اللواء زكريا الغمري: الداخلية تنتهج فلسفة عقابية أهدافها اجتماعية
د. رندا رزق: نحتاج تشريعا ينظم عملية الإفراج
تحقيق: خلود حسن
بمناسبة شهر رمضان المبارك، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قراراً بالإفراج عن الغارمات، ضمن مبادرته “سجون بلا غارمين وغارمات” التي يتبناها, فمنذ توليه المسئولية وهو لا يدّخر جهدا للنهوض بالمرأة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذلك وجَّه الحكومة لحل المشاكل التي تعانى منها المرأة.
كما تبنى العديد من المبادرات المهمة لصالح المرأة ومنها مشكلة الغارمات اللاتي فقدن حريتهن لضيق أحوال المعيشة، فأطلق الرئيس مبادرة “مصر بلا غارمين وغارمات”، عبر صندوق “تحيا مصر”، الذي خصص 30 مليون جنيه لمواجهة المشكلة، وتمكّن من فك كرب الكثير من الغارمين.
وكانت القوات المسلحة قد تكفّلت بدفع المبالغ المستحقة عن 48 غارمة من ربات الأسر في أغسطس 2013، وافرج عنهن، وفى فبراير 2015، أطلق الرئيس مبادرة “مصر بلا غارمات”، وبدأت نشاطها بالإفراج عن دفعات متتالية من الغارمات في العام نفسه، بعد التصالح على أكثر من 1100 قضية، وفى يونيو 2018، أطلق الرئيس مبادرة أخرى بعنوان “مصر بلا غارمين وغارمات”، بسداد ديون 960 غارماً وغارمة، من صندوق تحيا مصر، بقيمة 30 مليون جنيه.
عطاء مستمر
ولم تتوقف عمليات الإفراج عن الغارمين والغارمات، حيث أفرج قطاع السجون عن 683 غارماً وغارمة، ضمن الاحتفالات بذكرى ثورة 23 يوليو، بعد تسديد مديونياتهم من صندوق “تحيا مصر”.
وفى 21 مارس 2019، أعلن صندوق “تحيا مصر” سداد ديون 70 غارمة بمناسبة عيد الأم، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للإفراج عنهن، خلال احتفالية نظَّمها قطاع السجون بوزارة الداخلية، ليصل عدد المفرج عنهم من أموال صندوق “تحيا مصر” لـ6000 غارم وغارمة.
فلسفة عقابية حديثة
وأعلن اللواء زكريا الغمري، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، أنه بمناسبة شهر رمضان المبارك, تم الإفراج عن مئات الغارمين والغارمات، وشدد على أهمية إدراك المفرج عنهم خطورة التورط في كتابة شيكات على أنفسهم مرة أخرى، وعدم الاستدانة من الأشخاص غير الأسوياء والذين يزيدوا من القيمة المالية للشيك.
وأكد أن عدد الغارمات في تناقص داخل السجون نتيجة الإفراج عنهن، ولم يتبق إلا أعداد قليلة بسبب تعثر التفاوض مع الدائنين الذين يرفضون التصالح من بينها شقيق رفض التنازل عن قضايا ضد شقيقه، وسيدة رفضت التنازل عن قضية ضد نجلها بالرغم من عرض الأموال عليها للتصالح، وهذا خارج عن إرادتنا ونعمل على حلها.
ويوضح اللواء الغمري أن توجيهات الرئيس السيسي للوزارة هى العمل بصفة مستمرة لحل المشكلة وعقد لجان فحص ملفات الغارمين والغارمات للإفراج عنهم عقب سداد ديونهم تنسيقًا مع صندوق تحيا مصر.
وأشار، إلى أن الوزارة تنتهج مفهوم فلسفة عقابية حديثة، بإعادة تأهيل السجناء ودمجهم في المجتمع مرة أخرى، مؤكداً أن دور الوزارة لا يقتصر داخل السجن بل خارجه بتقديم مساعدات للمفرج عنهم وأسر المحبوسين تنسيقًا مع قطاعات الوزارة المعنية والجهات المختصة لمنع عودتهم للجريمة مرة أخرى.
ضوابط قانونية
وقالت د. رندا رزق، عضو المجلس الرئاسي للتنمية المجتمعية, إن المجلس درس 100 حالة أفرج عنها الرئيس السيسي، وكان حينها وزيرا للدفاع في 2013، موضحة أنه لا توجد ضوابط قانونية يلجأ إليها القاضي خاصة بالأحكام في حق الغارمات، ومن الممكن سجن سيدة عاما لتعثرها في سداد 100 ألف جنيه، ونظيرتها تسجن 5 سنوات بسبب التعثر في سداد 10 آلاف جنيه.
وأكدت أن الرئيس السيسى اهتم أولا بالإفراج عن الغارمات قبل الغارمين للإصلاح الاجتماعي، حيث أن الأم عندما تسجن يحدث انهيار للأسرة بالكامل ومشاكل كبيرة لأبنائها كانتشار أطفال الشوارع.
ظاهرة الفقر
ويؤكد د. محمود عبدالله، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن مشكلة الغارمات لم تظهر بين يوم وليلة، بل هي نتاج تحولات اقتصادية عديدة شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، بجانب تفشي ظاهرة الفقر والبطالة في المجتمع، وعدم قدرة الأسر على توفير مصدر دخل يضمن لها الحد الأدنى من الحياة الكريمة.
ويوضح أن الذين عجزوا عن سداد ديونهم رغم بساطتها، ليسوا مجرمين تحت أي ظرف، بل وقعوا تحت غول الحاجة وظروف المعيشة الصعبة التي اضطرتهم إلى طريق الديون، مضيفاً أن الدولة عليها مسئولية كبيرة نحو هؤلاء ويجب التعامل معهم برأفة، فهم وغيرهم الآلاف يعيشون ظروفا شديدة القسوة، وربما يعيشون على الكفاف ولا يجدون قوت يومهم، فمن الطبيعي أن يلجؤوا إلى الاستدانة كسبيل وحيد أمامهم، وللأسف لا تزال في القانون بعض الثغرات في التعامل مع قضية الغارمين، والذين قد يحولهم دَيْن لا يتعدى مئات الجنيهات، إلى مجرمين ليزج بهم خلف أسوار السجون.
توعية الغارمين
وقالت د. آمنة نصير- أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، عضو البرلمان-: الغارم أو الغارمة يجب توعيتهم لكي نقضي على هذه الظاهرة, حيث لهما حق على مجتمعهما، ويجب بحث الأسباب الاجتماعية التي تؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة مثل فساد واستغلال التجار لحاجة المواطنين الفقراء، والسعي لتأهيلهم بعد الخروج، لأنه لا أحد يوافق على منح سجينة سابقة فرصة عمل.
وأكدت د. أمنة، أن مشكلة الغارمات تمثل أزمة حقيقية من واقع المجتمع المصري ويجب علينا مواجهتها بحسم، فإن نسبة الغارمات زادت بشكل كبير في المجتمع بسبب المغالاة في متطلبات الزواج وإقامة العرس، وظاهرة الغارمات ستزيد من أطفال الشوارع لأن الأم هي المعيلة لهم وستزيد بالتالي من المتسربين من التعليم وسيصاب أولادها بالوصم الاجتماعي, والحبس في هذه القضية يعقدها ولا يحلها لذلك يمكن استغلال الغارمات في خدمة المجتمع بعيدًا عن الحبس الذي لن يفيد أحدا بل سيضر الجميع.
وتضيف: قرار الرئيس السيسي فيه إدراك كبير لحجم معاناة الأسر المصرية التي تعولها المرأة فبعض هؤلاء النساء قد تُسجن بسبب مبالغ مالية زهيدة لا تتعدى ألف جنيه، ولابد من توعية كل سيدة بشأن التوقيع على إيصال الأمانة أو الشيكات، والآثار الخطيرة المترتبة على ذلك.