بين يدى الحديث عما بدأناه فى المقال السابق، أتقدم بخالص العزاء لشهداء الإهمال فى سكك حديد مصر، مذكراً بما قلته مراراً بأن الإهمال والفساد قد يكون أشد خطراً من الإرهاب، وها هى أعداد ضحايا الفساد والإهمال فى حادث انفجار جرار القطار فى محطة مصر تزيد كثيراً على ضحايا بعض العمليات الإرهابية الضخمة.
رحم الله الشهداء وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وحفظ الله مصر من كل مكروه وسوء.
وأعود لاستكمال ما بدأت فى المقال السابق، فأقول: الولاية على الوقف سلطة شرعية جعلت لكل عين موقوفة، فلا بد للموقوف من ناظر يدير شؤونه، ويحافظ على مصلحته من صيانة وعمارة وتنمية وحفظ وصرف لغلته على مستحقيها.
وإذا كانت الأموال بصفة عامة بحاجة إلى من يقوم بحفظها وتنميتها وتدبير شؤونها كى لا تكون مهملة ومعرضة للتلف والضياع، فالأموال الوقفية أحوج ما تكون إلى هذا، وذلك لعدم وجود مالك خاص لها، ولأن الناظر عليها لم يبذل جهدا فى إيجادها وجمعها، فلو تركت من غير راع لها لم يتحقق الغرض المقصود منها، وكانت عرضة للخراب والتلف، أو النهب والاستيلاء عليها، أو على ريعها بغير حق، ولذا جعل الشارع الولايةَ على الوقف حقا واجبا، فلا يجوز أن يوجد وقف من غير ولاية تحميه وتعمل على مصلحته، ولا خلاف يذكر بين أهل العلم فى وجوب التولية على الأوقاف، سواء كان ذلك ولاية خاصة أو عامة.
ويدل على وجوب التولية على الوقف الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب حفظ المال وتحريم إضاعته، ووجوب رعاية الأمانات وأدائها لأصحابها، كما يدل عليه تولى من أوقف من الصحابة لأوقافهم، أو جعلها لمن يثقون به فى حياتهم أو بعد مماتهم.
وقال الإمام الشافعى رحمه الله: “أخبرنى غير واحد من آل عمر وآل على: أن عمر ولى صدقته حتى مات، وجعلها بعده إلى حفصة، وولي على صدقته حتى مات، ووليها بعده الحسن بن على رضي الله عنهما، وأن فاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وليت صدقتها حتى ماتت، وبلغني عن غير واحد من الأنصار: أنه ولي صدقته حتى مات”.
فالولاية على الوقف ضرورية لصلاح الوقف وعمارته، وتنفيذ شروط الواقف، وصرف غلته في مصارفها الشرعية، وإذا لم يكن له ناظر خاص وجب على الدولة بحكم ولايتها العامة: أن تتولى النظارة عليه.
وقد استقر عمل المسلمين قديما على إنشاء ديوان للأوقاف، وإسناد الإشراف على الأوقاف للقضاة لحفظ مصلحة الوقف، وتعيين ناظر عليه، ومحاسبته في حال التعدي أو التفريط.
ومع توسع الأوقاف وكثرتها وتنوع مصارفها، ونتيجة لضعف الإيمان وقلة الورع عند كثير ممن يتولون النظارة على الأوقاف العامة، مما تسبب في ضياعها أو تلفها، ووقوع الظلم والعدوان عليها من النظار وغيرهم، وكثرة الشكاوى فى المحاكم، وخروجها عن مقاصدها، أسندت هذه الولاية في العصر الحديث إلى وزارات الأوقاف في معظم البلدان الإسلامية، لتتولى النظارة على الأوقاف، ورعاية شؤونها، والمحافظة على أعيانها، والاستفادة التامة من غلاتها، وصرفها إلى مستحقيها.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.