د. مسعد الشايب: ربط مليئ بالعظات وللتذكير بنعم الله
د. محمد الصفتى: الرفق بأصحاب الأعمال الشاقة
تحقيق- سمر هشام
نفى علماء أن يكون ارتفاع درجة الحرارة التي تعاني منها البلاد حاليا غضب إلهي. مؤكدين أن هذا الارتفاع الجنوني لدرجة الحرارة هو نتاج لأسباب طبيعية وبيئية وبشرية لاعلاقة لها بالعقاب الإلهي للبشر، فهى ظواهر كونية ليست دليل نقمة أو علامة غضب من الله على عباده، حيث كانت موجات الحر تحدث كثيرا في زمن النبوة، وتضرب الناس وتؤذيهم في أنفسهم وممتلكاتهم مع أنه كان خير الأزمان وفيه أفضل الناس تقربا إلى الله.
أوضحوا أن تلك الظواهر الطبيعية تدل على قدرة الله الباهرة، وآياته البينات، كما تنبئ كذلك– لمن يعقل– عن دلائل مصغرة لما أخبرنا الله عنه من وقائع يوم القيامة من ثواب وعقاب ونعيم وعذاب .
بداية يقول د. مسعد الشايب– دكتوراه في علوم القرآن-: شهدت مناطق عديدة في أنحاء العالم ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، وهذا له أسبابه الطبيعية، والبيئية، والبشرية أيضًا، ومن الغلو في الفتوى ومن التطرف فيها ادعاء أن هذا الارتفاع هو غضب إلهي، وأبسط ردّ على هذا الزعم أن هذا الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة قد أصاب أشرف الأماكن وأعظمها في موسم الحج هذا العام 1445هـ، حيث بلغت الحرارة (50) خمسون درجة ويزيد، فهل الحق تبارك وتعالى كان غاضبا على الحجيج؟!
ويشير د. الشايب إلى إن ارتفاع درجات الحرارة مليئ بالعظات والعبر، وساقه الحق لحكم متعددة منها: التذكير بنعمة تقلّب الفصول وتغيرها، فهذا صيف وذلك شتاء، ربيع، خريف، ويجب التذكير بنعم الله المتعددة علينا، التي تخفف من شدة ارتفاع درجات الحرارة كنعمة الكهرباء والمراوح، والتكييفات، والتبرد بالماء، والملابس القطنية…الخ، وصدق الله إذ يقول: “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ” {النحل-81} .
يضيف: إنها تذكر عظيم لما كان عليه النبي والصحابة من الإخلاص والعمل لله، فقد هاجروا وجاهدوا وسافروا وتعلموا…الخ في مثل درجات الحرارة هذه بدون النعم التي أنعم الله بها علينا لنخفف بها ارتفاع درجات الحرارة، وعلى سبيل المثال فإن آخر غزوات النبي، غزوة العُسْرَة المعروفة بغزوة تبوك، حيث خرج النبي في مثل هذه الدرجات الحرارية أو أشد حتى حكى القرآن عن المنافقين قولهم: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ” {التوبة-81} .
وختم د. الشايب: فتح باب الدعاء والرحمة للمؤمنين، فقد قال نبينا: “إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ”، والتذكير بحر جهنم وحر الأخرة، واقتراب الشمس ودنوها من رؤوس الخلائق يوم القيامة، وغرق الناس في عرقهم، فنبينا يقول: “تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رُءُوسِ النَّاسِ قَابَ قَوْسٍ– أَوْ قَالَ: قَابَ قَوْسَيْنِ– وَتُعْطَى حَرَّ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ عَلَى بَشَرٍ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ طَحْرَبَةٌ (شيء يظلل عليه)، وَلَا تُرَى يَوْمَئِذٍ عَوْرَةُ مُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يَضُرُّ حَرُّهَا يَوْمَئِذٍ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَةً، وَتَطْبُخُ الْكَافِرَ طَبْخًا حَتَّى يَقُولَ جَوْفُ أَحَدِهِمْ: غِقْ غِقْ ” .
ظواهر طبيعية
من جانبه يؤكد د. محمد الصفتى- مدير إدارة شئون مجالس الإدارات بوزارة الأوقاف- أن الله تعالى خلق هذا الكون وأبدع صنعه، وجعل فيه نعما كثيرة ظاهرة وباطنة، ففيه ألوان الجمال والروعة في اعتدال الأجواء والنسيم العليل، والمياه الجارية والأشجار المثمرة والزهور المشرقة وروائحها المنعشة، وجعل فيه تعاقب الليل والنهار، والشمس والقمر، والجفاف والمطر، والحر والبرد، والحركة والسكون، والظلمات والنور؛ “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ” {سورة النحل}، وقوله “وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ” { فاطر- 19: 21}.
ويشير د. الصفتى إلى أن تلك الظواهر الطبيعية تدل على قدرة الله الباهرة، وآياته البينات، كما تنبئ كذلك– لمن يعقل- عن دلائل مصغرة لما أخبرنا الله عنه من وقائع يوم القيامة من ثواب وعقاب ونعيم وعذاب، فمن ثمرات تبدل أحوال الطقس أخذ العظة والعبرة والتأمل في تغير الأحوال وتبدل المواقف، فمن استلهمها واعتبر بها فقد أفلح وأنجح، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” {سورة ق- 37}، فهى ظواهر كونية ليست دليل نقمة أو علامة غضب من الله على عباده، فكانت موجات الحر تحدث كثيرا في زمن النبوة، وتضرب الناس وتؤذيه في أنفسهم وممتلكاتهم مع أنهم خير القرون وأفضل الناس تقربا إلى الله في العبادة والطاعة والأخلاق والمعاملات والسلوكيات.
ويؤكد د. الصفتى ضرورة مراعاة الشريعة للضعف البشري وحرصها على سلامة النفس، ومن ذلك تأخير أداء صلاة الظهر، فقد أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ الظُّهْرَ، فَقَالَ: «أَبْرِدْ أَبْرِدْ» أَوْ قَالَ: «انْتَظِرِ انْتَظِرْ» وَقَالَ: «شِدَّةُ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ» حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ. وهذا التأخير في أداء الصلاة الظهر حتى لا يشق على الناس في ذهابهم إلى المساجد وإيابهم، فمن السنَّة هنا أن تأخّر صلاة الظهر إلى حين يبرد النهار وتنكسر شدة الحر، والمقصود من كلمة: (فيح) سطوع الحر وفورانه وهيجانه. وجاء في الحديث أيضا: «الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ».
أضاف: ما ورد في عتاب المنافقين لتراخيهم في الجهاد وقت الحر، فهذه حالة ضرورة والعدو قد يستغل مثل هذه الأوقات للإغارة على الوطن ومقدراته، وانتهاك حرماته وإزهاق الأرواح والسعي في الأرض بألوان الفساد، وإهلاك البلاد والعباد، فكان لزاما على المجاهدين التحامل على أنفسهم وركوب المشاق للدفاع عن الدين والوطن، “فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ” {التوبة –81} .
ونصح د. الصفتي: يستحب مع ارتفاع درجات الحرارة مراعاة ظروف الناس والتخفيف عن أصحاب الأعمال الشاقة، وأيضا توفير الماء البارد للمارّين في الشوارع، وكثرة الاستغفار، والتعوّذ بالله من النار، والصيام لمن قدر عليه، زيادة في التقرب إلى الله.