بقلم الدكتور: عادل القليعي
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
آية كريمة من كتاب الله، لا يمكن بحال من الأحوال أن ندعها تمر علينا مرور الكرام دون أن نتأملها ونستشعر عظمتها فى قلوبنا وتتفقها عقولنا .
دعوة من الله تعالى إلى الجهاد في سبيله والذود عن دينه ، لكن أليس الله تعالى قادر على نصرة دينه ونصرة أهل الحق.؟!
الإجابة واضحة وضوح الشمس ، نعم قادر ، إذن لماذا دعانا فى أكثر من موضع فى القرآن إلى الجهاد فى سبيل نصرة الحق وأهله.
ليميز الله الخبيث من الطيب هذه واحدة ، أما الثانية لمصلحتنا نحن فالجهاد يشحذ الهمم و يقوي العزيمة .
وللجهاد فى سبيل طرق وأنواع كثيرة ، الجهاد بالنفس ، الجهاد بالمال ، الجهاد بالولد ، الجهاد فى سبيل العلم ، الجهاد في سبيل الإصلاح ويشمل إصلاح الأسرة ، إصلاح المجتمع.
أما النوع الأول الجهاد بالنفس ، بذل النفس فى سبيل الذود عن الأرض والدفاع عن العرض ، وقد يكون جهادا فرديا كالذي يدافع عن بيته وماله وولده وأسرته دفاعا عنهم ، فمن مات دون عرضه ، دون ولده ، دون ماله فهو شهيد ، بمعنى من قتل وهو يدافع عن كل أولئك فهو شهيد.
وقد يكون جهاد جماعي مؤسسي كالالتحاق بالمؤسسات العسكرية ، فأداء واجب الخدمة العسكرية جهاد في سبيل الله دفاعا عن الوطن وحفظ أمنه القومي وحفظه بيضته ضد أي متربص بهذا الوطن ، وهذا فرض عين لا فرض كفاية فرض عين على كل من يستطيع حمل السلاح للتصدي للعدو وهذا ما هو حادث الآن في حرب غزة أو بمعني أدق ، في العدوان الهمجي المجرم العشوائي على الأمنيين في غزة.
وعندما نادى المنادي حي على الجهاد هب الجميع لتلبية الواجب ، سلاحهم الإيمان بالله تعالى والإيمان بقضيتهم العادلة فقد أعدوا عدتهم ، أعدوا ما استطاعوه من قوة ، قوة الإيمان قبل قوة السلاح ، فإذا ما تغلغل الإيمان فى القلوب ، حتى لو كانت القاومة بحجر سيكون سلاحا فتاكا ورأينا هؤلاء عباد بالليل ورهبانا ، مجاهدون بالنهار ، رأيناهم وهم يدمرون أحدث الآليات العسكرية من جرافات لمركبات ودبابات بأسلحة بدائية ، ألا يدخلون هؤلاء تحت قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
كل فى مكانه ، الجندي ، الطبيب ، المسعفين ، الصحافي ، كل يؤدي دوره مع تفاوت فى المهام وتنوعها لكن هي أدوار ومهام تؤدي ولا يقل فيها الأجر فلله در الرجال فى غزة ، فلله در النساء المرابطات في ساحات المسجد الأقصى المبارك.
ولنا في صحابة رسول الله الأسوة والقدوة الحسنة ، يأتي الرجل ليبايع النبي صل الله عليه وسلم
فيقول أبايعك على أن أرمى بسهم ها هنا وأشار إلى مكان مقتله في حنجرته فألقى الله شهيدا وتمر الأيام ويتفقد النبي الشهداء ويقول لمن معه أهو هو قالوا نعم يا رسول الله ، فقال النبي ، لقد صدق الله فصدقه الله ونال الشهادة في سبيل الله تعالى.
ولنا في قادتنا العظماء الأسوة والقدوة الحسنة أبطال أكتوبر المجيد الذين روت دماؤهم الزكية رمال سيناء الحبيبة فنالوا شرف الشهادة وتذوقوا طعمها ، ففارقتنا أجسادهم لكنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله.
هذا هو النوع الأول من الجهاد ، الجهاد بالنفس.
أما النوع الثاني ، فهو الأخطر والأشد ، قلنا الجهاد بالنفس بذلها في سبيل الله ، أما هذا النوع فهو جهاد النفس ، قال عنه النبي صل الله عليه وسلم ، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأعظم ، قالوا وما الجهاد الأعظم ، قال جهاد النفس عن طريق تهذيبها وترويضها على العبادة وعلى الطاعة وكبح جماح شهوتها فالنفس منها الإمارة بالسوء ومنها الفاجرة المجرمة فكيف أروض هذه الأنواع وأهذبها هذا هو بيت القصيد ، نعم أشد أنواع الجهاد وأعظمه لماذا لأننا هنا سنصارع عدو خفي غير مشاهد يجري منا مجرى الدم من العروق. لذلك قال النبي عن هذا النوع الجهاد الأعظم ، لماذا لأن ألد أعداء الإنسان نفسه التي بين جنبيه فإن روضها على الطاعة فاز فوزا عظيما.
وإذا ما أتينا إلى النوع الثالث من الجهاد ألا وهو الجهاد بالمال ، فلا ينبغي بحال من الأحوال أن يبخل كل ذي سعة أن يجاهد بماله قدر استطاعته ، الإنفاق في سبيل الله جهاد في سبيل الله ، الإنفاق في سبيل المجهود الحربي ، الإنفاق على كفالة الأرامل والأيتام ، الإنفاق على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغارمين ، وللجهاد بالمال مكانة عند الله عظيمة لأن الله قال عن المال ويحبون المال حبا جما ، حتى المال مقدم على حب البنون ، المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، فانفاقه فى سبيل الله جهاد عظيم ولنا في صهيب الرومي القدوة الحسنة عندما ترك ماله لكفار قريش وهاجر خلف النبي ماذا كانت النتيجة ، استقبله النبي قائلا له ربح البيع أبا يحيي ، ربح البيع صهيب وقال عن هؤلاء ربنا جل وعلا إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.
نأتي إلى النوع الرابع من أنواع الجهاد جهاد الكلمة ، فإن من البيان لسحرا ، فالكلمات لها وقعها على المتلقي كوقع السحر أو أشد ، وجهاد الكلمة قد تكون مسموعة صوتا وصورة وقد تكون مكتوبة عن طريق كتابة المقالات التوعوية التنويرية ، وقد تكون عن طريق المناظرات سواء الدينية أو الفكرية لإثبات رأي وتعضيده بالدليل ، وأشد أنواع جهاد الكلمة وأخطره فن الخطابة سواء الخطب المنبرية التي تنير الطريق أمام المتلقي للوصول به إلى العلم والمعرفة فهذا جهاد في سبيل الله إذا ما وظفت الكلمة توظيفا صحيحا بمعني أن تكون الكلمة فى محلها تقر يقينا ولا تشكك وتزعزع المعتقدات في قلوب من يسمعها وهذه كلمة قال عنها النبي ، لا يزال الرجل يتفوه بالكلمة في رضا الله فتدخله فراديس الجنان ، تلك هي الكلمة الطيبة.
أما خامس أنواع الجهاد بالأولاد ، وهو نذر الأولاد للجهاد في سبيل الله تعالى ، فنجد الأب و الأم يحثون أبنائهم على الجهاد في سبيل الله ويربوهم على فضيلة الجهاد وبذل النفس فى طاعة الله ولنا في صحابيات رسول الله الأسوة والقدوة وفي نساء غزة الفضليات المثل الأعلى ، فقد سمعناها وهم يودعون أبنائهم بالزغاريد وهم في طريقهم للمعارك ، ويستقبلونهم بالزغاريد أيضا بعد أن نالوا شرف الشهادة.
وسادس أنواع الجهاد، الجهاد في سبيل العلم فقد قال عنه النبي ، من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ، فطلب العلم فريضة ، نعم مسالك العلم وعرة وليست سهلة لكن على المؤمن طلب العلم سواء كان علما شرعيا أو علما عمليا ، بما يتحقق معه ومن خلاله نهضة الأمة فما علمنا أمة قامت على الجهل ، هذا من ناحية تحصيله ، ومن ناحية إيصاله للآخرين وعدم كتمانه ، يقول النبي صل الله عليه وسلم خيركم من تعلم العلم وعلمه ، خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، وسبل إيصاله كل في مكانه ، أستاذ الجامعة ، قاعات الدرس ، الندوات ، المؤتمرات ، المعلم في مدرسته ، الإستماع إلى الطلاب ، تنمية الحس النقدي لديهم ، الصبر على تحصيله وإيصاله أيضا للآخرين.
وسابع هذه الأنواع ولا يقل فى الأهمية عن الستة السابقة ، الجهاد في سبيل الإصلاح ، عن طريق انتهاج منهجا اصلاحيا على مستويين ، المستوي الأسري ، تقويم وتهذيب الأسرة الصغيرة ، تربية الأبناء التربية الصالحة النافعة عن طريق شرح صحيح الدين بعيدا عن التطرف والمغالاة والصبر على الأولاد والدعاء لهم بالصلاح ولنا في الفضيل بن عياض القدوة الحسنة عندما قال ، اللهم أصلح لي أولادي ، وإصلاح الزوجة وتهذيبها بالقول المعروف وبالمعاملة الحسنة وتقويمها إن رأي فيها زوجها اعوجاج.
أما بالنسبة لإصلاح المجتمع أن ينتهج كل واحد في مكانه منهجا إصلاحيا عن طريق القول الحسن لا عن طريق الشتم والصوت المرتفع وليكن منهجنا الإصلاحي رائده قوله تعالى ، إن أريد إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله.
إن صلاح المجتمع وتقويمه سيحقق الغاية المرجوة ألا وهي تحقيق السلم والأمن الروحي والنفسي وتحقيق الطمأنية لأفراد هذه المجمعات بما يتحقق معه الرفاهية ورغد العيش.
إن الجهاد في سبيل الله غاية قصوى لا يبلغها إلا من أخلص لله تعالى وتحقق إيمانه ، وإذا ما حدث ذلك سيصدق عليه قوله تعالى
“والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”
صدق الله العظيم
ومن أصدق من الله حديثا.
ومن أصدق من الله قيلا.