“البقعة المقدّسة”.. محل إجماع الأديان السماوية
أكَّد د. مصطفى مدبولي- رئيس مجلس الوزراء– أن مشروع التجلَّى، والذي وجّه بتنفيذه الرئيس عبدالفتاح السيسى، يُعد تطويرا كاملا لمنطقة “سانت كاترين” باعتبارها واحدة من أطهر بقاع الأرض، وبشكل خاص إلى “ساحة السلام”، وبجوارها المدينة القديمة التي تشهد أعمال التطوير حالياً، وبجانبها “الدير”.
موضحا أن البُعدين البيئي والتراثي تمّت مراعاتهما منذ البداية في تنفيذ أعمال التطوير، حيث أن هذه المنطقة مُسجّلة بمنظمة اليونيسكو، كما أنها محمية طبيعية. فطبيعة المباني، تتسم بالبساطة، بحيث تتماشى مع طبيعة المكان، كما أن الألوان التي تم استخدامها هي نفس ألوان الجبال، وكذلك تم استخدام نفس أنواع الزراعات، والتركيز على زراعة أشجار الزيتون. فالمشروع تم تصميمه وإنشاؤه بطريقة عبقرية جداً، بحيث يكون مندمجا ومتلاحما ومنسجما مع البيئة الأصلية للمكان.
وقدَّم “د. مدبولى” التهنئة للشعب المصري، بمُناسبة حلول شهر رمضان المُعظّم، كما تقدّم بالتهنئة لأبناء مصر المسيحيين بمناسبة بدء “الصوم الأكبر”، من أعلى نقطة مصرية، حيث “تبَّة هارون” أو “رؤية شاهد هارون”، ضمن برنامج زيارته لمدينة سانت كاترين، زار شاهد رؤية هارون المُطلَّة على وادى الراحة والمواجهة لجبل التجلّى، المجاور لجبل موسى البالغ ارتفاعه 2242م عن سطح البحر.
وقال د. مدبولي: اخترنا قبل بداية رمضان بيوم واحد، أن نزور واحدة من أطهر بقاع الأرض وأكثرها قُدسية في الأديان السماوية الثلاثة، وهي منطقة “طور سيناء”، والتي شهدت تجلّي الله على هذه الأرض لسيدنا موسى، وهي القصة الأشهر الموجودة بجميع الكتب السماوية، حيث تتفق كل الديانات بأنها النقطة الوحيدة التي تجلّى الله فيها بوجهه الكريم على هذه الأرض.
هدية مصر للعالم
أشار “د. مدبولى” إلى توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى، منذ أول لحظة، بتعظيم وتطوير هذه البقعة الطاهرة المقدّسة، وأن يتم إنشاء البنية الأساسية والمشروعات التي تُمكّن من إبراز أهمية هذه البقعة للعالم كله، مجدّدًا التأكيد على أن هذه المنطقة ستكون هدية للعالم بأسره.
وقال: نحن هنا لا نتحدث فقط لمصر أو المنطقة العربية، ولكننا نوجه رسالة للعالم كله، وأننا نقوم بتطوير هذه البقعة بالكامل، لكي تكون مقصداً ومزاراً، بصورة مميّزة، لأي زائر قادم من أي مكان في العالم. وهذه التبَّة لها معنى ورمز ديني مشهور ومهم للغاية، فهي تبَّة سيدنا هارون، شقيق النبي “موسى”.
شرح متخصص
وشرح د. جمال مصطفى، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار، الأهمية التاريخية والتراثية لمدينة سانت كاترين، وأهمية “تبَّة هارون” أو “شاهد رؤية هارون” المُسجّلة على قائمة الآثار الإسلامية في مصر. بحضور د. زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، وأحد أبرز علماء الآثار على مستوى العالم، وأيضاً رجال الدين الإسلامي والمسيحي لشرح ما ذُكر بالنسبة لأهمية هذه النقطة في الكتب المقدسة.
أوضح أنه منذ قُرابة 4 آلاف سنة، تحافظ مصر من خلال حكوماتها المتتالية على هذا المكان كتراث إنساني ملك للعالم، وعام 2002م تم تسجيل منطقة سانت كاترين على قائمة التراث الثقافي العالمي وأحد المعايير التي سُجِّل عليها الموقع هو المعيار السادس الخاص بالممتلكات المرتبطة بأحداث تاريخية هامة أو أشخاص أو عقائد أو فلسفة على أن يكون مقترنا على نحو مباشر أو ملموس بأحداث أو تقاليد حيّة أو بمعتقدات أو بمصنّفات فنية أو أدبية ذات أهمية عالمية بارزة، أو الممتلكات المرتبطة بفهم شخصيات تاريخية أو أحداث أو ديانات أو أشخاص لها استثنائية وهي حدث التجلّى الأعظم وتلقّى الألواح والمناجاة، وشمل ملف التسجيل جبل موسى وشجرة العُليقة والدير الاثري، مشيرًا إلى أنه توجد لجنة علمية تابعة للمنظمة الدولية تراجع ملفات التسجيل مراجعة دقيقة وتستند إلى حقائق تاريخية موثّقة تضم توثيق التجلّي الاعظم وما له من قيمة استثنائية عالمية كمدينة مقدسة لها قيمة عالمية استثنائية.
وتطرّق إلى دور المجلس الأعلى للآثار في إثبات مسار العائلة المقدّسة في مصر الذي شهد لغطًا كبيرًا على مستوى العالم، ودور المجلس الأعلى لعمل خريطة للمسار اعتمدت من الكنيسة المصرية والفاتيكان. وكذا توثيق قدوم آل البيت إلى مصر من الجزيرة العربية، ورحبّت بهم مصر واستضافتهم أحياء، ثم أكرمتهم عند وفاتهم، فأقامت لهم أضرحة في القاهرة القديمة.
العهد القديم
وأشار الأنبا بافلي بالميلاد اميل، أسقف عام الشباب، إلى أنه انطلاقاً من الكتب القديمة، يُعتبر العهد القديم شديد التوثيق، لأنه يسرد تفاصيل منذ 1500 عام قبل الميلاد، وتوجد مخطوطات مكتوبة وفقاً للأثريين تتحدث عن هذا المكان، فالبعض كان يرى أن خليج العقبة هو الذي تم منه الخروج، حيث تحدثوا عن شواهد لوجود بعض المركبات الفرعونية بخليج العقبة، لإثبات أن المرور تم بخليج العقبة، وهذا الافتراض غير صحيح، لأن خليج العقبة كان يمر منه بعض المراكب التي تحمل الأسلحة.
وسرد الأنبا بافلي عدة أمور هامة، وهي: أي موضع عبره بنو إسرائيل، وما اسم البحر الذي عبره بنو إسرائيل، وأين يوجد جبل موسى، حيث أوضح أنه حينما خرج بنو إسرائيل بأمر من الله وهذا مكتوب في كتاب “الخروج” سنة 1500 قبل الميلاد، لم يتركهم الله في اتجاه فلسطين ناحية الشمال رغم أنها قريبة، والوصول إليها أسهل، وذلك حتى لا يعودوا إلى مصر إذا وجدوا في المكان الجديد حربا، لكن الله أخذهم في مسار آخر، فلم يخرجوا من ناحية الشمال لكن خرجوا من ناحية البحر الأحمر، وهذه الأماكن حالياً هي حول خليج السويس.
وفيما يتعلق باسم البحر الذي عبره بنو إسرائيل، قال: هذه المعجزة العظيمة تمت ولها شهود عيان، حيث سجّلت الكتب القديمة وجود رجال يمشون فيما عدا النساء والأطفال، مما يؤكد أنهم تواجدوا في مكان واسع، وبالتالي فإن هذا العدد لا يمكن أن يسعهم غير هذا المكان الذي نحن متواجدين فيه حالياً، والأغلب أنهم مكثوا في هذا المكان حوالي عام.
الرمزية الخاصة
وأشاد د. نظير محمد عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، بالدعوة لمشاركة الأزهر في هذه الرسالة المهمة التي تُعطي رؤية واضحة عن قيمة ومكانة هذا المكان، لافتاً إلى أن ما ذكره ممثلا الكنيسة، والمجلس الأعلى للآثار، يأتي منسجماً مع ما جاء في الشريعة الإسلامية، وهو ليس غريباً، حيث أن جزءاً كبيرا مما يتعلق بسيدنا موسى ورد ذكره في القرآن حتى قيل، كاد القرآن أن يكون كلّه لموسى.
أضاف: الحديث من هذه النقطة كان مهماً لعدة أسباب، أولها الرمزية الخاصة بها، لأنها تتعلق بقصة نبي الله هارون، حيث يُنظر إلى هذا المكان على أنه الذي عاتب فيه موسى أخاه هارون، عند عودته من لقاء ربّه وأخذ الألواح، والقرآن الكريم ينص على هذه الواقعة، وكل ذلك يؤكّد رمزية المكان، وملحقات هذا المكان تؤكد بشئ من الجلاء والوضوح أن هذا هو المكان الذي ذكره القرآن وأكدت عليه نصوص التوراة والإنجيل أيضاً.
ولفت إلى أن السبب الثاني هو الجبل، فعندما نبحث في القرآن نجد أن كلمة جبل لم يرد ذكرها مُعرَّفاً إلا عندما تحدث الله عن هذا الجبل، والقرآن يؤكد أن هذا المكان هو ما ورد في النصوص الدينية، بـ”الجبل” أو “الطور”، كما ان السبب الثالث هو أننا حين نستعرض قصة خروج موسى، فإن كُل البراهين العقلية والواقعية تؤكد أن الإنسان إذا ما صدر عنه فعل وأراد أن ينجو من فعله، لابد أن يبحث عن طريق آمن يضمن له سلامة الوصول، وسيدنا موسى عندما أمره الرجل الخروج سرًّا من المدينة، خرج حتى وصل إلى مدين ثم عاد من مدين الى مصر.
وأكد أننا أمام حقيقة، لا ينتابها أدنى شك، وأن تلك الدراسات التي تحاول أن توجِد لنفسها موضعًا في محاولة زعزعة الثابت رغبة منها في شهرة أو ذيوع وانتشار، يأتي النص القاطع دينيًا عندما تجتمع النصوص الدينية في كبرى الرسالات السماوية ثم تتوافق مع الرؤية العلمية لتنفيها، وبالتالي كما يقولون اجتمعت الأدلة العلمية والأدلة النقلية.
تعمير سيناء
وقال د. زاهي حواس- عالم المصريات وزير الآثار الأسبق-: إن المصريين القدماء اهتموا بسيناء اهتمامًا بالغًا نظرًا لقيمتها الكبيرة، وأعرب عن سعادته لما يشهده في الوقت الحالي من مشاهد تعمير سيناء من خلال المشروعات القومية المتناغمة مع البيئة والتراث السيناوي، موضحًا أهمية تعمير سيناء، مؤكدًا أن الأهمية التاريخية لمصر وسيناء تدفع البعض بادعاء أنهم مساهمون في تاريخها العريق وأنهم أصل الحضارة المصرية القديمة على غير الحقيقة، وكذا ادّعاء البعض بأن فرعون موسي ليس مصريًا وهو تدحضه حقائق ما جاء في لوحة “مرينبتاح” المحفوظة في المتحف المصري، والتي يمجّد فيها الشاعر المصري القديم في “مرينبتاح” واصفًا إنجازاته، وأن العبرانيين كانوا متواجدين في مصر وخرجوا منها قبل عصر “مرينبتاح”، وليس هناك أي تأكيد علمي على شخصية فرعون موسي، كما تشير كل الدراسات الأثرية والعلمية إلى أن العبرانيين كانوا يقيمون في منطقة الدلتا، وعند خروجهم ذهبوا إلى سيناء، مضيفًا أنه أثريًا “موسي” اسم أصله مصري وأن العبرانيين عاشوا في مصر وعندما خرجوا توجّهوا إلى سيناء.
القيمة الروحية
وشرحت د. مارى ميساك، أستاذ الفن والآثار فى مصر فى العصر البيزنطى بجامعة حلوان، القيمة الروحية الفريدة التى يختص بها الوادى المقدس، وأكدت بما لايدع مجالاً للشك أن النبي موسى ولد فى مصر وتربّى فيها إلى أن بُعث نبيًّا لبنى إسرائيل ومات ودُفن فيها، كما أن مصر استقبلت العائلة المقدّسة التى احتمت بمصر بعد أن تخفَّت بسيناء وكانت سبباً فى انتشار المسيحية بعد ذلك، وتأسيس الرهبنة فى مصر وانتقل الرهبان إلى الأماكن المقدسة طلباً للبركة ومن هذه الأماكن الوادى المقدّس طوى بسيناء وبالأخصّ حول شجرة العُليْقة وجبل موسى إلى أن قامت الإمبراطورة هيلانة بزيارة الوادى المقدس، وتأسيس كنيسة صغيرة للرهبان فى القرن الرابع حيث ظهرت الرهبنة المنتظمة، كما قام الأمبراطور جوستنيان ببناء دير بالوادى المقدّس فى القرن السادس الميلادى مجاوراً لشجرة العُليقة المقدسة وجبل موسى.