الآخرة، فقال عن شهداء أُحد: «لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خُضر تَرِد أنهارَ الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: مَن يبلِّغ إخواننا عنَّا أنَّا أحياء في الجنة نُرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم». قال: فأنزل الله: {ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله} إلى آخر الآية.
وتوجَّه المفتي إلى أبطال قواتنا المسلحة والشرطة بخالص الشكر والتقدير لما يبذلونه من تضحيات كبيرة من أجل حماية البلاد والعباد، وحفظ استقرار الوطن وسلامة أراضيه.. متوجَّها بالدعاء إلى الله أن يُنزل شهداءنا منازل الأبرار وأن يجعلهم في علّيين ويسكنهم الفردوس الأعلى، وأن يحفظ مصرنا الحبيبة وشعبها الأبيَّ بحفظه الجميل، وأن يُديم الله علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار.
شهداء الدنيا والآخرة
من جهته أشار د. ربيع جمعة الغفير، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الموت في معارك الدفاع عن الأوطان أعلى مراتب الشهادة، وان الشهداء يكونون على ثلاثة أقسام، وهم شهيد الدنيا والآخرة وشهيد الدنيا وشهيد الآخرة، وشهيد الدُّنيا والآخرة: الَّذي يُقْتَل في المعركة والدفاع عن الأوطان، وهو المقصود من قول النبي: «مَنْ قاتلَ لِتَكُونَ كلِمةُ اللهِ هيَ الْعُليا فهوَ في سبيلِ اللهِ» متفقٌ عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وتسمى هذه الشهادة بالشهادة الحقيقية.
أوضح أن شهيد الدُّنيا: وهو مَن قُتِلَ كذلك، ولكنه قُتِلَ مُدْبِرًا، أو قاتل رياءً وسُمعةً، ونحو ذلك؛ فهو شهيد في الظاهر وفي أحكام الدنيا، أما شهيد الآخرة: وهو مَن له مرتبة الشهادة وأجر الشهيد في الآخرة، لكنه لا تجري عليه أحكام الشهيد من النوع الأول في الدنيا مِن تغسيله وتكفينه والصلاة عليه؛ وذلك كالميِّت بداء البطن، أو بالطَّاعون، أو بالغرق، أو الهدم، ونحو ذلك، وهذه تُسمَّى بالشهادة الحُكْمية.
واستشهد في ذلك بحديث عن أبي هريرة، رضي الله عنه، مرفوعًا إلى النبي أنه قال: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطعُونُ، والمَبطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدمِ، والشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ» أخرجه الشيخان، وعَنْ جابر بْنِ عَتِيكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ لَمَّا مَاتَ قَالَتْ ابْنَتُهُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا، أَمَا إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ قَضَيْتَ جِهَازَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟» قَالُوا: قَتْلٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» أخرجه الأئمة: مالك في “الموطأ”، وأحمد في “المسند”، وأبو داود في “السنن”، وابن حبان في “الصحيح”، والطبراني في “المعجم الكبير”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، والحاكم في “المستدرك” وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه”،وكذا تحدث النبي عن مكانة الشهيد في الإسلام، وذلك بقول الله: «والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه ينثَعِبُ دمًا اللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ».
خصال الشهيد
فيما أكد د. أسامة الحديدي، مدير مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن للشهيد خصالا عند ربّه أخصّها أنه يُغفر له من أول دفعة ويرى مقعده من الجنة، ويُشفَّع في سبعين إنسانا من أقاربه، ويُجار من عذاب القبر، ويزوَّج من الحور العين، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُحَلَّى حُلَّةَ الإيمان، ويرفع الله سبحانه وتعالى الشهيد بمنزلة فضلى ويعتبره الله من خير الناس منزلة، وتفوح من دمه رائحة المسك ويحلّيه الله من حلية الإيمان.
أضاف: يجعل الله روح الشهيد تطوف في ظل عرشه في جوف طير أخضر يرتاد أنهار الجنة، ويحظى بشرف دخول الجنة مع الأولين، ويخاطبه الله دون حجاب، ويأمنه الله من الفزع الأكبر والصعقة، ويتوجه الله بتاج الوقار، وكل ياقوتة من هذا التاج مرصع بها خير من كل ما في الدنيا.
وقال وقد بشَّر الله الشهداء في القرآن الكريم بأربع بشريات بقوله: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}، فالبشرى الأولى أن تقبل أعمالهم ولن يحبطها، والثانية أنه سبحانه سيهديهم إلى طريق الجنة والأعمال الموصلة إليها ومنها الجهاد في سبيله، والثالثة أنه سيصلح بالهم ويصفّيه من الكدر والهموم لأن الله يطمئن قلبه، والبشرى الرابعة فإنه سيدخلهم الجنة”.
أحكام الشهيد
من جانبه قال فضيلة الشيخ زكريا الخطيب، وكيل وزارة الأوقاف سابقا، إن موت الشهيد ليس حياة له وحده فقط، بل حياة للأمة من بعده، كيف لا وقد بذلوا أثمن ما يملكون وهي أرواحهم لنصرة هذه الأمة ورفعة الإسلام، وسطروا صفحات التاريخ بمداد من ذهب، حتى كان يقول أبو بكر -رضي الله- عنه لمسيلمة الكذاب جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة، ولذلك فإن منزلة الشهيد في الإسلام منزلة عظيمة أعد الله لأصحابها الأجر العظيم في الآخرة، وميّزهم بعدد من الأحكام في الدنيا، ومنها: ان الشهيد لا يُغسل، وهو رأي جمهور العلماء، وثمة الكثير من الأدلة على ذلك ومنها ما رواه ابن عباس عن رسول الله أنه أمر بقتلى أُحُد أن يُنزع عنهم الحديد والجلود، ويدفنوا بدمائهم وثيابهم.
أضاف: الشهيد لا يُكفَّن إذ يجب دفن الشهيد بثيابه التي قُتل فيها، ولا يجوز أن يُجرّد منها، لما روي عن رسول الله أنه قال يوم أحد: «زمِّلوهم في ثيابهم»، وإنما يُستحب تكفينه بثوب واحد فوق ثيابه كما فعل النبي مع حمزة بن عبدالمطلب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما، وتصح الصلاة على الشهيد، أو عدم الصلاة عليه، لأن رسول الله صلّى على جماعةٍ من الشهداء، وترك الصلاة على جماعةٍ أخرى، وعن أبي هريرة: قالَ رَسُولُ اللَّه: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهَدْمِ، والشهيد في سبيل الله». وفي رواية «ما تَعُدُّونَ الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل» قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد».