في رسالته للدكتوراه.. الحداد يؤكد
عرض: جمال سالم
أكد الباحث والكاتب الصحفي محمد سعد الحداد، أن عقيدتي أكثر الصحف المصرية اهتمامًا بمعالجة قضايا الإرهاب ومواجهة الفكر التكفيري، وأنها تميزت بمعالجة كافة القضايا الحياتية من منظور إسلامي متميز.
جاء ذلك في رسالته للدكتوراه بعنوان “معالجة الصحف الإسلامية المصرية لقضايا الإرهاب” والتي حصل فيها علي درجة الدكتوراه في الإعلام تخصص الصحافة بمرتبة الشرف الأولي مع التوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات، وتكونت لجنة الإشراف والحكم من د. محمود الصاوي- أستاذ الثقافة الإسلامية ووكيل كلية الإعلام جامعة الأزهر “مشرفًا”- د. أحمد زارع- رئيس قسم الصحافة ووكيل كلية الإعلام السابق جامعة الأزهر “مشرفًا”- د. جمال النجار- أستاذ ورئيس قسم الصحافة والإعلام السابق بكلية الدراسات الإسلامية بنات جامعة الأزهر “مناقشًا”- د. إيناس محمود حامد، أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس “مناقشًا”.
أوضح الباحث أن ظاهرة الإرهاب احتلت الصدارة من بين أهم الظواهر التي اتسم بها القرن الحادي والعشرون؛ فقد دخل الإرهاب إلى المنازل والمدارس والمساجد ودور العبادة وعلي الرغم من كثرة الجرائم التي ارتكبها متطرفون على مر الأزمنة والعصور، والتي يروح ضحيتها أبرياء، إلا أنه لم يتعرض دين مثلما يتعرض الإسلام الآن لهذه الحرب العاتية التي تستهدف تشويه صورته، كدين يدعو إلى السلام ولا يقر العنف والإرهاب، حين يتم الربط بينه وبين هذه الأعمال التي لا يقرها كل ذي ضمير، فضلاً عن أنه دين رسالته موجهة في الأساس لبناء الإنسان، والاعتناء به، وتحفيزه على الإعمار، حتى بات مصطلح “الإرهاب” لا يذكر في كثير من الدول الغربية إلا مقترنًا بالإسلام ظلمًا وافتراءً.
تميّزعقيدتي
أكد الباحث أن “عقيدتي” تميَّزت في معالجة قضايا الإرهاب حيث جاءت “قضايا انحراف الفكر التكفيري” في الترتيب الأول مما يعكس اهتمامها بمواجهة قوية لأبرز قضايا الإرهاب وتفنيد حججه وإبراز أنها خارجة عن الفهم الصحيح للدين، فيما حل في الترتيب الثاني “جريمة يرفضها الإسلام” ثم قضية “العنف” في الترتيب الثالث، بينما جاء “تفكيك داعش”، في الترتيب الرابع ثم قضايا التفجيرات في الترتيب الخامس، بينما جاءت قضايا “القتل والإصابات”، “الاعتداء على دور العبادة”، الانضمام لتنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة” في الترتيب السادس مكرر، فيما حلت قضية “الاغتيالات” في الترتيب السابع والأخير، وفيما يتعلق بآليات المواجهة المطروحة في المعالجة الصحفية لقضايا الإرهاب في صحيفة “عقيدتي”، تصدرت “آلية الفهم الصحيح للدين” الترتيب الأول، حيث ارتكزت المعالجة على تفنيد دعاوي الجماعات الإرهابية وقيامها باعتماد منهج إما أن تكون معي أو تكون كافرًا فاسقًا، وجاءت آلية “مواجهة الفكر المتطرف بالحوار الفكري” في الترتيب الثاني، وهنا أبرزت “عقيدتي” فكرة ترسيخ أسس الحوار الحضاري العالمي ضد الإرهاب، فيما جاءت آلية “تجديد الخطاب الديني” في الترتيب الثالث، بالدعوة إلي تجديد الخطاب الديني من الداخل العربي حتى تتغير نظرة العالم إلى الإسلام، بينما جاءت آليات “تنظيم مؤتمرات وندوات ولقاءات مسئولين غربيين، و”تنظيم قوافل توعوية لعلماء الأزهر والأوقاف”، “الحوار المجتمعي”، و”تفعيل دور الإعلام في محاربة الإرهاب”، “مواجهة الفقر وتحقيق التنمية”، في الترتيب ما بين الرابع والثامن.
كما نبهت “عقيدتي” أن آلة داعش الإعلامية قوية ولابد من مواجهتها بقوة على الإنترنت، فيما جاءت آليات “حل المشاكل السياسية القائمة”، “التوعية ونشر الدين الصحيح”، “التعامل الأمني”، “التذكير بتاريخ أمة الإسلام”، “الإصلاح التشريعي”، “ضبط العناصر الإرهابية”، و”تحقيق المصالحة الوطنية”، جاءت في المراكز الأخيرة ما بين التاسع والخامس عشر، بالإضافة إلى التأكيد على أن الأزهر يخرِّج مسلمًا وسطيًا عقيدة وفكرًا وأنه يقوم على التعددية وليس الرأي الأوحد كما هو معتقد التنظيمات الإرهابية.
الفكر النقدى
وأشار الباحث إلي انه فيما يتعلق بمسارات البرهنة المنطقية المستخدمة في المعالجة الصحفية لقضايا الإرهاب في “عقيدتي”، أظهر التحليل إبراز الصحيفة لقضايا الإرهاب من خلال عرض فكر نقدي لحجج الإرهاب وأدلته الدينية، ونقد محاولات الغرب إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي؛ حيث احتل مسار البرهنة المنطقي “عرض فكر نقدي” الترتيب الأول، ثم تناول المواد المتعلقة بقضايا الإرهاب بمسار برهنة “أقوال المسئولين وتصريحاتهم” في الترتيب الثاني، ثم الأرقام والإحصائيات في الترتيب الثالث، بينما جاءت “البيانات والتقارير الرسمية” عن مؤسسات الأزهر والأوقاف وكذا المنظمات الدبلوماسية والدولية في الترتيب الرابع، وحلَّت الاستعانة “بشهود عيان وأدلة” للبرهنة في الترتيب الخامس، وهو ما يعكس تناولاً سطحيًا لقضايا الإرهاب في الصحيفة وعدم التدليل عليها منطقيًا، أما فيما يتعلق بمسارات البرهنة غير المنطقية المستخدمة في المعالجة الصحفية لقضايا الإرهاب فقد أظهر التحليل أن “عقيدتي” حملت القضية “الأزمة” للطرف الآخر في تناول المواد المتعلقة بقضايا الإرهاب كمسار غير منطقي في معالجة المواد المتعلقة بقضايا الإرهاب حيث ظهر جليًا من خلال اتهام الغرب بالمسئولية عن ظهور الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة إلى جانب نقد الجماعات الإرهابية ووصفها بالخروج عن المنهج الإسلامي دون تقديم أدلة ظاهرة منطقية للقارئ، تدحض أفكارهم وتبين خروجهم عن إطار تعليمات ومبادئ الدين الإسلامي السمح، ثم جاء مسار الاعتماد على “الخطابات والشعارات” دون تقديم عرض منطقي للقارئ بتقديم تحليل وتفسير لظاهرة الإرهاب وقضاياه في الترتيب الثاني، بينما جاء “الانحياز بعرض وجهة نظر واحدة” في الترتيب الثالث والأخير.
ونبَّه الباحث أنه فيما يتعلق بالاستمالات العقلانية في “عقيدتي” ظهر ذلك كثيرًا في تناول المواد المتعلقة بقضايا الإرهاب، لتفنيد دعاوى وحجج أصحاب الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية، مثل الفهم الخاطئ للحاكمية والذي أدى لوقوع البعض في التكفير، بينما جاء في الترتيب الثاني الاستشهاد بأدلة من السنة، وجاء الاعتماد على “تقارير رسمية” في الترتيب الثالث، كما جاء الاستدلال “بدراسات وبحوث” في الترتيب الرابع، وجاء في الترتيب الخامس “عرض وجهات النظر المختلفة”، وجاء “الاعتماد على أقوال لشهود عيان” في الترتيب السادس، وفيما يتعلق بالقوى الفاعلة في “عقيدتي”، جاءت فيه “المسئولون في الحكومة” في الترتيب الأول، ثم “علماء الدين” ومنهم مسئولون بالحكومة أيضًا- الأزهر والأوقاف- في الترتيب الثاني، ثم المفكرون والمثقفون والأدباء في الترتيب الثالث، وهو ما يشير إلى تميّز “عقيدتي” بشكل أكبر من “صوت الأزهر” في تنوع التناول من حيث الآراء ووجهات نظر المفكرين والمثقفين والأدباء وهم نخب في المجتمع لا يستهان بها ولا بطرحها ولا بيان أبعاد قضايا الإرهاب- محل الدراسة- بشكل أكبر من صوت الأزهر، بينما جاءت “هيئات ومنظمات محلية” في الترتيب الرابع، ثم “هيئات ومنظمات دولية” في الترتيب الخامس، وجاءت “منظمات المجتمع المدني” في الترتيب السادس، وحل في الترتيب السابع والأخير “الغرب”.
وكشف الباحث انه بالنسبة لاتجاه المعالجة الصحفية لقضايا الإرهاب في “عقيدتي” أن اتجاه تناول المعالجة الصحفية فيها لقضايا الإرهاب “بشكل دفاعي” في الترتيب الأول؛ حيث اتسم هذا الاتجاه من خلال المعالجة الصحفية لكل ما يتعلق بقضايا الإرهاب، بإظهار أن العمليات الإرهابية لا علاقة لها بالإسلام، وأن استهداف الكنائس إيذاء للمسلمين والنبي وهذا دليل على بعد الإرهابيين عن تعاليم السماء، بينما احتل اتجاه المعالجة الهجومي الترتيب الثاني، وفيما يتعلق باتجاه المعالجة الصحفية لقضايا الإرهاب في صحيفة “عقيدتي” أظهر التحليل أن الاتجاه بشكل دفاعي عن الإسلام جاء في الترتيب الأول، بينما جاء تناول اتجاه المعالجة الهجومي في الترتيب الثاني، في حين جاء اتجاه معالجة “عقيدتي” باتجاه نقدي، في الترتيب الثالث، وجاء اتجاه المعالجة بشكل مختلط، في الترتيب الرابع والأخير.
وطالب الباحث، الصحف الإسلامية أن توضح في معالجتها الصحفية أن الإسلام برئ من الاتهامات الجزافية الخاصة بدعمه للإرهاب، فللإرهاب أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ليس الدين من بينها، وأن الإسلام ليس جزءًا من المشكلة وإنما هو جزء مهم من صناعة السلام وترسيخه في المجتمع.
توصيات هامة
وأوصى الباحث الحداد بالآتي:
عقد دورات تدريبية للصحفيين في الصحف الإسلامية المصرية لزيادة مهاراتهم الخاصة بالتعامل مع الأخبار والتقارير والكتابات والأحداث المتعلقة بالعمليات الإرهابية من أجل خلق صحفي مسئول وفعال هدفه نشر الحقيقة والبعد عن المبالغات والتهويل، والعمل على رفع قدرات الصحفيين بشأن تناول قضايا الإرهاب ونشرها للمواطنين بمعالجة صحفية موضوعية تعرض وتقدم جميع وجهات النظر المناهضة للإرهاب واستعراض كل الحلول، بما يحقق التوازن في طرح المادة الصحفية.
إعداد بعض الموضوعات الصحفية باللغات الأجنبية لتوجه إلى الجمهور الأجنبي في الدول الأوروبية وأمريكا للتعريف بثقافة الإسلام القائمة على نشر التسامح ورفض العنف والتطرف باعتبارها إحدى آليات تصحيح صورة المجتمع المسلم أمام المجتمعات الغربية والأمريكية.
– ضرورة امتلاك زمام المبادرة الإعلامية والصحفية عند وقوع العملية الإرهابية وتجنب اتخاذ موقف دفاعي يمثل ردود فعل واستجابات لأفعال الإرهابيين.
– التعامل الحذر مع البيانات والتصريحات الإعلامية التي تصدر عن التيارات الإرهابية، حتى لا تكون وسائل الإعلام وسيلة ترويج لتلك التيارات الخارجة عن القانون، وتجنب التهوين والتهويل، على السواء، عند عرض وتقديم الحوادث الإرهابية ونتائجها.
– الاتفاق على مدونة سلوك مهنية وأخلاقية للصحفيين العاملين في مجال تغطية الأخبار المتعلقة بالإرهاب بما يُساهم في ضبط الأداء الإعلامي، من خلال حوار جاد وموضوعي يشترك فيه أعضاء الجماعة الصحفية في الصحف الإسلامية وغيرها.
– التأكيد على أهمية النظرة الشمولية لحل مشكلة الإرهاب؛ آخذين في الاعتبار كل الجوانب الأخلاقية والقانونية والطبية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.
– تدريب طلاب الإعلام، في كليات ومعاهد وأقسام الإعلام، على كيفية المعالجة الصحفية لأحداث الإرهاب، وإقرار هذا الموضوع ضمن المناهج الدراسية التي يدرسونها.
– التصدي لمظاهر الغلو والتطرف والإرهاب وأسبابها من خلال اعتماد المنهج النبوي: الحكمة والموعظة الحسنة، ونشر العلم الصحيح، من خلال مصادره المعتمدة، وتحقيق الوعي السليم بين الأمة، عبر الاستناد إلى العلماء المتخصصين، وتفعيل دورهم في مخاطبة القاعدة العريضة من المواطنين باستخدام الوسائل الإعلامية المختلفة، والتعامل مع الإرهابيين على أساس من معرفة دوافعهم ودراسة نفسياتهم؛ فآفتهم في رؤوسهم وأفكارهم، فيقابل الكفر بالفكر لتصحيح أفكارهم المنحرفة، ولا يقاوم عنفا بعنف مضاد إلا بمقدار ما تمليه الضرورة وتسمح به الشريعة.
– تعزيز أدوار المؤسسات الفاعلة في مواجهة الفكر الإرهابي المتطرف؛ كـلٌ في اختصاصه، والاعتماد بشكل أساسي على العلماء والفقهاء والدعاة والمؤسسات والهيئات العلمية العامة والمتخصصة في نشر الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة، وتعزيز قيم التعايش المشترك، والتصدي لمحاولات نشر ثقافة العداء والكراهية داخل المجتمع.
– ترسيخ مواجهة الأفكار والأعمال الإرهابية، بالمحافظة على الفكر الصحيح في المجتمع، وحمايته من التطرف والانحراف، وحماية المنظومة العقدية والثقافية والأخلاقية؛ من خلال تقديم المجتمع للعلماء المشهود لهم بالعلم والكفاءة لنشر المنهج الإسلامي الصحيح في المساجد والزوايا ومختلف المحافل، ومن خلال الحملات التوعوية والبرامج الإرشادية والدروس واللقاءات الدينية، وذلك من أجل إعاقة أي عمليات تجنيد جديدة ومحاولة استقطاب الشباب لجماعات العنف والإرهاب.
– ضرورة اتخاذ الأساليب والطرق المختلفة لاحتواء الشباب ووقايتهم من مخاطر الإرهاب والتطرف، من خلال الالتزام بتقديم نموذج نقي صحيح للتدين، والسعي الجاد في أن يكون هذا ثقافة عامة سائدة، وترسيخ واستنهاض مشاعر الترابط بين جميع فئات المجتمع وشرائحه، وتوعية المجتمع بأضرار وعواقب التعصب والتشدد.
– تفعيل دور الأزهر بكل مؤسساته الدينية والتعليمية والبحثية (جامعًا وجامعة) وإظهار حقائق الدين والرد على شبهات المغرضين وأباطيل المبطلين من خلال مؤسساته وعلمائه؛ فالأزهر هو الرافد الأول لتخريج الدعاة والوعاظ وعلماء الدين الإسلامي، ويمثل المصدر الأول للوعي الديني.
– التأكيد على ضرورة تكاتف جميع أجهزة الدولة سواء كانت إعلامية أو أمنية والاهتمام بوضع استراتيجية ثابتة لا تتغير وفق أهواء شخصية لمكافحة ظاهرة الإرهاب والتركيز على دور وسائل الإعلام للتصدي لتلك الظاهرة.
على الأجهزة الأمنية التنسيق مع الأجهزة المعنية في الدولة لكشف دعاوى الإرهابيين ودحضها، فيما يسمى بالمواجهة الفكرية للإرهاب، وهو ما يستلزم مواجهة تلك الأفكار بأسلوب مخطط ومنسق ومقنع يتولاه متخصصون؛ فالغلو يحارب بنشر العلم الصحيح والفهم المستقيم، والحوار والتوجيه، وعلى هذا المسار يجب أن يكون توجه الكتّاب والمثقفين والمفكرين ووسائل الإعلام والمربين.