لئن كانت الدعوة إلى ضرورة الشروع في تجديد الخطاب الديني في عمومياته، والذي يقصد به تجديد تلك الطرق والأساليب والقوالب والصيغ والمناهج، هي إحدى خصائص الخطاب الديني الرشيد من حيث هو، وفي كل عصر، فإن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم العربي الإسلامي، حيث تتصاعد موجات الكراهية والتطرف والعنف والإرهاب والتكفير التي طالت القاصي والداني في شتى أرجاء المعمورة .
بات من الواجب اللزام العمل و بموضوعية شاملة؛وميدانية بحته على إضفاء ذلك على أرض الواقع بأبعاده القيمية والمجتمعية والقومية بلا زيغ أو تحريف .
لقد عانينا منذ أواخر القرن الماضي من انتشار المد الوهابي المتطرف بإعلامه المرئي والمسموع وفكره المدسوس في بطون الكتب المغرضه من انتشار لغة العنف والتطرف الفكري والتعصب القبلي بتكفير سواد الأمة ظلما وبهتانا؛وتشويش أفكار العوام من الناس بخلق حالة من الجدل والشتات حول قضايا تكاد تكون من الثوابت دينيا وعقديا ؛ كقضية تسييد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام والتشفع والتوسل بحضرته النبوية الشريفة….و……و……و……
و اليوم إذا كانت مؤسساتنا الدينية تحرص على نشر حقيقة الإسلام ومواجهة الفكر المنحرف وتتبنى استراتيجية كاملة لمواجهة التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية مثل داعش وغيرها، فمازال السؤال يطرح نفسه، رغم تثميننا للجهود المبذولة من قبل مؤسساتنا الدينية، أما زالت المؤسسات الدينية قادرة على إحداث ثورة تجديدية على مستوى الأفكار والمفاهيم حتى نواجه الإرهاب؟ وما السبيل لإزالة العقبات المانعة من التجديد؟!
لابد من العمل ضخ دماء جديدة دعويا قادرة على التصدر للمشهد الدعوي وسطيا باريحية تامة ؛تحظى بالقبول لدى الشارع العربي والإسلامي!
ولطالما نادينا من خلال هذا المنبر والمنابر الأخرى بضرورة عقد الندوات التثقيفية والمحاضرات الأكاديمية لدعاتنا من الأوقاف ولوعاظنا من الأزهر الشريف نظريا وعمليا على أرض الواقع رتقا للفجوة القائمة بين رجال الدعوة ورجال الشارع …
نريد أن نعود بفكرنا الوسطي إلى حيث الصدارة في سياسة تشريعية تواكب العصر ومتطلباته ومستجداته المطروحة على الساحة أم أنه قد اتسع الخرق على الراتق؟
مرعاة البعد الأسري والاجتماعي والتوزيع الجغرافي لرجالات الدعوة ضرورة حتمية لابد من إعادة النظر إليها فلا يعقل أن يتكبد قياديا في حقل الدعوة عناء السفر في الطرق العامة يوميا جراء توزيعه في غير محل إقامته مما يؤثر بالسلب على ادائه مهنيا واداريا ….. لابد من إعادة النظر في ضوء الإمكانيات والتجديد .
مأساة كبيرة حين يقوم مدير إدارة أوقاف بالبحيرة بتوزيع ملزمة بحثية في دورة خطباء المكافأة التي حضرها ما يزيد عن ألف خطيب بإسقاط نصوص ضعيفة لا ترقى إلى حد التواتر والإجماع تمنع التوسل بحضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا أدنى رقابة أو متابعة تعرضا منه لجناب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مثيرا بذلك الفتنة والتخبط الفكري لهؤلاء القادمين لتلقي العلم والتأهيل الفكري الوسطى !
وإن كانت وزارة الأوقاف تحرص على ألا يتصدى للدعوة إلا من كانت روحه متفقة مع روحها »التسامح ـ الوسطية ـ التبشير لا الإنذار- اليسر لا العسر« ومع هذا لا يستطيع أحد أن ينكر أن المتطرفين لا يزالون يمارسون نشاطا دعويا، ومن المتطرفين فكريا من يشغل مواقع علمية فى الجامعات وحقول الدعوة المصرية، فضلا عن المواقع الإدارية، ولا تزال أفكارهم المتردية تسيطر على فكر بعض الناشئة.وان جازت اللفظة فيمكن أن نطلق عليها الخلايا النائمة!
وحتى تكون قضية التجديد واضحة الوضوح الكامل، فلا بد أن نقول إن تجديد الخطاب الديني، لا ينبغي أن يكون إضعافاً للدين في حياة المسلمين، بإقصائه أو بالتقليل من تأثيره، أو بالعبث به جهلاً وتفريطاً وانسياقاً مع الأهواء. فهذا الصنيع هو إلى التبديد أقرب منه إلى التجديد، على أي نحو من الأنحاء. وإلى ذلك فإن التجديد للخطاب الديني لا يعني التجديد لأصول الدين وثوابته، فهذه مسائل غير قابلة للتجديد أو التغيير، لأنها أركان يقوم عليها بنيان الإسلام وشريعته.
فالخطاب الديني إنما ينصرف إلى أشكال الدعوة والإرشاد على وجه الإجمال، التي هي ليست خطباً ومواعظ ودروساً يرددها كل من ينهض بهذه المهمة، بل هي في عمقها رسالة تنويرية تهدف إلى بناء العقول وترشيد السلوك، يفترض أن يتصدى لها وينهض بها من يملك مؤهلات وقدرات وإمكانات تجعله عارفاً بمقاصد الإسلام السمحة، ومؤثراً في محيطه، ومنفتحاً، في الوقت ذاته، على المتغيرات التي يشهدها العالم، حتى لا يبقى منعزلاً، منكفئاً على ذاته، يخاطب نفسه، ولا يوجّه خطابه إلى الآخرين.