الإرهاب الافتراضي يغزو العالم.. و”الثقافة الإعلامية” أهم أسلحة المواجهة
“warning” لكل إعلامى.. من الخروج عن “الميثاق”
نصيحة وتحذير لأولياء الأمور: لا تتركوا أبناءكم فريسة لـ”أفكار الفضاء”
خطابات الكراهية والمعلومات المغلوطة.. “تسوِّد” سماء المعلوماتية
نحصِّن المجتمع من مخاطر الإعلام بـ”الوعى النقدى”
“نُفَصِّل” ثقافة كل مجتمع حسب قيمه ومبادئه
الوعى الشعوبى “قَلَبَ الطاولة” على التوجّهات الصهيونية ١٠٠%
مصطفى ياسين
أكد د. سامى طايع- رئيس الفرع العربي لاتحاد اليونسكو للثقافة الإعلامية- أن العالم “يَدُقُّ” ناقوس الخطر من “تسونامى” معلوماتية وسائل التواصل الاجتماعى، محذِّرا من أن الإرهاب الافتراضي يغزو العالم، وأن “الثقافة الإعلامية” أهم أسلحة المواجهة، مشيرا إلى وجود “warning” لكل إعلامى من الخروج عن “الميثاق”.
وقدَّم نصيحة وتحذير لأولياء الأمور: لا تتركوا أبناءكم فريسة لـ”أفكار الفضاء”، محذرا من أن خطابات الكراهية والمعلومات المغلوطة “تسوِّد” سماء المعلوماتية.
وأكد أن هدفهم تحصين المجتمع من مخاطر الإعلام بـ”الوعى النقدى”، وأنهم “يُفَصِّلون” ثقافة كل مجتمع حسب قيمه ومبادئه، وأن الوعى الشعوبى “قَلَب الطاولة” على التوجهات الصهيونية ١٠٠ بالمائة.
وقُبيل انعقاد المؤتمر الدولي “الثقافة الإعلامية من أجل التفاهم والسلام العالمي”، الذى يُنظِّمه “تحالف اليونسكو للثقافة الإعلامية”، بالتعاون مع الأكاديمية العربية، وجامعة أوتونوما برشلونة بإسبانيا، برعاية السيد أحمد أبو الغيط- الأمين العام للجامعة العربية- فى الفترة ٢٢-٢٤ أبريل الجارى، ورئاسة د. إسماعيل عبدالغفار- رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري- بالتعاون مع تحالف اليونسكو للثقافة الإعلامية والمعلوماتية وجامعة (اوتونوما) برشلونة بإسبانيا، والمعهد الدولي للثقافة الإعلامية والمعلوماتية، ومن المقرر أن يعقد بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، بحضور المشاركين من الخبراء وأساتذة الجامعات والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني من: مصر والدول العربية والولايات المتحدة وكندا والبرازيل وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفنلندا والهند والصين وروسيا الاتحادية ونيجيريا، علاوة على ممثّلي مكاتب اليونسكو بالمنطقة العربية والمدير العام المساعد لمنظمة اليونسكو لقطاع الاتصال والمعلومات من المقر الرئيسي لمنظمة اليونسكو بباريس.
كان لنا هذا اللقاء مع د. سامى طايع- رئيس الفرع العربي لاتحاد اليونسكو للثقافة الإعلامية- هلى هامش انعقاد المؤتمر الصحفى التحضيرى للمؤتمر، والذى عقد بمقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.
*ما هو مفهوم مصطلح الثقافة الإعلامية، خاصة وأن الكثيرين يعتبرونها ثقافة ليست بقوّة ثقافة الكتاب؟ باعتبارها سريعة، غير عميقة، بمعنى أنها “تيك أوي”؟
** الواقع أن التربية والثقافة الإعلامية أو توعية الإنسان بالمَضَار التى قد تنتج عن سوء استخدامها موجودة منذ القِدم، منذ ظهور صناعة السينما والأفلام، وكان علماء الاجتماع يحذّرون الناس بضرورة التمييز بين ما يأتيهم من عالَم السينما والإعلام وما يأتى من الحياة الفعلية الواقعية.
إذن فالمفهوم موجود- قديم حديث- لكن المُسمَّى والمصطلح لم يظهر إلا خلال بداية الثمانينيات.
وما أريد قوله: لدينا مفهومان مهمّان جدا، الأول: التربية الإعلامية، وتختلف عن الإعلام التربوي. الثانى: الثقافة الإعلامية والمعلوماتية.
أما التربية الإعلامية فهى عبارة الآلية أو الوسيلة والأداة التى نتمكَّن من خلالها من تحقيق ما يسمّى بـ”الثقافة الإعلامية والمعلوماتية”، وطبعا التربية الإعلامية مختلفة عن الإعلام التربوى الذى نراه فى المدارس كالصحافة المدرسية، فالاختلاف شكلا ومضمونا كبير بينهما.
ومفهوم التربية الإعلامية بدأ فى الظهور مع وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة والرقمية وما إلى ذلك، وما حدث هو أن المجتمعات الغربية بدأت تنزعج جدا ويتخوَّفون من التأثيرات السلبية التى تقع على صغار السنّ والشباب من جرّاء تعرّضهم الكثير والمكثَّف لوسائل الإعلام الرقمية الجديدة ممثّلة فى الإنترنت والموبايل وغيرها، وتزَعَّمت وقادت منظمة اليونسكو وقتها- وهى منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم- عقد اجتماع مهم جدا فى ألمانيا الغربية، وكانت دول الاتحاد الأوروبى 18، فاجتمع وزراء التربية والتعليم وحذّروا من الخطر الكبير و”دقُّوا ناقوس الخطر” من المؤسسة الإعلامية الجديدة وهى الإعلام الرقمى، فالمؤسسات بدأت تنزعج، وكذا الآباء والأمّهات، واقترحوا البدء فى تعليم الشباب بجرعات تعليمية عن كيفية التعامل مع تلك الوسائل الحديثة بحيث نحدّ من تأثيراتها السلبية، وبالفعل بدأ منهج التربية الإعلامية يدخل المدارس، ومن خلال اليونسكو نظِّمت دورات تدريبية للمعلِّمين، وكان المفهوم قاصرًا على دول حوض البحر المتوسط أولا، حتى يكونوا معلِّمين للأبناء فى المدارس.
ثم مع مطلع القرن الـ 21 بدأ ظهور موجة كبيرة من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، أصبحنا نتعرّض بسببها لـ”تسونامى معلوماتى” من كل حَدَب وصوب، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وأصبحت وسائل التواصل الجديدة مليئة بالأخبار الكاذبة والشائعات والمعلومات المُضلِّلة، وبدأت المنظمات الإرهابية تُكثِر من استخدام وسائل التواصل فى نشر الأفكار المتطرّفة وغيرها.
وبدأنا وقتها نركِّز على أن الثقافة الإعلامية والمعلوماتية لا يحتاجها الشباب فقط، وإنما كل الناس والفئات والطبقات، حتى الإعلامى كى يلتزم بمواثيق الشرف الإعلامية والمهنية، وبالتالى بدأنا طريقة ومنهجا جديدا فى التعامل لنشر ثقافة إعلامية ومعلوماتية، ويبدأ بتوعية العالم كلّه وليس فقط دول حوض المتوسط، كآلية ووسيلة لتحقيق الثقافة الإعلامية والمعلوماتية.
بدأنا الانتشار وعقد مؤتمرات ولقاءات عالمية، وأشهرها فى مدينة الرياض بالسعودية وحضره تقريبا 1500 شخص، وحضره العاهل السعودى الراحل الملك عبدالله- رحمه الله- وأحدث المؤتمر ضجّة كبيرة جدا، ونتج عنه أن تكوَّنت فى مجلس التعاون الخليجى إدارة خاصة بالتربية الإعلامية، ونشر بعض الكتب والمنشورات.
وتحت عباءة اليونسكو تم تكوين شبكة عام 2009 بمدينة فاس المغربية لخلق نوع من التعاون مع الجامعات والتوأمَة بهدف نشر كل ما يتعلّق بالتربية والثقافة الإعلامية والمعلوماتية، ثم عام 2013 تم تأسيس “تحالف اليونسكو للثقافة الإعلامية والمعلوماتية” وأشْرُف برئاسة الفرع العربى، ونسعى من خلاله لتدريب وتوعية الناس بأهمية التربية الإعلامية وضرورة التثقيف إعلاميا ومعلوماتيا.
كما أن اليونسكو بالتعاون مع مجموعة من الخبراء العالميين، أربعة: (من كندا، أسبانيا، مصر)، لدراسة جدوى عن كيفية ترسيخ مفهوم الثقافة الإعلامية والمعلوماتية، وتوصّلنا إلى أنه لابد من تأسيس كيان مسئول عن تدريس ونشر الثقافة الإعلامية والمعلوماتية، وبالفعل تأسَّس المعهد الدولى للثقافة الإعلامية والمعلوماتية بمقرّ جامعة برشلونة الإسبانية، ويمنح درجات الماجستير والدكتوراة فى تخصّص الثقافة الإعلامية والمعلوماتية.
المفهوم الجديد
*وما هى أهمية نشر هذا المفهوم الجديد؟
** الأهمية الكبرى تركّزت فى أن الأمين العام للأمم المتحدة فى جلسة العام الماضى، حثَّ كل الدول الأعضاء على نشر الثقافة الإعلامية والمعلوماتية، مؤكِّدا أنها مهمّة جدا من أجل محاربة الإرهاب والتطرّف الموجود على وسائل الإعلام الرقمية، ولإكساب الأفراد بعض المهارات مثل: الفكر النقدى، الوصول إلى المصادر، محاربة الصور النمطية السلبية عن بعضنا البعض.
وأيضا خلال الملتقى الاقتصادى الذى تم تنظيمه فى “دافوس” السويسرية يناير الماضى، أصدروا دراسة كبيرة ومهمّة جدا، بمشاركة حوالى 1500 خبير من الساسة والعلماء والمتخصصين، محذِّرين من أن أخطر شئ يواجه العالم الآن هى المعلومات المغلوطة والمضلِّلة، وأكّدوا أن التربية الإعلامية تُعتبر هى أفضل الحلول والطُرق للقضاء على ذلك.
إذن، فالتربية الإعلامية دورها مهم جدا، ونحن نسعى لإكساب الأفراد المهارات لكى يتعاملوا مع وسائل الإعلام بالشكل الجيّد، مثل الفكر الناقد والتنقيب والبحث عن المصادر المختلفة وتحليلها وعدم أخذها مُسلّمات أو قضية مُصَدَّقة، بل يجب التفكير فيها وتحليلها.
ونحن نؤكّد على أولياء الأمور من الآباء والأمّهات: لا تتركوا أبناءكم فى العالم الافتراضى، ولابد من إحضارهم من ذلك العالم إلى العالم الفعلى، من خلال تثقيفهم إعلاميا، ومن خلال الآباء والأمّهات بمشاركة الأبناء وألا يتركوهم فريسة وضحايا الإعلام الرقمى وخطابات الكراهية والصور والمعلومات المُضلِّلة، والصور النمطية والسلبية التى تُنشر فى تلك الوسائل المدمرة.
دور الإعلام
*هل تقوم بهذا الدور الوسائل الإعلامية التقليدية أم التقنية الحديثة؟ وأيّهما أكثر تأثيرا؟ وكيف يمكن الاستفادة من الدمج بينها؟ تقليدية وحديثة؟
**سواء كانت الوسائل الإعلامية تقليدية أم حديثة، فهى تعانى من نفس المشكلات، ونجدها أحيانا بها بعض الأخبار الكاذبة والمُضلِّلة والمُضلَّلَة، وبالتالى نحن نسعى لخلق نوع من “التحصين أو التمكين” للشباب وصغار السن والآباء والمعلِّمين وأيضا لرجال الإعلام وكل الناس تقريبا، حتى يتعاملوا مع وسائل الإعلام بالشكل اللائق والصحيح، وحتى لا يقعوا ضحايا للتأثيرات السلبية لتلك الوسائل.
نشر الوعى
*كيف ترى دور الإعلام في نشر ثقافة السلام والتسامح؟
** طبعا وسائل الإعلام لها دور كبير، فهى المسئولة عن تعليم الناس كيف يتعاملون مع الأخبار والمعلومات بالشكل الصحّى اللائق، وهذا معناه القضاء على الشائعات الكاذبة والمعلومات المضلِّلَة والمضلَّلَة والأفكار المتطرّفة، بما يساعد على نشر نشر ثقافة السلام ونوع من التفاهم بين الأفراد والشعوب فى كافة دول العالم.
قيم المجتمع
*وكيف نتغلّب على الجانب الأكثر تأثيراً في الإعلام والمتمثِّل في نشر سلوكيات وأفكار غريبة وشاذة عن قيمنا ومبادئ مجتمعنا؟
** بالطبع كل مجتمع له ثقافته وعاداته وقيمه وحيثياته، فنحن لا نقول بأخذ الثقافة الإعلامية والمعلوماتية كما هى موجودة فى الغرب، بل نقوم بعملية “تفصيل” لما يناسب كل مجتمع، وخصوصياته وتقاليده وثقافته السائدة، وبالتالى ننشر من المهارات ما يتناسب مع كل مجتمع وثقافته.
ميثاق شرف
*لماذا لا تكون هناك رقابة صارمة وحقيقية وعقوبات على الوسائل الإعلامية المخالِفة؟
**اقترحنا منذ عامين، على وزارات الإعلام والجهات المختصة، وضع ميثاق شرف إعلامى، بحيث أن أى إعلامى ينشر أخبارا كاذبة أو مُضلَّلَة، يوضَع له تحذير “warning” بحيث لا يقع فى هذا الخطأ مرّة أخرى. وقُلنا بأن كل ممارِس إعلامى أو صحفى لابد ان يكون لديه بطاقة أو رُخصة مُمارَسة بحيث لو أنه أخَلَّ بمواثيق الشرف المهنية أو أخلاقيات المهنة، تُسحَب منه، ما يؤدّى للتأكُّد من أن الإعلاميين يسيروا فى الطريق الصحيح.
هذا فضلا عن قيامنا بعقد دورات تدريبية للإعلاميين والصحفيين، لكن الفكرة الجوهرية للتربية الإعلامية هى اللجوء إلى الطرف الآخر فى عملية الاتصال ألا وهو الجمهور، فَدَرَّبنا الإعلاميين على مدى سنوات طويلة، لكن للأسف الشديد ما نُعلِّمه لطلبة الإعلام فى الجامعات، بعد التخرج يجد الواقع فى المؤسسات الصحفية والإعلامية مختلفا تماما، وكل مؤسّسة لها “السياسة التحريرية” الخاصة بها! وإذا لم يلتزم بها لن يعمل فيها! فوجدنا صعوبة شيئا ما فى الالتزام الإعلامى بما وضعناه من مناهج! وهذا ما يجعلنا مُندفعين ومُهتمين جدا بنشر الثقافة الإعلامية والمعلوماتية لدى الجماهير حتى يكون لديها الكفاءة والمهارة التى تمكِّنها من تحليل المعلومة التى تصل، ويكون لديها فكرٌ ناقدٌ فى التعامل معها.
الأهداف النبيلة
*هل تنجح وسائل الإعلام والتواصل المختلفة في تحقيق الأهداف النبيلة، فى مواجهة لهيب النار والعدوان؟ وأمامنا فلسطين نموذجا؟
** لعلّ ما يحدث من جرائم ومجازر تُرتكب من قوّات الاحتلال الصهيونية على مرأى ومَسْمَع من العالم أجمع، حتى كان الإعلام فى البداية مُناسقا وراء التوجّهات الصهيونية ويرى أن اليهود ضحايا! والمقاومة هى المعتديّة وما إلى ذلك!
لكن الحمد لله، الوعى لدى الشعوب والتوعية بالذات فى المجتمعات الغربية “قَلَب الطاولة” بنسبة 100% فتحوَّل التوجُّه الإعلامى كلّه ضد المجازر الصهيونية، فأصبح الوعى الجماهيرى ولدى وسائل الإعلام إلى حدٍّ ما يُبرز أن الجماهير أصبحت شريكة فى الممارسة الإعلامية، وهذا جزء من جهودنا فى خلْق “صحافة المواطن” بحيث يشارك بالقول والفكرة- سياسية أو إعلامية- وهذا النموذج عايشناه فى التغطية الإخبارية عن أحداث غزّة والجرائم التى تُرتكب.