بقلم د. شيرين محمد معوض عبدالرحيم
مدرس أصول الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقليوبية
الضرر المعنوي: مصطلح جديد لم يذكر من قبل على ألسنة الفقهاء السابقين ولم يدون في كتبهم الفقهية، وقد عُرِف الضرر المعنوي من قِبل العلماء المعاصرين بتعريفات متعددة، كان من أهمها، بل وأصحها أنه ” كل أذى يصيب الإنسان في عرضه أو شعوره أو عاطفته”
فنخلص من هذا التعريف بأن الضرر المعنوي ليست فيه خسارة مالية؛ لأنه غير محسوس وغير ممكن تحديده وتقديره
والأضرار المعنوية لها أنواع كثيرة من أهمها : القذف والرمي بما لايوجب حد القذف ، والضرر الذي يصيب الإنسان بسبب اتهامه في دينه أو المساس بسمعته.
ومن أخطر أنواع الضرر المعنوي الذي قد يتعرض له الإنسان: الضرر الذي يلحق به نتيجة امتهان في معاملته أو تحقير في مكانته، وهذا قليل من كثير من الأضرار المعنوية التي يتعرض لها الإنسان من الأشخاص الذي يعيشون معه في المجتمع .
ومن صور الضرر المعنوي: بكاء القلب وهو نوع من البكاء بلا دموع يحدث عندما يتعرض الإنسان لشدة عظيمة يصعب على النفس تحملها فتتحجر العيون ويعتصر القلب من شدة الألم فيحدث ألم داخلي لا يشعر به أحد.
وهذه الصورة تعد أعظم صور الضرر المعنوي؛ لأن الإنسان يصل إليها بعد أن تُفنى كل طاقته ويصل إلى مرحلة اليأس والضعف وعدم الثقة بالآخرين فيؤدي ذلك إلى تجمد العين وصلابتها وبكاء القلب.
والشريعة الإسلامية: كما اهتمت بالجانب المادي الجسدي للإنسان وجعلت له أحكاما وقوانينا تحفظه وتحميه وتراعي جميع حالاته من الصحة والمرض وغير ذلك، اهتمت كذلك بالجانب النفسي المعنوي، فالنفس الإنسانية ومشاعرها من أهم الأمور التي اهتمت بها الشريعة الإسلامية؛ لأن الجسد كما يصاب بالتعب والمرض والإرهاق تصاب النفس كذلك أيضا بالتعب والإرهاق بسبب الأضرار المعنوية التي تتعرض لها .
فإذا كان الضرر العضوي والمادي يحدث خللًا جسديا، فالأضرار المعنوية تحدث خللًا نفسيا وجسديا وهذا أشد وأعظم حيث يصعب علاجها لأنها غير ملموسة.
لذلك كله نجد الشريعة الإسلامية قد جاءت بأحكام وقوانين تضبط تصرفات الناس وأقوالهم وأفعالهم فحرمت الضرر المعنوي بكل أنواعه وصوره؛ لأنه يؤدي إلى كسرة النفس والخاطر وبكاء العين والقلب .
والذي يدل على تحريم الضرر المعنوي : ماروي عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” لاضرر ولا ضرار ” فالتحريم في هذا الحديث عام يشمل كل أنواع الضرر فيدخل فيه الضرر المعنوي بكل أنواعه وصوره ؛ لأنه نوع من أنواع الضرر الذي يتعرض له الإنسان .
فيجب علينا جميعا : أن ننأى بأنفسنا عن هذا النوع من الضرر فقد يأتي أحدنا بصلاة وقيام وصيام وزكاة وحج وصدقات وكثير من الطاعات ولا تُقبل منه بسبب أنه تعدى على غيره وتعمد أن يؤذيه ويضره ضررا معنويا يؤثر على قلبه ومشاعره وأحاسيسه بل وكل جسده ، فرفقا بالقلوب والمشاعر والأحاسيس فإنها لا تُرى .
وقد اختلف الفقهاء المعاصرين في جواز التعويض بالمال عن الضرر المعنوي على قولين :
القول الأول : التعويض بالمال عن الضرر المعنوي غير جائز شرعا ، وهذا رأي مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بمدينة الرياض لعام 1421هـ .
وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ” فنهت الآية عن أكل أموال الناس بالباطل ، والتعويض بالمال عن الضرر المعنوي يُعد أخذ مال لا في مقابلة مال وهو من أكل أموال الناس بالباطل وهو محرم بنص الآية .
هذا بالإضافة إلى أن الضرر المعنوي ليس فيه خسارة مالية فلا يمكن تقديره بالمال بأي حال من الأحوال ، فضلا عن أن التعويض بالمال عن الضرر المعنوي لايرفعه ولا يُزيله ، فأخذ المال عند جرح الشعور أو بكاء القلب أو كسرة النفس لاتعود به إلى ماكان عليه من قبل من السلامة والحيوية بل تعتبر ضررمعنوي آخر؛ لأن التعويض عن كسر الخاطر وجرح الشعور وبكاء القلب لا يعوض أبدا بمال .
القول الثاني : التعويض بالمال عن الضرر المعنوي جائز شرعا .
وقد استدل أصحاب هذا القول بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ” لاضرر ولا ضرار ” فدل الحديث على تحريم الضرر بجميع أنواعه ومنها الضرر المعنوي فيكون الحديث دالا على جواز التعويض عن الضرر المعنوي .
ويجاب على هذا الاستدلال بأن : الحديث ليس فيه دلالة على الضمان المالي عن الضرر المعنوي الذي هو محل الخلاف فلا يصح الاستدلال به لأنه خارج عن محل النزاع .
والرأي الراجح والصحيح عندي : هو عدم جواز التعويض بالمال عن الضرر المعنوي.
وسبب ترجيحي لهذا الرأي: أن الضرر المعنوي لايرفعه ولايزيله أخذ المال مهما كان المال كثيرا ، والخسارة التي حلت بالنفس نتيجة الضرر المعنوي خسارة نفسية معنوية لايُمكن أن تُعوض ولا تقدر بثمن ، والضرر المعنوي أمر نفسي غير محسوس فلا يمكن تقديره لأنه يختلف باختلاف الأشخاص ومشاعرهم فلا يجوز التعويض عنه بمال .