لم تكن رحلة الإسراء والمعراج معجزة تمر على الناس كأىّ معجزة إنما كانت معجزة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فحدث الإسراء والمعراج من أعظم الأحداث التى حدثت لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أُسرِى به ليلا من المسجد الحرام فى مكة إلى بيت المقدس فى فلسطين ثم عُرج به إلى السموات العلا عند سدرة المنتهى فهى معجزة إلهية تجلت فيها إرادة الله عزوجل وقدرته وعظمته.
فلقد منَّ الله على نبيه وحبيبه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأكرمه بكثير من المنح والعطايا والمزايا خلال هذه الرحلة المباركة .
والناظر فى كتاب الله عزوجل يجد أن حادثة الإسراء وردت في أول سورة الإسراء والتى تتوسط القرآن الكريم . قال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
هذا إن دل فإنما يدل على مدى أهمية هذه الحادثة وعظمتها وتأثيرها على مسار الدعوة الإسلامية , فهى من المعجزات التى أيدت صدق ونبوءة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) والرسالة النبوية التى بُعث بها .
وقد أراد الله عزوجل أن يخفف وطأة الحزن التى شعر وأحس بها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بعد كثير من الأحداث المؤلمة التى ألمت به كوفاة عمه أبى طالب وزوجته خديجة رضى الله عنها وتزايد أذى المشركين عليه وعلى صحابته الأطهار وذهابه لعرض الدعوة على أهل الطائف وعودته من هذا المكان وقد أصابه من الأذى ما أصابه وعزّت على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه أن لا تلقى دعوته قبولاً عند الناس ولكن الله عز وجل وحده هو الذى يعلم بقوته وحكمته ما يعانيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وما الذى يدور بداخل قلبه الطاهر فكانت هذه المعجزة لتثبيت قلب النبى وتكريمه وتشريفه , أراد الله أن يكرمه وأراد أن يشرّفه فكانت رحلة الإسراء والمعراج جبرا لخاطر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وكأن الله عزوجل يخاطب نبيه وحبيبه ( صلى الله عليه وسلم ) : يامحمد إن كان أهل الأرض قد أهانوك فإن أهل السماء يجبوك , إن كان أهل الطائف وأهل مكة قد طردوك فإن رب الأرض والسماء يدعوك .
والكثير منا يظن أن تكريم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وتشريفه قد وقف عند حد معجزة الإسراء والمعراج فقط , لكن الحقيقة أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عاش مكرما من ربه طوال حياته , مؤيدا بكثير من المعجزات التى أثبتت صدق دعوته وسمو رسالته , وأعظم المعجزات التى كرّم الله بها نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) معجزة القرآن الكريم أعظم وأجلّ معجزة نزلت على قلب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) .
ومن هذا الحدث العظيم ومن هذه المعجزة الكريمة علينا أن نتعلم جميعا أن الله عز وجل لا ينسى عباده مهما ضاقت بهم الأمور وازداد بهم البلاء ووقعت بهم الشدائد وأن الله عز وجل يخفف عن كل مكروب كربه ويفرج عن كل مهموم همه , وحتما سيجعل الله بعد العسر يسرا وبعد الضيق مخرجا وذلك لمن حقَّق له التقوى وأثبت له حسن الظن به والتوكل عليه والاستعانة به والرجاء فيه . قال تعالى : (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)وقال : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ) , (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) .
وقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) : ” لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ” ( الترمذى وغيره عن عمر بن الخطاب )
ووجب على كل مسلم أن يتمسك بالصلاة التى فرضها الله عزوجل فى هذه الليلة المباركة فهى عماد الدين وثانى أركان الإسلام ولا يقوم الدين إلا بها وأن يعرف كل شخص منا قدر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ومكانته فقد حنَّ الجذعُ لفراق رسول الله وسلمت عليه الأحجار وسلمت عليه الجبال والأشجار . فعن جابر بن سمرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : ” إنى لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم علىّ قبل أن أُبعث إنى لأعرفه الآن ” (صحيح مسلم ) . وعن علىّ رضى الله عنه قال : ” كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا فى بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله ” (الترمذى) .
وأخيراً نقول: السلام عليك يارسول الله , ياخير خلق الله , يا صاحب الإسراء والمعراج , يا أطهر وأشرف مخلوق عرفته البشرية , طبت حياً وطبت ميتاً ياسيدى يا رسول الله .