تمر علينا هذه الأيام ذكرى جميلة على قلوبنا وقلوب العالم الإسلامي، ذكرى ميلاد إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي ولد في 25 أبريل 1911، بقرية دقادوس مركز ميت غمر محافظة الدقهلية، يوم سجل في تاريخ الإسلام والبشرية، حيث اختاره الله تعالى واختصه بعلمه ليصبح بعد ذلك مفسراً لكتابه العزيز من خلال خواطره التي مازالت حاضرة حتى يومنا هذا نتعلم وننهل منها.
وقد شرفني الله تعالى بأن التقي فضيلة الشيخ الشعراوي أكثر من مرة، وقد كنت منذ صغري حريصاً كل الحرص على حضور درسه في مسجد سيدنا الحسين بعد العصر، عندما كنا نسكن في منطقة الأزهر الشريف، وكنت أرى تهافت الناس على الاستماع إليه وإلى خواطره التي من الله عليه بها.
وأذكر في يوم من الأيام عندما كنت شاباً صغيراً، اشترى والدي العالم الدكتور شعبان إسماعيل أستاذ أصول الفقه وعلم القراءات بجامعة الأزهر “رحمه الله”، شقة في العمارة التي كانت تطل على الباب الأخضر لمسجد سيدنا الحسين، وشاءت أقدار الله سبحانه وتعالى أن تكون مجاورة لشقة الإمام الشعراوي حيث كان يأتي ليجلس فيها كل فترة عندما يشتاق حنينه لسيدنا الحسين.
وفي إحدى زيارات الإمام لشقته قرأ اسم والدي على باب شقتنا، فأرسل شاباً كان في صحبته يسأل على والدي الذي لم يكن موجوداً في هذا الوقت، وكنت بمفردي، فأعلم الشيخ فقال له: “أريد أن أرى أبن الشيخ شعبان”، وقد كانت تربطهما محبة وتقدير وعشرة العلماء، فذهبت مسرعاً سعيداً ووجدته جالساً على كنبة في مدخل الشقة، فسلمت عليه وقبلت يديه وأجلسني بجواره، وقلت له لقد شرفنا الله بجوارك يا فضيلة الإمام، فرد على مبتسماً وبتواضع العلماء قائلاً: “الشرف لي يا بني، فوالدك من علماء القرآن”، عليهما رحمة الله تعالى.
وبعد وفاة والدي الشيخ شعبان إسماعيل رحمه الله تعالى، كنت أقرأ في كنوز والدي من مؤلفات ومقالات دينية، فوجدت بعض المقالات المتعلقة بالإمام الشعراوي كتبها والدي في حياتهما دفاعاً عن الشيخ الشعراوي ضد الحملات التي كان يتعرض لها، وأخذت على نفسي عهداً أن أعيد نشرها حتى يعلم الناس كيف كان يتعامل العلماء مع بعضهم البعض، ومن هنا أدركت لماذا كل هذا الحب والاحترام بينهما.
رحمهما الله رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته وجزاهما خيراً عن علمهما الذي تركاه للبشرية، فالعلماء ورثة الأنبياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر”، وقوله تعالى: (يَرْفَعُ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والذِينَ أُوتوا العِلْمَ دَرجاتٍ)، فهم الوارثون لما تركه الرسول، القائل: “بلِّغوا عني ولو آية”.
ولذلك استحق الشيخ الشعراوي رحمه الله لقب إمام الدعاة عن جدارة، وهو اللقب الوحيد الذي أطلق على هذا العالم على مستوى العالم والذي لم يأت مثله من قبل، ليس فقط لعلمه والفتوحات والفيوضات الربانية والروحانية التي منحها الله تعالى له؛ ولكن لحبه الشديد لكتاب الله والذي ظل طوال حياته يبين معانيه بطريقة مشوقة وسهلة يفهمها العامة.
ولم يكن الجانب العلمي والروحاني فقط الغالب على شخصية إمام الدعاة رحمه الله، ولكن كانت له مواقف نبيلة وعظيمة تجاه وطنه وتجاه أمته العربية والإسلامية، والعالم كله شهد لهذا العالم العظيم بتلك المواقف التي سُجلت في التاريخ بأحرف من ذهب، ومن هذه الدول المملكة العربية السعودية مهبط الوحي التي قضى بها سنوات من عمره.
لا نستطيع أن نحصر مآثر ومحاسن ومواقف إمام الدعاة في هذه السطور القليلة، ولكن نملك الدعاء له والترحم عليه، خاصة وأنه بين يدي الله، وتاريخه المشرف وخدمته للإسلام والدفاع عنه، وكذلك خدمته للدعوة الإسلامية طوال حياته، وعلمه وأحاديثه التي ما زالت تسري في جسدنا حتى الآن، خير شفيع له.
أحمد شعبان