السكن والمودة عملية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، فالحياة أخذ وعطاء، أو قُلْ عطاء متبادل، وليست أخذًا فقط. السكن والمودة مطلوبان في حياتنا وعلاقاتنا كلها، غير أن الحديث عن السكن والرحمة التي تحمل في طياتها كل معاني المودة وزيادة، جاء في سياق الحديث عن بناء الأسرة المستقرة، حيث يقول الحق سبحانه: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21)، ويقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ” (النساء: 1)، فقد سمّى القرآن المرأة زوجًا للرجل ولم ترد بلفظ زوجة في القرآن إلا مرة واحدة، وكأن القرآن قد اتخذ من التكافؤ اللغوي واللفظي إشارة ودلالة على التكافؤ المعنوي، فيقول سبحانه: “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” (البقرة: 187)، ويقول: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة: 228)، ويقول “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ” (النساء: 32)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في خطبته الجامعة في حجة الوداع: “أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا” (سنن الترمذي).
فالأمر قائم على السكن والمودة والرحمة والحقوق والواجبات المتبادلة، بعيدًا عن كل ألوان الغلبة والاستعلاء، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستقر في أجواء الغلبة والاستعلاء والقهر، إنما تستقر في أجواء التقدير والاحترام المتبادل، وتتطلب العمل من جميع أطرافها على صناعة البهجة وتحمل الصعاب ومواجهة التحديات.
وإذا كان ديننا الحنيف قد احترم آدمية الإنسان وكرامة الإنسانية فقال سبحانه: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء: 70)، حاثًّا بذلك على إكرام الإنسان لآدميته كونه إنسانًا، فكيف لا يكرم كل زوج من ذكر أو أنثى زوجه الذي اختاره الله له معينًا في مسيرة حياته.
وإسهامًا من وزارة الأوقاف في العمل الجاد على استقرار الحياة الأسرية التي لا يمكن أن يستقر أي مجتمع إلا باستقرارها، أطلقت مبادرة سكن ومودة، للتثقيف المكثّف بحقوق وواجبات الحياة الزوجية والعمل على استقرار الحياة الأسرية والحد من ظاهرة الطلاق والمشكلات الأسرية.