لقد خلقت وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة حالة مما يمكن أن نطلق عليه مصطلح “المشاعر العابرة للحدود” أى التعاطف والمشاركة الاجتماعية فى المشاعر والاحتياجات والآلام والطموحات التى يعيشها الناس فى بعض الحالات الخاصة، وكأنهم فى مجتمع واحد رغم تباعد الأوطان، وفى هذا يحضرنى الحديث النبوى الشريف الذى يقول فيه سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فيما رُوى عن النعمان بن بشير- رضى الله عنه-: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”، والإيمان هنا لا يمكن أن نُقْصِره على الإيمان العقدى فقط لأتباع وأصحاب الدين الواحد، وإلا نكون قد ظلمناه بتحجيمنا إياه وتقليلنا من شأنه، وإنما نوسِّع دائرته ومفهومه وجوهره ليشمل الإيمان بالقيم الإنسانية والأخلاق النبيلة والسلوكيات القويمة التى تحقق الأمن والأمان لكل بنى البشر بل والحيوان والشجر والحجر، حتى نستحق أن نكون “خلق الله”.
وأقرب مثال على هذا الوصف، تلك الحالة التى خلّفتها مأساة الطفل المغربى “ريان” الذى سقط فى بئر وظلَّ عالقا مدة خمسة أيام، وعلَّق معه القلوب الرقيقة والحسَّاسة فى مختلف دول العالم، على اختلاف ألوانها وأجناسها وعقائدها وأوطانها، فالجميع حبس أنفاسه وظلّ متابعا لكل لحظة من لحظات الإنقاذ التى باشرتها السُلطات المغربية، والجميع يتضرّع إلى الخالق سبحانه أن تُظلِّل ذاك الطفل رعاية الله وحفظه.
وقُبيل هذه المأساة حدثت نفس “المشاعر”- حتى وإن اختلفت فى ردود أفعالها أو اهتمامها- مع تلك الأسرة السورية المكلومة التى راحت جميعها شهيدة الطقس القارس الذى تحالف مع مأساة الحروب والنزاعات المسلّحة!
وقبلها وبعدها الكثير من المآسى بل الكوارث التى يواجهها بنو البشر فى شتى بقاع الأرض- وإن كان أغلب ضحاياها من المسلمين- وأكبر شاهد على ذلك تلك المآسى التى يعيشها يوميا الفلسطينيون، الصوماليون، العراقيون، اليمنيون، ومازال القوس مفتوحا لكل الشعوب والأقليات فى تلك المجتمعات التى تُقتل فيها القيم الإنسانية، وتُباد فيها عناصر الرحمة والتعاطف، وتُهدر فيها الكرامة، وتُسفك المشاعر الطيبة، على مقصلة العنصرية البغيضة، والتطرف الأسود، والصراعات الدنيوية والدنيئة على السُلطة والنفوذ.
ما يعنينى هنا، هى تلك الحالة الشعورية من التعاطف والتشارك الوجدانى، والتلاحم الاجتماعى والإنسانى، والتى أرجو أن تعُمَّ كل بنى البشر، وخاصة من بيدهم زمام القيادة واتخاذ القرار، لتغيير الأوضاع المأساوية، والسعى لإقرار الأمن والسلام على الجميع، فلابد من استثمار وسائل التواصل الاجتماعى هذه فى التغيير لما هو أفضل، وعدم الاكتفاء أو التوقّف عند مجرد التعاطف الوجدانى، وفى هذا أستحضر ما روى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضى الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فعلى كل فرد منَّا أن يُغيّر من نفسه، ونُعدِّل من أخلاقياتنا وسلوكياتنا، حتى يُصلِح الله تعالى أحوالنا.