إيهاب نافع
لم يكن خافيا على كل لبيب ما تعانيه المؤسسة الدينية من اختلافات في وجهات النظر، تسببت في تعثير متعمد من اجنحة بعينها لأجنحة أخرى، الأمر الذي أوجد بابا لتدخل من قبل غير المخلصين مما زاد حجم الشقاق، وأوسع دائرة الاختلافات، ليوجد خلافات بعثرت الجهود، ونالت من وحدة الأهداف، والتوحد في سبيل تحقيقها.
ولست هنا أجدد الجراح بل أوصف أمرا يسيراً، يشخص ملامح بسيطة للغاية من واقع مرير عايشناه وعبرنا عن عظيم استيائنا منه، لكننا ونحن نشهد تلك اللحظة الكاشفة لتلك الغمامة التي نالت من بياض العمامة، يبدو أننا على أعتاب فترة تاريخية جديدة يتجرد فيها الجميع من هواه، ويجدد النية في الإخلاص لله ثم لديننا ووطننا وأمتنا والبشرية جمعاء.
وزير واعد
فلكم كنت أترقب كما كثيرين مثلي ما الجديد الذي يمكن أن يمثل قاعدة إنطلاق جديدة للمؤسسة الدينية مع تعمد الدولة تجديد الدماء فيها بشاب فقيه واعد، من طراز الأزهريين الأعلام، قارئ وفقيه ومجدد، لا سطحية في فكره، ولا مصادفة في خطواته، بسيط في مظهره، عميق في جوهره وفكره وإخلاصه للدين والوطن، والشواهد على ذلك كثيرة، أقف فقط عند آخر مواقفها، حينما خرج متجردا لله تعالى ليتصدى منفرداً وبصدر عار لمعركة فكرية تعد من أشرس وأقوى معاركنا الفكرية في العام الأخير، حين تصدى لفتنة “تكوين”، وأهل الفكر أعلم بما كان حولها من أطر جعلت الفقيه حيرانا، أيشتبك؟! أم أن الرد سيمثل خطراً؟! بما أنهم أشاعوا أنهم محميون بمظلات حماية يصعب معها الاشتباك.
زيارة المهام المتعددة
وهنا أثمن لوزير الأوقاف الشاب الأزهري المقدام فضيلة العلامة الدكتور أسامة الأزهري إقدامه على ثلاثة بل أربعة أمور أولها إبطالة فتنة “تكوين”، وثانيها قبوله، بعد عدة عروض متتالية، تحمل مهمة وزارة الأوقاف، وثالثها مبادرته المهمة بالتأكيد على الاصطفاف التام الكامل لكافة مكونات المؤسسة الدينية خلف قائدها العام فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ورابعها مبادرته بزيارة فضيلة الإمام الأكبر لتأكيد تلك المعاني النبيلة المهمة، ليقضي بذلك على مخاوف تسربت من استمرار حالة عدم الوفاق الكامل بين المشيخة والوزارة، خاصة وأنه لم تبادر المشيخة ببيان تهنئة ومباركة بتكليف الوزير الجديد، واكتفت ببيان تهنئة لكامل الحكومة الجديدة.
ومن الأوقاف إلى الإفتاء إذ جاءت زيارة فضيلة المفتي الدكتور شوقي علام، لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لتهنئته بنجاح جولته الأخيرة في دول ماليزيا وتايلاند وأندونيسيا، مباركة لنجاح المهمة، ومباركة أيضا للتوجه المهم والمرعي والمدعوم من السيد الرئيس، وكافة أجهزة الدولة المصرية، لتأكيد الاصطفاف الكامل للمؤسسة الدينية خلف فضيلة الإمام الأكبر.
ولست هنا أخفي كذلك تقديري للجهد الكبير الذي بذله فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، الذي أدى مهمته باقتدار، رغم ما للبعض من مآخذ عليها، فنحن بشر والكمال لله وحده، لكنه أيضا حسنا فعل بزيارته فضيلة الإمام الأكبر، لأمرين أولهما التهنئة بنجاح مهمة فضيلة الإمام وزيارته الناجحة لآسيا، ثم تجديد الولاء والعودة من جديد للتدريس في جامعة الأزهر، إذ عاد أستاذا بالجامعة في اليوم التالي مباشرة لانتهاء مهمته وزيراً، وهو رجل اعتقد ألا يستغنى عنه في كامل المرحلة المقبلة.
مجلس للمؤسسة الدينية
ويبقى المهم في كل ذلك أن المؤسسة الدينية أضحت الآن وقبل أي وقت مضى في حاجة ماسة لتشكيل مجلس أعلى يرأسه فضيلة الإمام الأكبر ويضم في عضويته وزير الأوقاف وفضيلة المفتي، ونقيب السادة الأشراف، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، والأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي، ورئيسا اللجنة الدينية بمجلس النواب والشيوخ، ووكيل الأزهر، ورئيس جامعة الأزهر، وأمين عام مجمع البحوث الإسلامية، واعتقد أن التئام هذا المجلس لاجتماع شهري أمر في غاية الأهمية، ويتولى وزير الأوقاف مسئولية أمانته العامة، ويجري المضي في خطة شاملة لتجديد الخطاب والفكر الديني معا بشكل متزامن ومتوازي خدمة للدين والوطن والأمة كلها، واعتقد أن خطوة كهذه ستباركها الدولة بكافة أجهزتها .
الأمر الآخر حان الوقت لاستعادة مؤتمرات الأوقاف والإفتاء لمكانتهما الدولية بثقل يعظم من نجاحها وتحقيق أهدافها وهنا أقصد وأعني ما أقول بأهمية وضرورة أن يستجيب فضيلة الإمام الأكبر لدعوات وزارة الأوقاف ودار الإفتاء لحضور مؤتمريهما السنويين، بما يحقق عدة أهداف أولها نفي حالة الخلاف أو الاختلاف التي سادت في السابق، ثانيها تنسيق الجهود في إطار وحدة الأهداف، ثالثها تعظيم قوة الحضور، فعند حضور فضيلة الإمام فإن ذلك يعني حضورا لرئيس الحكومة وكامل السادة الوزراء المعنيين بالأمر فضلا عن اتساع دائرة التأثير الدولي.
الإمام والبابا
إننا لنتذكر كيف كانت منصة المؤتمر السنوي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تضج بساكنيها فكلمات شديدة القوة ورسائل قوية الدلالة من شيخ الأزهر يقابله كلمة لقداسة البابا ثم كلمة الدولة ممثلة في رئيس الحكومة حضوريا لا بالإنابة، وكانت هناك خلافات كذلك تحدث بين الإمام والوزير أحيانا لكن صورة مصر كانت أكبر من كل ذلك.
إن مصر لتترقب مبادرة تليق بإسمها من المؤسسة الدينية في تلك المرحلة شديدة الحساسية في عمر أمتنا الإسلامية التي تكالبت عليها الأمم، فلم يعد ثمة وقت لخلاف يذكر، أو حجة تذكر، وإن كان ثمة خلاف فقد زال بزوال من تسببوا فيه، ويبقى الأمل يتعلق بالتجرد الكامل للدين والوطن والأمة والبشرية جمعاء.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وأزهرها كعبة العلم وحارس اللغة العربية والدين الإسلامي بوسطيته واعتداله.