من المعلوم أن الحسنات في شهر رمضان تتضاعف والمعصية أيضا في رمضان تتضاعف وذلك لأن زمن رمضان ووقته وقت طاعة واجتهاد في العبادة فهو الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار و تصفد فيه الشياطين دعاة الشر و مزيني المعاصي و المنكرات لبني آدم وهو الشهر الذي يدعو فيه داع كل ليلة: (يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر) ولهذا يجب على الصائم أن ينَزه صيامه عما يجرحه وربما يهدمه وأن يصون سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى وأن يكون عف اللسان فلا يلغو ولا يرفث ولا يصخب ولا يجهل وألا يقابل السيئة بالسيئة بل يدفعها بالتي هي أحسن وأن يتخذ الصيام درعا واقية له من الإثم والمعصية ثم من عذاب الله في الآخرة.
قال تعالي:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب – وفي رواية: (ولا يجهل) – فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم مرتين).
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري:( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء).
ولقد نهانا المولي عز وجل عن السخرية والتقليل من شأن الآخرين بالغمز واللمز والهمز وكذلك عن غيبتهم وشبه من يفعل ذلك بمن يأكل لحوم الموتى فقال تعالي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
وقال الإمام أحمد:( لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم)وهذا دليلا علي كثرة الوقوع في هذه المعصية المسماة بفاكهة المجالس وإن كانت الغيبة والهمز واللمز لايفطر صاحبه ولكنه قد يذهب بثواب الصائم لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
والحق أن هذه خسارة ليست هينة لمن يعقلون ولا يستهين بها إلا أحمق فإنه يجوع ويعطش ويحرم نفسه من شهواتها ثم يخرج في النهاية ورصيده (صفر) من الحسنات
قال بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصامم
وفي مقلتي غــض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما
وإن قلت: إني صمت يوما فما صمت
فليتقي الله المسلم في أعراض إخوانه المسلمين وليحفظ لسانه عن غيبتهم والسخرية تقليلا من شأنهم إن الواجب على المسلم أن يدافع عن أعراض إخوانه المسلمين فإن ذلك من علامات الإيمان وصدق الأخوة وأسباب الفلاح والنجاة من النار
وقال أحد السلف:
أن من أتى عليه رمضان صحيحا مسلما فصام نهاره وصلى وردا من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته جماعة وبكر إلى الجمعة فقد صام الشهر واستكمل الأجر وفاز بجائزة الرب التي لا تشبه جوائز الأمراء.