إلي أهل الابتلاء، إلى كل من أرقده في الفراش مرضه، إلي من مات ولده، وإلي من اشتد عليه كربه، إلي أهل الابتلاء في شتي أرجاء الأرض وما أكثرهم، أبشر فأنت في معية الله، أبشر أنت تحت رحمة الله، وإليك البُشرى من الله!
قال الله: “ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين” وسئل رسول اللّه- صلى اللّه عليه وسلم-: من أشد الناس بلاءً يا رسول الله؟ فقال: “الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل”.
ويؤتي يوم القيامة بأهل الابتلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، ويصب عليهم الأجر صبا، حتي أن أهل العافية ليتمنون في هذا الموقف أن أجسادهم قُرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله لهم.
إعلم رعاك الله، أن المرض بلاء، والحزن بلاء، والفقر بلاء، وابتعاد الناس عنك بلاء، والديون بلاء، وموت أقرب الناس بلاء، وفراق الأحبة بلاء، حتي خذ الشوكة بلاء، وكل ضيق بلاء.
والكل مُبتلي فلا نعيم علي تلك الدنيا وليس علينا إلا أن نجاهد البلاء بالصبر واحتساب الأجر عند الله.
علينا أن نصبر علي ما أصابنا، فالصبر واجب علي العبد وكما قيل: الصبر مرٌّ مذاقه ولكن عواقبه أحلي من العسل.
وثلاثة أعمال لا تدخل الموازين يوم القيامة لعظم أجرها، وأجرها علي الله، ألا وهي: الصبر والعفو عن الناس والصيام.
والصبر “إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب”. فلم يحدد الله لهم أجرا.
والعفو عن الناس، قال الله: “فمن عفى وأصلح فأجره علي الله” أيضا لم يحدد الأجر.
والثالثة: الصيام، فقال صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن رب العزة سبحانه-: “كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، ولم يحدد الأجر.
ويناديٰ يوم القيامة: أين الذين أجرهم علي الله؟! فيُقبل الصابرون والعافون عن الناس والصائمون.
واحذر أن تملَّ من الصبر، وإياك أن تسخط من الابتلاء، فلو شاء ربك لرفعه عنك في طرفة، فالله تعالي لا يخفي عليه ما بك، ولا يخفي عليه رجاءك، ولو شاء لأذهب عنك البلاء، ولسدد عنك دينك، ولقضي لك حاجتك، ولكن تعالي يحب السائلين بإلحاح، حتي يكون جزاؤهم عظيما. {إني جزيتهم اليوم بما صبروا} لا بما صاموا ولا بما قاموا ولا تصدقوا.
وقال الرحمة المهداة- صلى الله عليه وسلم-: “إن عظم الجزاء من عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فلهُ الرضا، ومن سخط فلهُ السخط”.
والصبر إما صبر على المأمور، وهو صبر على الطاعة، وإما صبر على المحظور وهو صبر على المعصية، وصبر على المقدور وهو البلاء.
فلا تجزع إذا ابتلاك الله واشكره علي ما أتاك فقد أحبك حين ابتلاك، وعليك أن تسير بالبلاء إليه، فكل بلاء يسير بالعبد لربه فهو عين الحب، وعلينا أن نرضي بالمقسوم ففرج الله علينا محتوم، وما من نفس إلا وستذوق البلاء وتذوق الفرح، فمهما كبر علي العبد البلاء فالله أكبر، ومهما طال البلاء فالجنة أطول، ومهما اشتد فالفرج أقرب، وسيجبرك الله جبراً يليق به وليبلغن جبره ما أصابك وليُصلحن رحمته حزنك.
واعلم رعاك الله، أن الدنيا ما هي إلا أيام يداولها الله بين الناس، فهي أيام لا شهور ولا أعوام، وسيرحل البلاء والحزن، عليك أن تعي بأن الحياة تكتمل بأشياء وتنقص بأخري ليست حظوظ ولكنها أقدار وأرزاق يوزّعها الله كيف شاء وعلي من يشاء وسيرحل الجميع من علي الدنيا وهو أخذ لحقه.
وعلينا إذا جاءنا بلاء من هَمٍّ أو حَزَن أن تتقرب إلي الله بالدعاء حتي يكشف الله عنا الهم والغم، فيروي بأنه ما أصاب المسلم هم ولا غم، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي وذهاب همي وغمي، من قال هذا الدعاء أذهب الله عنه همه وغمه وحزنه وأبدله مكانه فرحا.