الاختلاف سنة كونية.. لكن «الوحدة في التنوع»
كتب مصطفى ياسين
أكدت الباحثة نجلاء محمد عبده سليمان، أن الاختلاف وجد منذ أن خلق الله الإنسان على هذه الأرض سواء فى الجنس أو العرق أو المعتقد، وقد اقترنت اختلافات بني البشر فى معظم المراحل التاريخية بالصراعات التى تعددت أسبابها إما عرقية وكان من نتائجها سياسة التطهير العرقي، وإما دينية تجلت فى شكل صدام وحروب بين الأديان السماوية الثلاث والتاريخ حافل بهذا النوع من الصراع، ومع أن معظم الحروب فى العصر الحديث كان منطلقها سياسيا، إلا أن الاختلاف العرقي والمذهبي كان له دور كبير فى تأجيج هذه الحروب.
جاء ذلك في رسالتها لنيل الدكتوراه بعنوان”التنوع الديني وأثره على الاستقرار في إندونيسيا”، وقد حصلت على بتقدير ممتاز، وناقشها: د. محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، د. أحمد محمد قمر، استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بآداب الزقازيق، د. السيد يونس، العميد الأسبق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر فرع تفهنا الأشراف، د. ماهر سمير عطاالله، رئيس قسم الأثار الإسلامية ووكيل كلية الآثار بالزقازيق.
أشارت إلى أن تلك الاختلافات أصبحت ولا تزال فى ظل مفهوم الدولة الحديثة مصدر تهديد لاستقرار الدول التى تتشكل من طوائف متعددة بسبب صعوبة التوفيق بينها والخروج بقرارات سياسية تراعي كافة الحقوق الاجتماعية والسياسية للمواطنين.
مشيفة: ومن هنا تبرز الطائفية الدينية كإشكالية متعلقة بكيفية تمثيل جميع الطوائف على الساحة السياسية، وقدرة النظام على استيعاب التعددية المذهبية من دون الإضرار بأي حق من حقوق الطوائف، فالتنوع في جوهره إقرار بالحرية والاختلاف والتعايش السلمي على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وفي فلسفته هو حقيقة فطرية وسنة كونية وقانون حياتي ونعمة إلهية.
حقيقة فطرية لأن الناس لا يعيشون وفق اتجاه واحد في الحياة، ولا بذوق وتفكير ونمط وسلوك ومنهح واحد، وقانون حياتي لأن تعدد مواهب الإنسان واختلاف طبائعه وتنوع علومه وأعماله هي من شروط الإحتماع الإنساني ،ولأن الدين يعتبر أهم وأقوى وسيلة من وسائل الضبط، من خلال ما يقوم به من وظائف في حياة الفرد والمجتمع واستقرار النظم الاجتماعية، لذلك اهتم علماء الاجتماع بدراسته ووضعه على قمة النظم الاجتماعية.
مشيرة إلى أن الدين نظام اجتماعي شامل لا يسمح لأي فرد أن يكون له رأي خاص فيه، أو يسلك سلوكاً خارجاً عليه، فالدين يضبط سلوك الأفراد في المجتمع بالثواب والعقاب لا في الحياة الدنيا فحسب بل في الدار الآخرة أيضاً.
التعددية الدينية والعرقية
أضافت: وتعد التعددية من الأمور التي شغلت عقول المفكرين والمصلحين، وتبارت في ميدانها أقلام الكتاب والباحثين، وقد تجلى الحوار عن التعددية كثيراً تبعاً على ظهور الوقائع العنيفة، وذلك أيضا لأن التعددية الدينية موجودة في المجتمع كزعم للحقيقة مطلقة بين الأديان التي تتعارض مع بعضها البعض، وعلى الرغم من كل ذلك، أصبحت التعددية الدينية من الحقائق الاجتماعية التي يجب أن يواجهها المجتمع، وهذا ما يعرف الآن بالتعددية الدينية ،حيث تشكل التعددية الدينية والعرقية مشكلة في كثير من المجتمعات، تجعل من الدول مواجهتها وإدارتها، مما قد يهدد وحدتها الوطنية، وربما بقاءها كلياً أو جزئياً، ويرجع البعض ذلك إلى غياب ثقافة التسامح الديني وانتشار مظاهر التعصب الديني والعرقي، لكن بعض الدول في جنوب شرق آسيا استطاعت تجاوز مشكلة التعددية الدينية.
نموذج للتسامح
وقدمت الباحثة نموذجاً للتسامح الديني ومنها إندونيسيا، فكيف واجهت التحديات الناجمة عن التعددية؟ وكيف استطاعت توظيف الدين من عنصر نزاع وصراع إلى عامل مؤثر في حفظ النسيج الوطني والاجتماعي؟ وما أهم مبادرات الحوار والتعايش في إندونيسيا؟ وأبرز التحديات والعوائق التي تواجه التسامح والحوار بين أتباع الأديان.
أوضحت أن إندونيسيا وفقا للتنوع الذي تطرقنا إليه، أصبحت تحوي على امتدادات تراثية لكل من الهند والصين وأوروبا والشرق الأوسط ،فالتنوع الثقافي كان على مدى قرون كبيراً ومعقداً على نحو فريد وكانت المكونات التراثية المختلفة في حالة من التعليق تمكنت فيه الرؤى وطرق الحياة المختلفة وحتى المتعاكسة من التعايش فيما بينها وان لم يكن ذلك من دون توتر أو دون عنف، فقد كان على الأقل بنوع من التنسيق القابل للعمل حيث ينال كل طرف ما له من حقوق.
واكدت إن استيعاب هذا التنوع الديني واللغوي والعرقي أسهم في بناء عقيدة النظام الأساسية فأصبح شعار إندونيسيا الوطني هو: «الوحدة في التنوع»، مشيرة إلى أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن دولة إندونيسيا من إحدى أكبر البلدان المعروفة بالثقافات المتعددة في العالم، وهذا بسبب الظروف الثقافية والاجتماعية ،والمجموعات العرقية، والثقافات، والتنوع الجغرافي الواسع، ووفقا لإحصاء السكان من BPS 2010 وكالة الإحصاء المركزية يوجد في إندونيسيا أكثر من 300 مجموعة في البلاد وبهذا تتكون إندونيسيا من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة منتشرة ومتفرقة سياسيا، عبر العديد من الجزر ،ولكن لا يرى تنوع الأمة الاندونيسية بسبب فقط الأنواع المختلفة للمجموعات العرقية، ولكن أيضا من تنوع الأديان التي يلتزم بها السكان، ثم بناء الحياة الدينية المتناغمة في المجتمعات ذات الخلفيات الدينية المختلفة بسبب التسامح الذي يحترم الاختلافات،
وقد وضعت إندونيسيا الهوية المشتركة التي تحددها لغة وطنية؛ أما التنوع العرقي والتعددية الدينية فقد وضعا ضمن أغلبية السكان المسلمين، ويجمعهم تاريخ الاستعمار والمقاومة والتمرد ضد هذا الاستعمار.
ففي إندونيسيا يتبين أن الحرية الشخصية ممثلة في حريات عدة وهي: حرية الذات، حرية المأوى، حرية الملك، حرية الاعتقاد، حرية الرأي، وحرية التعليم، ففي تأمين الفرد على هذه الحريات كفالة لحريته الشخصية، وهذا أيضا ما قرره الإسلام في شأن هذه الحريات.
وتوصلت الباحثة إلى مجموعة من التوصيات أهمها: يجب نشر ثقافة التنوع والتعددية، لأن دفاع أتباع كل دين عن معتقداتهم وما يدينون به لا يعني الهجوم على الأديان الأخرى والتشكيك فيها وإثبات تفوق دين على آخر.
ترسيخ فهم وظائف الدين، أي الاجتماعية ومقاصده الإنسانية الكبرى، ورفض مفهوم الدولة الدينية التي تقوم على سلطة رجال الدين، واحتكارهم القرارات واحتمائهم بسلطة المقدس، لأنها تتنافى مع العقلانية والحرية والتعددية.
أهمية دراسة تجربة إندونيسيا التى تقوم على الحوار والتفاعل بين أطراف المجتمع، انطلاقا من أرضية الاعتراف الأصلي بالتعددية، بينما تقوم النظم الاستبدادية على إقصاء كل أدوات تنظيم الاختلاف لصالح إثنية واحدة وعرقية واحدة.
يجب تغليب الأطر والمرجعية الإنسانية بالدرجة الأولى في التعامل مع الآخر، بغض النظر عن اللون أو الجنس والدين أو المذهب.
أهمية التعريف بسياسات التسامح كاستراتيجيات لحفظ التعددية في المجالات العامة وربطها بحركة الحياة والتفاعل بين عناصر المجتمعات.
واقترحت الباحثة دراسة ثقافة التسامح والحوار والتعايش بين المناهج الدراسية للأجيال الشابة حتى يتدربوا ويفهموا أن هذه المفاهيم من طبيعة الحياة المشتركة. وكذا وضع تشريعات قانونية وسياسية متطورة وذات صلة لجعل التنوع مصدراً من مصادر الحياة المشتركة وتنقية القوانين واللوائح والبرامج السياسية التي تخالف هذه القاعدة.
وطالبت بزيادة البعثات من الأزهر الشريف إلى إندونيسيا وكذلك توسيع الشراكات بين الأزهر وإندونيسيا من أجل جذب مزيد من طلاب العلم إلى الأزهر.