د. علي مطاوع: للشهيد منزلة عظيمة عند الله تعالى..وهو رفيق الأنبياء والصالحين
د. حسن القصبي: التضحية بالنفس لإعلاء كلمة الله.. ثواب عظيم واعلى درجات الجنة
أدار الندوة: جمال سالم
تابعها: محمد الساعاتي
تصوير: أحمد ناجح
أكد العلماء المشاركون فى ندوة” يوم الشهيد وتاريخ الشهداء العظام” التي نظمتها عقيدتي بالتعاون مع وزارة الأوقاف، برعاية د. مختار جمعة، وزير الأوقاف، بمسجد الشفاء- سراي القبة بالقاهرة، أن الشهداء هم اكرم الناس على الله بعد الأنبياء، لأنهم ضحوا بأنفسهم لإعلاء كلمة الله.. وأوضحوا أهمية تهيئة الروح والجسد لاستقبال رمضان؛ باستصحاب وفعل العبادات والطاعات من صيام وقيام وقراءة قرآن، وصلة أرحام، وبذل وعطاء وجود وسخاء..الخ.
أشاروا إلى ضرورة الوقوف والتعرف على فضائل الشهادة والعبادات وخاصة الصلاة والصيام..حضر الندوة الشيخ محمود إمام، وعدد كبير من رواد المسجد.
أكد الزميل جمال سالم، مدير تحريرعقيدتي، أن الشهادة في سبيل أعظم عمل يمكن أن يقوم به أي انسان يضحي بأغلى ما يملكه مخلص في نيته، وبالتالي فإن لفظ شهيد لا يطلق اعتباطا وعشوائيا حتى أن البعض أطلقه على البلطجية الذين يقتلون وهم يعيثون في الأرض فسادا، فالشهادة وسام عظيم من الله لمن قاتل لإعلاء كلمة الله ودفاعا عن الأمة،أو عن نفسه وعرضه وأرضه وماله، ومن رحمة الله وكرمه أن تعدد مراتب ودرجات الشهداء، فقال رسول الله :”ما تعدون الشهيد فيكم، قالوا:يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد” حصر العلماء أكثر من عشرين فئة تدخل في الشهداء بناء على ما جاء في الأحاديث النبوية.
مكانة عظيمة
أكد د. علي عبدالوهاب مطاوع، رئيس قسم البلاغة والأدب بكلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة- جامعة الأزهر، أن حرص الدولة والشعب المصرى على إحياء ذكرى “يوم الشهيد” الذى يواكب ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في 9 مارس سنويا يعد تجسيدا حيا للوفاء حتى يبقى الأثر والتذكير بسيرة الشهداء وتضحياتهم، ليكونوا نماذج تحتذي للأجيال، وخاصة الشباب الذين يمثلون عماد الأمة في مستقبل أفضل، فالشهداء هم من خيرة خلق الله في الدنيا والآخرة، ولمن لا يعرف فقد ولد الشهيد عبدالمنعم رياض 22 أكتوبر 1919 في منطقة “سبرباى” طنطا، ويلاحظ العظمة من تاريخ ميلاده فكان 1919 عام الثورة العظيمة التي تجسدت فيها الوحدة الوطنية بقيادة الزعيم سعد زغلول، أما أكتوبر فهو شهر النصر العظيم على الصهاينة وقهر الجيش الإسرائيلي الذي زعم أنه لا يقهر، ويعتبر واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث شارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 و1942، وشارك في حرب فلسطين 1948، والعدوان الثلاثي 1956، وحرب 1967 واستشهد في حرب الاستنزاف بعد أن كبد الصهاينة خسائر فادحة وحرص على قتالهم من مكان قريب جدا لا يتعدى 250 مترا مفضلا أن يكون على الجبهة وليس من غرقة العمليات ،حتى كتب الله له الشهادة،وقد أبكى قادة الصهاينة بعملياته البطولية، وقام الرئيس جمال عبدالناصر بتكريمه بمنحه رتبة فريق أول ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية أرفع وسام عسكري في مصر، وتحول 9 مارس إلى يوم الشهيد، وكانت كثير من الأسر المصرية ومنهم أسرتي تعلق صورة البطل عبدالمنعم رياض اعتزازا ببطولته.
وأوضح أن للشهيد منزلة عظيمة عند الله بمجرد نيله شرف الشهادة فقال:” وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ” وقال:”وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” ويلاحظ أن يرزقون فعل مضارع ليؤكد استمرارية الرزق من الله ذى القوة المتين، وهذا الرزق العظيم رصدت لنا بعض الأحاديث جزء منه فقال رسول الله:” لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ”. ومن كرامات الشهيد أيضا قوله:” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ”. ومن رحمة الله بالشهيد انه لا يعاني من آلام أصابته مثل الانسان العادي بل إن رحمة الله ورفقه وحبه له يظهر منذ اصابته فلا يشعر بألم اٌصابة أو سكرات الموت، فقال رسول الله:” ما يجدُ الشهيدُ مِن مسِّ القتلِ إلا كمَا يجدُ أحدُكُم مِن مسِّ القرصةِ” ، هذه هي كراماتُ الشهداءِ ومنازلُهُم عندَ ربِّهِم .
وأشار د. مطاوع أننا فى رمضان الكريم الذي يعد فرصة ذهبية لتحصيل الحسنات ومغفرة الذنوب فقال رسول الله :”يا أيُّها الناسُ قدْ أظَلَّكمْ شهرٌ عظيمٌ مبارَكٌ، شهرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، شهرٌ جعلَ اللهُ صِيامَهُ فرِيضةً، وقيامَ ليلِهِ تطوُّعًا، ومَنْ تَقربَ فيه بِخصلَةٍ، كان كَمَنْ أدَّى فرِيضةً فِيما سِواهُ، ومَنْ أدَّى فرِيضةً فيه كان كمنْ أدَّى سبعينَ فرِيضةً فِيما سِواهُ وهُوَ شهرُ الصَّبرِ والصَّبْرُ ثَوابُهُ الجنةُ وشهرُ الْمُواساةُ وشَهرٌ يُزادُ في رِزقِ المُؤمِنِ فيه، ومَنْ فَطَّرَ فيه صائِمًا كان مغفِرَةً لِذنوبِهِ، وعِتْقَ رقبَتِه من النارِ ، وكانَ لهُ مِثلُ أجرِهِ من غيرِ أنْ يَنقُصَ من أجرِهِ شيءٌ قالُوا : يا رسولَ اللهِ ليس كُلُّنا يَجِدُ ما يُفَطِّرُ الصائِمَ؟ فقال رسولُ اللهِ: يُعطِي اللهُ هذا الثَّوابَ مَنْ فطَّرَ صائِمًا على تَمْرةٍ، أو شَرْبةِ ماءٍ، أو مَذْقَةِ لَبنٍ، وهُوَ شَهرٌ أوَّلُهُ رحمةٌ، وأوْسَطُهُ مَغفرةٌ وآخِرُهُ عِتقٌ من النارِ، مَنء خَفَّفَ عن مملوكِهِ فيه غفرَ اللهُ لهُ، وأعتقَهُ من النارِ، فاسْتكثِرُوا فيه منْ أربعِ خصالٍ: خَصلَتينِ تُرضونَ بِهما ربَّكمْ وخصلَتينِ لا غِناءَ بِكمْ عنْها. فأمَّا الخصْلتانِ اللتانِ لا غِناءَ بِكمْ عنهُما فتَسألُونَ اللهَ الجنةَ، وتَعوذونَ بهِ منَ النارِ، ومَنْ سَقَى صائِمًا سقاهُ اللهُ من حَوْضِي شربةً لا يَظمأُ حتى يدخلَ الجنةَ”.
وأنهى د. مطاوع كلامه مؤكدا أنه إذا الله قد أكرم الشهيد بالثواب العظيم فإنه سبخانه لم يحرم الصائم من الثواب العظيم أيضا وقد صور رسول اللَّه فرحة الصائم بقوله:” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”. ويكفيه فخرا وفرخا أن الله اختص الجزاء للصائم وحده على صومه دون بقية العبادات فقد سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا تَقُولُ فِيمَا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ:” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”. فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمُها، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا الصَّوْمُ، فَيَتَحَمَّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ”.
التضحية الكبرى
أكد د. حسن القصبي، استاذ الحديث بكلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة – جامعة الأزهر، أن النفس البشرية من أعظم مخلوقات الله عز وجل، ولهذا صانها الله وحفظها منذ أن كانت نطفة إلى أن صارت في رحم الأمهات، وقد وضع الله قيودا عظيمة لحمايتها وحعل أغلظ العقوبات لمن يقتلها أو يفرط فيها فقال تعالى:” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”. ومن يقتل النفس بغير حق فإنه مخلد في النار فقال سبحانه:” وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ” وليس هذا فحسب في الآخرة بل إنه يقتص منه في الدنيا فقال تعالى:” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ” وقال رسول الله:” لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق. وروي بلفظ :”لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون من قتل مسلم”.
أوضح أن هذا المعنى الراسخ في الآيات والأحاديث السابقة تؤكد مكانة النفس عند الله، فما بالنا بمن يضحي بنفسه الغالية قي سبيل الله ولإعلاء كلمته؟ ولهذا أعد الله له أعلى المراتب في الجنة، فكما أن الله صان الله النفس فقد أباحها الله في سبيله دفاعا عن المقاصد الرئيسية للشريعة في الدفاع عن الدين والوطن والعرض والمال، فقال تعالى:” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ”. لمّا سمعَ أعرابيٌّ هذه الآيةَ، قال: كلامُ مَن هذا؟. فقالوا: كلامُ اللهِ. فقالَ:على مَن نزلَ؟. فقالوا: على مُحمدٍ بنِ عبدِاللهِ. فقال الأعرابيُّ: اذهبُوا بِي إليهِ، فذهبُوا بهِ إلى المختارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ إنْ بعتُ نفسِي ومالي أدخلُ الجنةَ؟ فقال النبيُّ :نعم، إنْ قُتلتَ في سبيلِ اللهِ وأنتَ صابرٌ، محتسبٌ مقبلٌ غير مدبرٍ فنادَي منادِي الجهادِ أنْ يا خيلَ اللهِ اركبِي، فالتحقَ بجيشِ المسلمين، وجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وانتصرَ الجيشُ، وجاء دورُ الغنائمِ، فلمَّا أُوتِي لهُ بنصيبِهِ مِن الغنائِم قال:ما هذا؟ قالوا: نصيبكَ، فقال الرجلُ: ومَن الذي أرسلكُم بهِ؟ فقالوا: رسولُ اللهِ، فقال: اذهبوا بِي إليهِ، فلمَّا مَثُلَ بينَ يدَيِ النبيِّ وضعَ نصيبَهُ أمامَهُ، وقال: يا رسولَ اللهِ ما على هذا اتبعتُك؟ فقال له النبيُّ علام اتبعتنِي؟ فقال الرجلُ:على أن أُرْمَي بسهمٍ هاهنا فيخرجُ مِن هاهنا فأقتلُ في سبيلِ اللهِ.فقال النبيُّ :إنْ صدقتَ اللهَ صدقَك، فنادي منادِ الجهادِ أنْ يا خيلَ اللهِ اركبِي فنزلَ الرجلُ المعركةَ، فضُربَ بسهمٍ في المكان الذي أشارَ إليه بيدهِ للمصطفَي فسألَ النبيُّ عنه فقالَ أهو هو؟ فقالوا: نعم. فقالَ النبيُّ:” اللهُمّ أنّي أشهدُكَ أنّهُ ماتَ شهيدًا. وحملَهُ النبيُّ بين يديهِ، ثم قال صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ” وقرأ قول الله تعالى:” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا “.
وأشار د. القصبي أن النبي لم يتمن شيئا سوى الشهادة فقال:” والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل ، فكان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد الله تعالى”. لأن من ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن حرم انحرف، والنبي يربي الصحابة رضوان الله عليهم على أن يبذل الواحد منهم نفسه في سبيل الله لينال أعلى المنازل عند الله، وقد تنال هذه المنزلة وأنت في بيتك وعلى فراشك باخلاص النية فقال:” مَنْ سأَلَ الشَّهادَةَ بصِدقٍ، بلَّغَهُ اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ، وإنْ ماتَ على فِراشِهِ”. على العكس من ذلك مصير كل جبان لم يخدث نفسه بالجهدا فقال:” مَن مات ولم يَغْزُ، ولم يُحَدِّثْ نفسَه بالغزو مات على شعبةٍ من النِّفاق” وفي رواية:” مات ميتة الجاهلية”.
وأنهى د. القصبى كلامه قائلا: لو فتشنا في سنة النبي نجد كل من يخرج إلى عمل شريف ونية صادقة للانفاق على من يعول كان كالمجاهد في سبيل الله” مر على النبيِّ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟!. فقال رسولُ اللهِ: إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ” وكذلك الساعي في قصاء مصالح المسلمين وخاصة الفئات المستضعفة فقال رسول الله :”السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ”.